في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الوقود يتراجع الإقبال علي استخدام السيارات بوجه عام في أوروبا حيث يحاول المواطنون الأوروبيون توفير نفقات السفر والتنقل عبر اقتناء السيارات الصغيرة والاستغناء عن المركبات في الرحلات الطويلة. وشهد معدل استخدام السيارات ارتفعاً كبيراً في معظم دول أوروبا الغربية خلال السنوات المنصرمة، إلا أن هذا الأمر تغير بسبب الارتفاع الملحوظ لأسعار الوقود. وفي هذا السياق يقول هارتموت كوفيلد من المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين إن العام الماضي شهد تراجعاً في استخدام السيارات بمتوسط 3 بالمائة. وطبقاً لإحصائيات المعهد فإن هذه هي المرة الأولي، التي يتراجع فيها معدل استخدام السيارات في أوروبا بهذا الشكل. ففي السابق كان هناك تراجعاً بصورة طفيفة، لأن سائقي السيارات كانوا يوفرون النفقات في جانب آخر من حياتهم من أجل القدرة علي دفع أسعار الوقود. لقد واجه سائقو السيارات في الدول الأوروبية الزيادة في أسعار الوقود بالكثير من الإجراءات التي من شأنها التقليل من استهلاك الوقود، كعدم استخدام السيارة في الرحلات الطويلة أو اقتناء السيارات الصغيرة الأقل استهلاكاً للوقود، لكن هذه الإجراءات تختلف من بلد أوروبي إلي آخر، كما تفيد بعض دارسات أبحاث السوق التي أجرتها إحدي المؤسسات الألمانية. أسعار منخفضة طوال العقود الماضية كان الأمر مختلفاً في السنوات الماضية، إذ أن سعر الوقود مقارنة بالقدرة الشرائية للفرد في أوروبا كان يميل إلي الانخفاض النسبي، وهذا ما يعبر عنه حقيقية أن سعر لتر البنزين العادي كان يكلف ما مقداره 14 دقيقة عمل عام 1960. في حين أن سعر الكمية ذاتها في عام 1990 لم يكلف سوي 4 دقائق عمل. لكن أندرياس كني من معهد برلين للأبحاث الاجتماعية يري أن هناك تناقضاً في ارتفاع أسعار الوقود وزيادة استخدام السيارات خلال العقود المنصرمة. ويقول كني:"فيما يتعلق بتكاليف التنقل بالسيارة يمكن القول إجمالاً بأنها أصبحت أقل نسبياً خلال العقود الماضية". وحتي مع وجود الانطباع السائد بأن الأسعار آخذة بالارتفاع، فإن تكلفة استخدام السيارات عموماً اليوم أقل نسبياً، قياساً بالفترة ما بين 1950 و1960. ميل كبير لاقتناء السيارات الصغيرة لقد دفعت الكثير من المتغيرات علي الصعيدين السياسي والاقتصادي كالنزاعات في الشرق الأوسط وزيادة الطلب علي النفط من قبل الصين والهند إلي ارتفاع أسعار النفط إلي أكثر من 70 دولاراً للبرميل. ففي الفترة ما بين كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ ديسمبر من عام 2005 ارتفع سعر لتر البنزين من 95 إلي 122 سنتاً، وهو ما لا يتحمله دخل كثير من سائقي السيارات. لذلك عمد الكثير منهم إلي التقليل من استخدام سياراتهم في تأدية بعض أعمالهم. إزاء هذه الزيادة في أسعار المحروقات لم يكن التقليل من استخدام السيارات الحل الوحيد أمام الكثير من السائقين، بل أن كثيرا منهم اتجه لاقتناء السيارات الصغيرة، التي تستهلك كمية أقل من الوقود قياساً بالسيارات الأخري. عن هذا يقول شتيفان تون، مدير مكتب أوروبا لمؤسسة أبحاث السوق ماريتس ريسيرج، ان مؤسسته قد "أجرت دراسة مؤخراً شملت 1200 سائقاً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وقد أثبتت الدراسة، التي تمت بتكليف من بعض شركات صناعة السيارات، أن هناك ميلاً نحو اقتناء السيارات الصغيرة حتي بين أصحاب الدخل المرتفع." كما تتحدث الدارسة عن ردود أفعال متباينة بين سائقي السيارات في الدول الثلاثة لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود. ففي الوقت الذي يعمد فيه الألماني إلي عدم استخدام السيارة في الرحلات الطويلة والأجازات، فإن سائقي فرنسا وبريطانيا يستغنون عن استخدام مركباتهم في الرحلات القصيرة أو اللجوء إلي اكتشاف أقصر الطرق المؤدية إلي محل عملهم. كما أن الفرنسيين يستغنون تماماً عن استخدام سياراتهم في أداء المهام غير الضرورية. ومن الطريف أن الدراسة بينت أن البريطانيين يعمدون إلي إجراءات شديدة التقشف بهذا الخصوص من خلال البحث عن مكان عمل قريب من محل سكنهم، من أجل توفير استهلاك الوقود.