اكتب هذه السطور صباح السبت بعد حادث الاعتداء علي الكنائس الأربعة في الإسكندرية ب 24 ساعة، أي بعد تفكير وتمحيص وللدقة أكثر اكتب بعقلانية وقد تجردت من انفعال اللاحظات الأولي، وأقرر أني أكتب هذه الكلمات كمصري خائف من الغضب الآتي وخائف علي كيان الأمة وخائف من حرب أهلية كتلك التي جرت في لبنان، ولست ألجأ إلي التهويل ولكني لن أضع الأمر في إطار التهوين، وقد اعتدنا أن نهون من الأشياء الجسيمة ناسين أو متناسين أن العاقبة وخيمة مادمنا ندمن في حياتنا العامة العلاج بالمسكنات! وهذه أمور لا تجوز فيها المسكنات من بين دروب التهوين علينا أن يقال لنا إن مرتكب هذه الحوادث الآثمة (مختل عقلياً) وأنه يعاني من اضطراب نفسي، عبارة تتردد حتي سئمناها. فكلما ارتكب شاب ما جريمة من هذا النوع سارعنا بدون وعي والصقنا به تهمة الاضطراب النفسي وكيف أنه "مختل" وكيف أنه كان يعالج من قبل.. ونحبك المسألة لتبدو مقنعة وإننا أمام شاب مجنون يهذي ويمسك سكيناً ويدخل كنيسة أثناء الصلاة، نفس هذا المضطرب نفسياً المختل أو المخلول لا يدخل الجامع المواجه للكنيسة، ذلك أنه يميز تماماً بين الكنيسة والجامع، والأوامر التي أعطيت له أن يدخل الكنائس الأربعة ساعة الصلاة ويفتك بالمصلين، فمنهم من أصابته جروح بالغة ومنهم من مات من الصدمة. لم يدخل "المختل" عقلياً، الجامع ليرتكب جريمته، لأنه عاقل ويعي كل شيء حوله، فلماذا نردد أنه مختل؟ أعرف القصد الطيب لدي الدولة، إنه لتهوين الأمر، بيد ان الناس مسلمين وأقباطا ما عدوا يصدقون هذا الإدعاء ويدركون أن جرائم المختلين عقلياً هي جرائم عقلاء. ولست أحاول أن أسبق التحقيقات الجارية الآن علي قدم وساق وننتظر إعلانها للناس، وافهم جيداً أن النيابة وهي تحقق تريد أن تصل لعمق الجريمة ومن المحرض فالشاب الحلواني ليس إلا أداة مجرد أداة يتلقي أمراً ونقوداً تفك أزمة أو أزمات لديه ثم يقال له انطلق فينطلق! وحتي لو تظاهر الشاب أمام المحققين بأنه مختل ومخبول فلن يبلعوا هذا الطعم لأنهم ببساطة وبحكم تجاربهم العملية يبحثون دائماً عن "المحرض الرئيسي"، أي "رأس الأفعي". إن الذي اعتدي علي نجيب محفوظ كان شاباً أمياً لا يعرف من هو نجيب محفوظ وقد طعنه في رقبته بأوامر من قادته وفيما بعد عرفنا أن للإرهاب أصابع سبقت أصابع الشاب الأمي الجاهل وامتدت إلي رقبة نجيب محفوظ، وأظن أن السكين التي أصابت المصلين في الكنائس وهم يركعون يبتهلون بعد صيام العذراء مريم وراءها مخطط. نعم مخطط، لأن الشاب المخبول أو المختل عقلياً لا يعرف طبيعة هذا التوقيت المقترب من الأعياد ولكن "أسياده" يعرفون التوقيت باليوم والساعة، لابد أن نعترف أن الإرهاب في مصر تقلص ولكن جذوره باقية، ومازالت هناك أفعي في الظلام تتحرك مع تنامي التيار الديني. لابد أن نعترف أن ذعر الأقباط من تنامي هذا التيار له أسبابه الموضوعية وليست شكلية ولا مجرد وهم يسيطر علي العقول. لابد أن نعترف أن هناك من يتربص بالسوء لهذه البلد وأن الثغرة التي يتسرب منها هي "الفتنة الطائفية"، واختيار توقيت هذه الفتنة "شغل مخططين" مش حلواني جاهل بيشتغل في سوبر ماركت، هناك أمر آخر اصطلح عليه في البيانات الرسمية وهو "انه حادث فردي"، لابد أن نعترف أن الذي ارتكب الحادث فرد..، ولكنه "موعز به" من قبل جماعة. ولا يشكو أقباط مصر للأمريكان ولا لسعد الدين إبراهيم، ولكن يرفعون الشكوي للقيادة السياسية المصرية، طالبين سرعة التحقيق للوصول إلي الحقيقة، وسرعة الحكم للردع، والنفاذ إلي "الجماعة" التي تأمر "المختلين عقلياً" بتنفيذ الأوامر، وكفانا جرائم المختلين عقلياً فربما تندلع النار ولا نستطيع إطفاءها، خذوا الأمر الخطير بجدية واهتمام وتقص.. المهم بلا "تهوين" للمسائل..