تبدو بنوك الصين الاَن في أحسن أحوالها.. ففي يوم 6 ابريل الحالي أعلن بنك التعمير الصيني ثالث أكبر المقرضين عن نتائجه لعام 2005.. وبرغم أن صافي أرباحه قد هبط قليلا، فإن أرباح التشغيل التي تعكس بشكل أفضل جوهر نشاطه قد ارتفعت بنسبة 17% نتيجة لانتعاش حركة الاقتراض في الاقتصاد الصيني المزدهر.. كذلك ارتفع سعر سهمه بأكثر من 50% منذ سجل البنك نفسه في بورصة هونج كونج في أكتوبر الماضي ليكون أول بنك من الأربعة الكبار يتم تسجيله في البورصة. وفي نفس الوقت تضاعف سعر سهم بنك الاتصالات الأصغر حجما منذ تسجيله هو الاَخر في البورصة في العام الماضي.. ولا غرابة علي ضوء ذلك في أن يكون كل من بنك الصين التجاري وبنك الصين وهما من البنوك الأربعة الكبار المملوكة للدولة متشوقين إلي التسجيل في البورصة مثلما أن المستثمرين في شوق إلي شراء أسهمهما. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن حقيقة أوضاع البنوك الصينية ليست وردية كما تبدو علي السطح.. فهذه البنوك تبدو قوية بسبب عمليات الحقن الرأسمالي المتكرر لها من جانب الحكومة، ومن جانب الشركاء الأجانب، ومن جانب أسواق رأس المال علي حد سواء. وأكثر من ذلك فإن شبح مشكلة القروض المتعثرة والمعدومة التي سبق علاجها عاد ليطل برأسه من جديد علي حياة البنوك الصينية.. وربما كانت سرعة النمو الصيني تسهم في تمكين البنوك من صنع أرباح جيدة الاَن ولكنها في الحقيقة تؤجل مشاكلها إلي الغد دون أن تحلها. وأكبر تهديد يواجه البنوك الصينية هو وجود طاقة إنتاج فائضة في معظم الصناعات ولنأخذ صناعة الصلب كمثال باعتبارها أكبر مقترض من بنوك الدولة.. فالطلب الصيني المتصاعد علي الصلب رفع أرباح شركاته من 5 مليارات يوان "600 مليون دولار" عام 1999 لتصبح 125 مليار يوان في العام الماضي.. وهذا حرك موجة من الاستثمارات الجديدة في صناعة الصلب بلغ حجمها 650 مليار يوان في السنوات الخمس الأخيرة ثلثاها ممول بقروض من بنوك الحكومة. واليوم أصبح لدي الصين فائض في إنتاج الصلب حجمه 120 مليون طن أي نحو ثلث الإنتاج الصيني لا تستطيع تصريفه والنتيجة أن أرباح شركات الصلب الصينية في أول شهرين من العام الحالي كانت أقل بنسبة 75% مما كانت عليه في نفس الفترة من عام 2005. وبرغم أن أسعار الصلب قد تعود إلي الارتفاع قليلا في الفترة القادمة فإن كثيرا من شركات الصلب الصينية ستجد صعوبة في رد ما سبق أن أخذته من قروض خلال سنوات التوسع التي مضت. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هذه الطاقة الإنتاجية الفائضة والأرباح المتناقصة صارتا ظاهرة متكررة في كثير من الصناعات من توليد الكهرباء إلي الأسمنت والفحم والألومنيوم ومكونات السيارات والممتلكات الفاخرة.. وهذا معناه أن البنوك ستواجه انفجارا جديدا لمشكلة الديون المعدومة والمتعثرة. ويقول نيكولاس لاردي خبير معهد الاقتصاديات الدولية بواشنطن إن هذه المشكلة ستمحو بعض ما أمكن إحرازه بصعوبة من تقدم علي طريق إصلاح البنوك الصينية في السنوات الثماني الأخيرة.. وقد ظهر هذا واضحا في الاجتماع السنوي الذي عقده البرلمان الصيني في مارس الماضي عندما أشار وين جياباو رئيس وزراء الصين إلي تزايد المخاطر التي تواجه البنوك الصينية بسبب امتلاء المخازن. والمدهش أن الحكومة وهي تحاول وقف الاستثمارات الجديدة في بعض الصناعات لاتزال تزيد الإنفاق علي العديد من الصناعات الأخري، فهي تخطط لإنفاق تريليوني يوان علي السكك الحديدية وخطوط مترو الأنفاق في شنغهاي في السنوات الخمس القادمة فهي تريد مد 24 ألف كيلو متر من خطوط السكك الحديدية السريعة حتي عام 2010 وتريد إقامة 30 محطة كهرباء نووية حتي عام 2020 ومعظم هذه الاستثمارات ستحول بقروض من البنوك وأحيانا بدون ضمانات من الدولة.. ويعتقد دونج تاو كبير خبراء الاقتصاد الاَسيوي في كريديت سويس أن بعض هذا التمويل لن يكون مجزيا تجاريا لأن عوائد المشروعات لن تكون عالية وبالتالي فإن تمويله عن طريق البنوك سيكون مشكلة كبيرة لها ولن يمكن لهذه البنوك أن تستعيض خسائرها المحتملة من هذه المشروعات عن طريق قروض المستهلكين التي تمثل أقل من 15% من محفظة القروض المصرفية ولم تحقق أي زيادة في العام الماضي. وفوق ما تقدم فإن البنوك الصينية لا تضع سياسة رشيدة للإقراض.. ففي ورقة عمل أعدها صندوق النقد الدولي حول بنوك الصين تبين أن هذه البنوك لا تسعر قروضها حسب المخاطر التي تواجه المقترض وربحيته المنتظرة وإنما علي الأغلب حسب ما تري أنه التعليمات الواجبة الاتباع.