من الجهل والغباء ان يتصور البعض ان المقال الذي نشر في "العالم اليوم" الخميس الماضي يناقش من قريب او بعيد هل التحليل الفني علم ام لا؟! وهل مطلوب منعه او حجبه من الاسواق ام لا؟! لان مثل هذا الطرح يوازي دعوة طيور الظلام للانغلاق في مواجهة الحداثة والتطور في العالم. الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان التي اكدناها في اول المقال الماضي ان التحليل الفني وصل لمرحلة النضج واصبح علما رائعا، يقوم علي اسس واضحة فهو يقيس سلوكيات المستثمرين والمضاربين في الاسواق تاريخيا، بشرط ان تكون الاسواق كفئاً وتعمل آلياتها وفقا لقواعد السوق الحر، وان يكون السوق نشطاً والسهم له تاريخ وسيولته مرتفعة، وبالتالي يظهر في الجرافات والمنحنيات البيانية تأثير كل الاحداث الاقتصادية والارباح والميزانيات، وسلوك المستثمرين وفقا لها بالبيع والشراء علي منحنيات الاسعار الخاصة بالاسهم ومن خلال الخبرات التاريخية لخبراء التحليل اصبح كل شكل بيانياً يعطي مؤشر محددا لاتجاه السهم المستقبلي سواء بالصعود او الهبوط او التحرك العرضي ويتم تحديد نقاط المقاومة والدعم ووقف الخسائر والمستويات والظروف المناسبة للشراء. اي ان التحليل الفني علم وصل الي مرحلة الرشد ومن الغباء المطلق والجهل طرح فكرة "الغاء" ومنع التحليل الفني من قريب او بعيد، لان ذلك يعني فكرة الهروب من واقع به اخطاء بدفن الرأس في الرمال. وهذا الطرح غير وارد بالمرة خصوصا مع تطور اسواق المال وقد نري خلال اعوام محدودة بورصة نشطة للسلع او المشتقات والعقود المستقبلية والآجلة، وبورصة للعملات وهذه الانواع من الادوات المالية لا تستغني ابدا عن التحليل الفني بل انه الموجه والمرشد الاساسي للمتعاملين فيها.. وبالتالي زيادة دور وتفعيل التحليل الفني هو دور رئيسي لجمعية المحللين الفنيين خصوصا اننا نمتلك محللين ذوي قدرات عالية اخص بالذكر منهم ياسر المصري وايمن واكد وصالح ناصر ومحمد الزيات بالاضافة الي احد رواد التحليل الفني في مصر هشام رامز. التساؤل الذي اثرناه في المقال السابق لم يكن يناقش من قريب او بعيد فكرة الغاء التحليل الفني، فهو تفكير ساذج كما لا يستطيع ان يواجه تطورات العصر فيغلق ابوابه علي نفسه ويتراجع لعصور الظلام، ويموت اكلينيكيا ولكن ناقشنا ومازلنا في مقالات عديدة فكرة هل الظروف الموضوعية للسوق المصري تسمح بتوقع التحليل الفني لاداء السوق، ام ان التحليل الفني هو الذي يوجه السوق؟! إن اهم متطلبات نجاح التحليل الفني هو ان تعمل الاسواق سواء السلع او العملات او البورصات واسواق الاسهم بكفاءة بعيدا عن اي تدخلات ادارية وان تكون الاسواق نشطة وسيولتها عالية، والاسعار تتحرك وفقا للمؤثرات الاقتصادية والعرض والطلب الناتج عنها وان تكون الاسواق شفافة والمعلومات متاحة امام جميع المستثمرين في نفس الوقت، وان تكون الاسهم محل التحليل ذات تاريخ وتتوزع بين عدد كبير من المستثمرين. والاهم من كل ذلك ان تغيب الاحتكارات عن السوق والا تتحكم بعض الشركات الكبري في السوق فنجد ان نصيب الاسد من تعاملات سوق السمسرة في مصر في يد شركتين او ثلاث شركات وبالتالي فهي تستطيع التحكم في اتجاه السوق والمصيبة ايضا ان هذه الشركات تمتلك اكبر محافظ مالية وتدير اكبر عدد من صناديق الاستثمار اي انها تحتكر السوق، وهو ما يؤدي فعليا الي توجيه التحليل الفني للسوق بدلا من ان يتوقع اتجاهاته. فما هو المطلوب؟! ببساطة يجب ان يتم صياغة قانون جديد لسوق المال، ونعلم ان الهيئة العامة لسوق المال برئاسة الدكتور هاني سري الدين مهتمة تماما بذلك خصوصا ان الرجل يمتلك خبرات اكاديمية وقانونية تمكنه من ذلك بالاضافة الي ان الهيئة شهدت تطورات مذهلة مؤخرا. واهمية صياغة قانون جديدة لسوق المال تأتي نتيجة للتطورات التي شهدتها البورصة، وتنامي قدرات وخبرات المتعاملين بما يؤهل بالتعامل في المشتقات مستقبلا وكذلك العقود الآجلة، وكذلك قانون يحمي الاقليات بشكل افضل ولا يقل عن القوانين الاوروبية والامريكية، قانون يمنع الاحتكارات في سوق المال، ويحدد سقفاً لتعاملات كل شركة سمسرة من اجمالي السمسرة بالسوق او من اجمالي قيمة رأس المال السوقي ويحدد سقف للصناديق والمحافظ التي تديرها كل شركة. نعم.. القانون الحالي يمتلك لائحة تنفيذية مطاطة تسمح بادخال بعض التعديلات ولكن نمو السوق المصري يتطلب قانوناً جديداً لسوق المال يحقق العدالة والشفافية ويمنع الاحتكارات حينها لن يتكون الفكرة الحمقاء الخاصة بالغاء التحليل الفني واردة لان الاوضاع ستكون مساعدة مع سوق اكثر كفاءة. ملحوظة: مقال الاسبوع الماضي عن التحليل الفني وكفاءة السوق المحلي كانت ردود الفعل حوله كبيرة وتلقيت عشرات الاتصالات من العديد من كبار الخبراء والرواد في مجال اسواق المال اغلبها كانت تؤيد ان التحليل الفني يتطلب اسواقاً تعمل بكفاءة كما تلقت عشرات من رسائل البريد الالكتروني سننشرها علي حلقات وفي انتظار تعليقاتكم علي البريد الالكتروني اسفل المقال. [email protected]