تتمتع فيتنام بسنوات من التنمية السريعة تري مظاهرها واضحة في كل مكان داخل العاصمة هانوي وخارجها وحولها.. من السيارات الرياضية التي تمرق علي طرقها السريعة الي منتجعات القادة التنفيذيين للشركات الفيتنامية الصاعدة وعلي الطرف الجنوبي الغربي لهانوي يجري حاليا بناء مركز ضخم للمؤتمرات سوف تستضيف فيه فيتنام القمة الاقتصادية لدول اسيا الباسفيك في نوفمبر القادم وهي القمة التي من المقرر ان يحضرها الرئيس الامريكي بوش وغيره من قادة المنطقة ليشهدوا ما احرزته فيتنام من تقدم علي طريق التحول الاقتصادي. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان فيتنام كانت تقف علي حافة المجاعة قبل ان تتخلي عن الشيوعية وتبدأ التحول الي اقتصاد السوق في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.. ورغم تعثر عجلة التحول الاقتصادي في البداية فانها نجحت بعد ذلك في تحقيق معدلات نمو عالية بلغت 7.5% سنويا خلال الفترة من عام 2001-2005 ووصلت الي ذروتها في العام الماضي حيث حققت معدل نمو بلغ 8.4% ويتوقع ان يكون معدل النمو خلال العام الحالي 8% فقط. ومنذ عام 1990 كانت صادرات فيتنام تزيد بمعدل اسرع من معدل زيادة الصادرات الصينية.. وفي الفترة من يناير الي يوليو 2006 بلغ حجم الصادرات الفيتنامية 22 مليار دولار بمعدل زيادة سنوية 25% عن الفترة المماثلة من عام 2005.. لقد صارت فيتنام منافسا خطيرا لصادرات البرازيل من البن وهي تزيد صادراتها في كل المنتجات من الاسماك الي السفن وحتي الاحذية التي اضطرت الاتحاد الاوروبي الي فرض رسوم اغراق عليها في الشهر الماضي، وقد اصبحت فيتنام اكبر مصدر للفلفل الاسود وتستهدف التفوق قريبا علي تايلاند في تصدير الارز بل انها تصدر الشاي حتي للهند. وقد اقبلت الشركات الاجنبية علي الاستثمار في فيتنام وتعتزم شركة اينتل بناء مصنع لرقائق الكمبيوتر يتكلف 605 ملايين دولار في مدينة هوتشي منه ومثل هذا المصنع سيساعد دون شك علي تحقيق هدف فيتنام في زيادة صادراتها الالكترونية بنسبة 27% سنويا في الفترة القادمة.. وتتواصل الزيادة في المحاصيل الزراعية الي جانب ما تحققه الصناعة من معدلات نمو اكبر ولذلك فان نصيب الزراعة من اجمالي الناتج المحلي الفيتنامي آخذ في التناقص لصالح قطاعي الصناعة والخدمات فبعد ان كان 25% عام 2000 صار 21% في العام الماضي وسوف ينخفض الي 15% فقط بحلول عام 2010. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هذه الثورة الاقتصادية تصاحبها ثورة اجتماعية.. فبرغم ان فيتنام لاتزال من افقر بلدان آسيا حيث يقل متوسط دخل الفرد فيها عن متوسط دخل الفرد في الهند فانها تتوخي العدالة في توزيع ثمار التنمية الجديدة بين مواطنيها.. ولذلك يذكر بنك التنمية الآسيوي ان عدد الفيتناميين الذين يعيشون حاليا تحت خط الفقر "بدخل اقل من دولار في اليوم" لا يزيد كثيرا علي المتوسط العام للفقر في جنوب شرق آسيا في حين ان عددهم عام 1990 كان ضعف هذا المتوسط العام للفقر في المنطقة.. وبهذا المعيار يمكن القول ان فيتنام تفوقت علي الصين والهند والفلبين في محاربة الفقر واصبح الفقر فيها لايزيد كثيرا علي مستواه في اندونيسيا. اضف الي ذلك ان متوسطات الاعمار قد زادت كثيرا وان وفيات المواليد قد انخفضت منذ التسعينيات والارقام الفيتنامية في هذين المجالين افضل كثيرا مما حققته تايلاند برغم ان تايلاند هي البلد الاغني.. كذلك فان 75% من الاطفال الفيتناميين في سن الدراسة يتلقون تعليما في المرحلة الثانوية بينما كانت هذه النسبة لا تتجاوز ال33% في التسعينيات وفي هذا المجال ايضا تتفوق فيتنام علي كل من الصين والهند واندونيسيا. وتستهدف الخطة الخمسية الجديدة التي اقرت في ابريل الماضي تحويل فيتنام الي امة صناعية حديثة بحلول عام 2020 وذلك عن طريق زيادة الانتاج وتحسين مستوي البنية الاساسية.. وقد صحب اقرار هذه الخطة في مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم حملة تطهير واسعة ضد المسئولين الفاسدين وهو ما يؤكد جدية القيادة الفيتنامية في تحقيق ما تضمنته الخطة من اهداف خصوصا بعد ان وصل الي الصف الاول لهذه القيادة جيل جديد من المسئولين اكثر شبابا واكثر تمسكا بالاصلاح الاقتصادي ومواصلة التحول الي اقتصاد السوق. يبقي ان نقول ان ما احرزته فيتنام من تقدم حتي الان لا يعني ان كل شيء علي ما يرام بل ان الامر يتطلب من الحكومة جهدا اكبر علي طريق الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي ودعم الصادرات وتوفير فرص عمل لنحو مليوني وافد جديد الي سوق العمل سنويا وتلك هي المشكلة.