عندما ارتفع سعر اليورو امام الدولار في مطلع ديسمبر الحالي وصار اليورو يساوي 1.32 دولار وهو اعلي مستوي له في العشرين شهرا الاخيرة توافد الالمان والفرنسيون والاسبان عبر الاطلنطي في رحلات قصيرة للتسوق حيث كانوا يشترون حاجياتهم باسعار تقل بنسبة الثلث.. وتقول مجلة "نيوزويك" ان اوروبا تشعر بقوة اليورو وتستمتع بانخفاض قيمة الدولار علي الرغم من ان ذلك قد يقلل من حجم صادراتها الي السوق الامريكي بشكل خاص. صحيح ان تيري بريتون وزير المالية الفرنسي دعا الي الاحتراس من قوة اليورو حتي لا تؤدي الي خفض الصادرات الاوروبية عموما ولكن ناوت ويللينك محافظ البنك المركزي الهولندي اعتبر هذا التحذير مجرد استجابة ميكانيكية لأمر يعد في الحقيقة تأكيدا لصعود قوة أوروبا.. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فلابد أن نشير هنا الي ان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) التي يوجد مقرها الرئيسي في باريس قد خفضت مرة اخري توقعاتها بشأن معدل نمو الاقتصاد الامريكي في عام 2007 لتجعله 2.4% ورفعت توقعاتها بشأن معدل النمو الاوروبي في العام نفسه لتجعله 2.2% وقالت المنظمة ايضا ان هذا يفسر قوة اليورو التي وان كانت تهدد الصادرات الاوروبية الا انها تزيد من قوة اوروبا الشرائية في الخارج وتخفض معدل التضخم كما تخفض تكلفة الائتمان في البلدان الاوروبية. وتقول جابرييل شتاين كبيرة الاقتصاديين في شركة الاستشارات لومبارد ستريت ديسيرش ان كثيرا من الاوروبيين يدركون ان قوة اليورو من قوة اوروبا ويعتبرون ارتفاعه امام الدولار من الانباء السعيدة. لقد عانت أوروبا من الاعتماد الاقتصادي علي امريكا في السنوات الاخيرة بالذات وكان معروفا ان ما حققته اوروبا من نمو في عامي 2003/2004 قد تحقق اعتمادا علي الصادرات الاوروبية الي السوق الامريكي.. وفي ذلك الحين كانت ثقة المستهلكين الأوروبيين منخفضة.. ولم تكن الشركات الاوروبية قد تمكنت من غرس اقدامها في أسواق التصدير القوية مثل الصين وشرق اوروبا علي عكس ما هو حادث الان ولذلك عندما زاد اليورو 5% امام الدولار عام 2004 كان ذلك موضع اهتمام عاجل من الاوروبيين وقد وصف جين - كلود تريتشت هذه الزيادة بانها قاسية ولكنه التزم الصمت امام الزيادات الاخيرة في سعر اليورو امام الدولار والسبب في ذلك كما يراه بيتر فان هوت الخبير في بنك (ING) هولسيل في بروكسل هو ان اساسيات اقتصاد منطقة اليورو قد تغيرت جذريا الي الاحسن في السنوات القليلة الماضية. وعلي سبيل المثال فان اوروبا قوت علاقاتها التجارية مع بلدان اخري غير امريكا وهذا جعلها اكثر توازنا.. فحجم الصادرات السلعية الاوروبية الي السوق الامريكي في العام الماضي بلغ 185 مليار يورو بزيادة 5 مليارات يورو فقط عن عام 2001 اما مبيعاتها السلعية الي اسواق آسيا فقط بلغت 244 مليار يورو بزيادة 44 مليار يورو خلال نفس الفترة المقارنة وهكذا اصبحت اسيا هي الشريك التجاري الاول للاتحاد الاوروبي وتجدر الاشارة هنا الي ان البرازيل وروسيا والهند والصين اسهمت في نمو الاقتصاد العالمي في العام الماضي بنفس قدر الاسهام الامريكي تقريبا وذلك حسب تقديرات خبراء جولدمان ساكس.. وفي نفس الوقت فان ارتفاع اسعار البترول عزز النمو الاقتصادي في الشرق الاوسط وجعل من دول هذه المنطقة سوقا مهما لاوروبا. وباختصار يقول يورجين ميتشلز خبير الاقتصاد الاوروبي في سيتي جروب بلندن ان الاقتصاد الامريكي اصبح اقل اهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي مما اعتاد ان يكون.. اضف الي ذلك ان اليورو لا يقوي بنفس نسبة ضعف الدولار فرغم ان اليورو زاد 11% امام الدولار منذ بداية 2006 فان قوته امام عملات اهم 23 شريكا تجاريا لاوروبا بما فيها بريطانيا واليابان لم تزد الا بنسبة 5% فقط وهذا يعني ان التأثير التنافسي لليورو اوسع من ان يتحدد عن طريق علاقته بعملة واحدة فقط حتي لو كانت هذه العملة هي الدولار وهذا ما يؤكده ايضا ماثيو شارات خبير اقتصاديات منطقة اليورو في بانك اوف امريكا.. واكثر من ذلك فان الاقتصاديين يتفقون علي ان الدولار سيواصل هبوطه وبصفة اساسية امام العملات الآسيوية مثل الين الياباني واليوان الصيني وذلك العجز المزدوج في الموازنة والحساب الجاري الأمريكي.. وهذا سيؤدي إلي موازنة علاقات امريكا الآسيوية ولكنه لن يؤثر كثيرا علي النمو الاوروبي. وعموما فان اوروبا لن تقلق من قوة اليورو امام الدولار الا اذا اخترق حاجز ال1.37 دولار لليورو فحينئذ سيتدخل البنك المركزي الاوروبي ويخفض اسعار الفائدة ليقلل الاقبال الاستثماري علي اليورو.. اما قبل ذلك فستظل قوة اليورو دلالة ايجابية بالنسبة للاوروبيين وللاقتصاد الاوروبي بوجه عام.