بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب الاهلية المدمرة في انجولا تتغير عاصمتها لواندا بسرعة وتشهد حركة تعمير واسعة تشمل المساكن والمكاتب والطرق التي تخفف من زحام المرور فيها ساعة الذروة.. وفي العام الماضي حقق الاقتصاد الانجولي معدل نمو في اجمالي الناتج المحلي بلغ 15.5% وهو الاسرع من نوعه في كل القارة الافريقية.. وفي باقي بلدان افريقيا جنوب الصحراء يتحسن الاداء الاقتصادي. وتقول مجلة "الايكونوميست" نقلا عن تقرير اعدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ان متوسط معدل النمو في افريقيا جنوب الصحراء بلغ 5% في العام الماضي.. وينتظر ان يكون اعلي من ذلك في العام الحالي والعام القادم ايضا.. وفي المنتدي الاقتصادي العالمي هذا العام كان هناك شبه اجماع علي ان افريقيا التي كانت قارة يخيم عليها اليأس قد بدأت تنهض. وترجع نهضة افريقيا الي زيادة الطلب العالمي علي البترول والمعادن وغيرهما من المواد الخام خاصة من جانب الصين والهند.. فافريقيا تنتج كثيرا مما تحتاجه الصين وهو ما ينشط التجارة بين الطرفين ويزيد اهتمام الصين بالقارة السوداء.. ومنذ ايام قام وين جياباو رئيس وزراء الصين بجولة افريقية.. والامر المؤكد ان ارتفاع اسعار البترول كانت له عوائد كبيرة علي الدول المنتجة مثل انجولا ونيجيريا، ولكن تحسن الاداء الاقتصادي الافريقي ليس مقصورا علي الدول المنتجة للبترول والمعادن فدولة مثل اثيوبيا حقق اقتصادها معدل نمو بلغ 7% في العام الماضي كما حققت اوغندا معدل نمو بلغ 6% في العام ذاته. اضف الي ذلك ان الدول الغنية صارت اخيرا اكثر كرما مع الدول الافريقية الفقيرة وهو ما دعم اقتصاداتها المتهاوية فمع نهاية العام الماضي انخفضت ديون 29 دولة بينها 25 دولة افريقي بمقدار 35 مليار دولار تنفيذا لمبادرة شطب ديون الدول الاشد فقرا التي اطلقها البنك وصندوق النقد الدوليان في عام 1996. ولا يقتصر الامر علي ذلك بل ان اقتصادات افريقيا صارت اكفأ اداء فمعدل التضخم صار لا يتجاوز ال8% في المتوسط سنويا وهو ادني معدل تشهده الدول الافريقية منذ استقلالها في ستينيات القرن الماضي، كما اصبحت الحكومات اكثر حرصا علي متطلبات التنمية وباستثناء الدول ذات الحظ العاثر التي تسودها الاضطرابات مثل ساحل العاج والصومال وزيمبابوي التي تشهد أعلي معدلات التضخم في العالم الان نجد ان الاوضاع السياسية في باقي دول افريقيا اهدأ والعنف اقل.. ويزحف السلام علي دول كانت مسرحا لحروب دموية مثل انجولا وسيراليون وليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية التي تأمل ان تجري في شهر يوليو الحالي اول انتخابات لها منذ عقود ممتدة. وبتأثير هذه الانباء الطيبة عاد المستثمرون الاجانب ينظرون الي القارة وبدأت صناديق الاستثمار تدخل بورصاتها الصغيرة والناشئة.. وفي عام 2004 بلغ حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي دخلت افريقيا 18 مليار دولار اي ثلاثة اضعاف المعدلات التي كانت سائدة في تسعينيات القرن الماضي. وتتساءل "الايكونوميست": هل هذه التطورات الجيدة لها صفة الديمومة ام انها سرعان ما ستخبو اذا ما تراخي الطلب العالمي علي البترول والمعادن.. الحقيقة ان هناك مؤشرات غير مشجعة وعلي سبيل المثال فان جون باجي خبير الاقتصاد الافريقي في البنك الدولي يري ان متوسط دخل الفرد "الحقيقي" لم يزد سوي بنسبة 25% في افريقيا فنما بين عامي 1960 و2005 في حين انه زاد 34 ضعفا في قارة آسيا خلال الفترة ذاتها. وبجانب ذلك فان الدول الغنية المعنية بتقديم العون لفقراء افريقيا لا تثق في قدرة الافارقة علي حسن استثمار اموالهم ورغم تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة علي افريقيا في عام 2004 فانها لم تستحوذ الا علي 3% من كعكة هذه الاستثمارات العالمية في ذلك العام مقابل 6% في حقبة السبعينيات من القرن الماضي. وباستثناء جنوب افريقيا فانك نادرا ما تجد في بلدان افريقيا جنوب الصحراء البالغ عددها 48 بلدا اقتصادا صناعيا كبيرا ومتنوعا.. فمعظم هذه البلدان تعتمد علي الزراعة المروية بماء المطر والمواد الخام.. والدول التي تحاول اقامة صناعة منسوجات ناجحة مثل ليسوتو وموريشيوس تواجه منافسة عاتية من الصين.. بل ان زيادة اسعار البترول والمعادن قدر ما هي فرصة لافريقيا فانها ايضا تهدد بدفع اقتصادات الدول الافريقية الي مواصلة الاعتماد علي المواد الخام دون تطوير القطاعات الاخري وتقول الارقام هنا ان صادرات افريقيا جنوب الصحراء من السلع الصناعية لا تزيد الا بمعدل 6% فقط سنويا منذ عام 1980 اي اقل من نصف معدل نمو الصادرات الصناعية في الاقتصادات الآسيوية الناهضة. وعلي جانب اخر فان نصف سكان افريقيا جنوب الصحراء البالغ عددهم 750 مليون نسمة لايزالون يعيشون تحت خط الفقر العالمي باقل من دولار واحد في اليوم في حين تنجح جهود اسيا بنسبة اكبر في استئصال شأفة الفقر من بين سكانها.. اضف الي ذلك ان معدل النمو الافريقي رغم تحسنه لايزال اقل من المعدل المستهدف للقضاء علي الفقر طبقا لمبادرة الاممالمتحدة في هذا الشأن وهو 7% حتي عام 2015.. وفوق ذلك فلايزال الفساد الحكومي يسد الطرق امام تحسن معدلات النمو الاقتصادي رغم ان هناك جهودا من جانب الحكومات الافريقية المختلفة لمحاربة هذا الفساد.. وهكذا لايزال امام افريقيا الكثير الذي يتعين عليها ان تصنعه لكي تخرج من النفق المظلم الذي كانت تسير فيه في العقود القليلة التي اعقبت استقلالها.