التقطت أسواق البترول العالمية في الأيام الأخيرة أنفاسها مع الهدوء المؤقت الذي سيطر علي الملف النووي الايراني، لتتراجع الأسعار من مستويات ال70 دولاراً للبرميل الي مستويات ال60 دولارا وان كان لايزال الملف الإيراني قابلاً للتصعيد مرة أخري وهو ما قد يدفع بالأسعار مرة أخري للعودة الي تحطيم أرقامها القياسية .. ومع استمرار عوامل الارتفاع وتوقعات بالمزيد تجني الدول المصدرة للبترول خاصة الخليجية المزيد من العائدات التي يثار حولها العديد من التساؤلات ابرزها .. الي اين سوف تذهب تلك الإيرادات ؟ 522 ملياراً ... توقع تقرير حديث صادر عن بيت الاستثمار العالمي "جلوبل" أن تبلغ عائدات دول اوبك من البترول خلال العام الحالي 522 مليار دولار وتتراجع قليلاً الي 495 مليار دولار في العام المقبل، وقدر صافي عائدات أوبك النفطية للعام الماضي 2005 بنحو 473 مليار دولار. ويري المحللون انه نظرا لتقادم الصناعة النفطية فإن أسعار النفط قد تظل مرتفعه بنسبة تربو علي 40% عن السنة الماضية فإن عوائد 2005 للدول المنتجة من دول الخليج وغيرها ستنمو بمقدار 35% عن السنة الماضية. عائدات قوية .. فالشركات النفطية الأمريكية وغيرها تحقق أرباحاً وعوائد قياسية، كما هو الحال بالنسبة لدول أوبك المنتجة للنفط حيث من المتوقع مع نهاية هذا العام أن تحقق كل من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات ودول الخليج الأخري عوائد من بيع النفط قد تصل إلي أكثر من 350 مليار دولار أمريكي وأكثر من نصف هذه العوائد ستكون من نصيب المملكة العربية السعودية باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم حيث يقدر لها أن تجني أكثر من 180 مليار دولار في نهاية هذه السنة، فقد بلغ سعر بيع النفط السعودي 59 دولاراً للبرميل، كما هو أيضاً بالنسبة للنفط الكويتي الذي جاء أيضاً متوسط سعر بيعه 55 دولارا للبرميل وبذلك متوقع أن تحقق الكويت عوائد تربو علي 60 مليار دولار وغالباً ما ستبقي هذه المعدلات عند مستوي هذا السعر فقط لدول الخليج حتي نهاية السنة وبهذه المعادلات ستحقق المملكة العربية السعودية فائضاً في موازنتها قد تصل إلي 70 مليار دولار وهو أكثر من ضعفي الفائض المحقق في السنة الماضية الذي كان 26 مليار دولار. ومن قياس آخر فإن الكويت ستحقق أيضاً فوائض في موازنتها لهذه السنة 30 مليار دولار أمريكي علي أقل تقدير وهو الحال بالنسبة لدول الخليج الأخري حيث ستحقق فوائض في موازناتها يتفاوت بحسب طاقتها الإنتاجية ونفقاتها السنوية، ولكن ليست دول الخليج المنتجة للنفط وحدها التي ستحقق فوائض من ارتفاع أسعار النفط وبشكل عام ليست الدول المنتجة للنفط سواء كانت في أوبك أو خارجها هي التي تحقق وحدها عوائد مرتفعة وسنوات سمان في السوق النفطية بل إن الشركات النفطية تعيش ربيع عمرها، فحينما نعلم أن ما يمثل نسبته 21% من حجم الإنتاج العالمي يحقق عوائد 350 مليار دولار أمريكي كالذي تنتجه كل من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات من مخزون منطقة الخليج الذي فيه نصف الاحتياطي العالمي بينما نجد أن ما تنتجه شركات نفطية لا يتجاوز عددها أصابع اليد استطاعت أن ترفع عوائد سنة واحدة قيمة أسهمها الدفترية والسوقية إلي الضعف لتحقق ما مجموعه أكثر من 370 مليار دولار وإذا علمنا أن هذه الشركات تدير أقل من 15% من حجم الاحتياطي العالمي. وتشير اتجاهات الاستثمارات العربية في الفترة الاخيرة بعد الطفرة النفطية الي تركز تلك الفوائض المالية اما في شكل استثمارات مالية في اسواق المال العربية التي بدأت تسترد عافيتها او في صورة استثمارات مباشرة في العديد من الدول العربية التي تشهد استقرارا نسبيا وهو ما يتضح في حجم الصفقات التي اجرتها العديد من الشركات الخليجية في السوق المصرية علي سبيل المثال وبعض الأسواق المجاورة وادي إلي بروز شركات عربية اقليمية عملاقة في مجال الاتصالات والعقارات. نمو اقتصادي ومن جانبه رأي صندوق النقد الدولي في تقريره نصف السنوي ان الشرق الاوسط سيواصل الاستفادة من نمو اقتصادي كبير في 2007 بفضل اسعار النفط التي يتوقع ان تبقي مرتفعة. وعدل الصندوق قليلا تقديراته المتعلقة بنسبة النمو في دول المنطقة في 2006، موضحا انها ستبلغ 5.8% (مقابل 5.7% في تقديراته السابقة التي نشرت في ابريل الماضي). اما في العام 2007، فتبقي توقعاته علي حالها وهي 5.4%، ورأي الصندوق ان الآفاق الاقتصادية تبقي مشجعة بفضل ارتفاع اسعار النفط. وقال التقرير ان قطاعات النشاطات غير النفطية سجلت اكبر معدلات للنمو (8%) بينما ما زالت الدول (باستثناء ايران) تحتوي التضخم بشكل عام لان عددا كبيرا من البلدان ربطت نقدها بالدولار الامريكي، وبفضل نسبة تضخم معتدلة علي المستوي العالمي وان كانت زيادة طفيفة متوقعة العام المقبل. استهلاك .. وتوقع الصندوق ارتفاع أسعار الاستهلاك في المنطقة بنسبة 7.1% في 2006 و7.9% في 2007 وقال التقرير ان أسواق المال في المنطقة شهدت عمليات تصحيح قاسية في بداية السنة بتراجع تراوحت نسبته بين 25 و35% بالمقارنة مع القمم التي بلغتها، لكن الاستقرار المالي بقي محميا حتي الآن والتأثير علي الاقتصاد الشامل سيكون محدودا. ويتوقع ان يرتفع فائض الحسابات الجارية في المنطقة حوالي 23% في 2006 ليبلغ حوالي 280 مليار دولار قبل ان يبدأ التباطؤ في 2007 (+22.5%). واكد الصندوق ان الأمر لا يقتصر علي الدول المصدرة للنفط، فدول المشرق أيضا استفادت من اجواء مشجعة جدا إقليميا وعالميا. وعبر الصندوق في التقرير عن ارتياحه لان معظم الدول المصدرة للنفط بدأت استخدام عائداتها النفطية لمعالجة مشاكلها البنيوية وخصوصا ضرورة تأمين وظائف للشباب. كما عبر عن ارتياحه لان الشركات النفطية الوطنية في المنطقة تزيد من استثماراتها بهدف زيادة قدراتها الانتاجية، لكنه حذر من مخاطر الافراط في النمو.