هل من حق أحد أن يعتقد أنه يتحدث باسم الوطن؟ ومن منح البعض منا سلطة منح شهادة الوطنية لهذا والخيانة لذاك؟ ومنذ متي كان الاختلاف في الرأي معيارا لتقييم الناس واتخاذ مواقف ضدهم..! إن المعركة التي تقودها احدي الصحف "الرسمية" محدودة التوزيع ضد احدي الصحف القومية الكبري التي قامت باستكتاب أحد الكتاب اللاذعين والساخرين تثير الكثير من التساؤلات حول الدور "الارهابي" الذي يمكن أن تقوم به الصحافة لتحجيم وحجب الآراء التي قد لا تتفق وتوجهات ورغبات ومعتقدات القائمين علي تحرير هذه الصحف. فبداية فإن الذين يدعون إلي الاصلاح السياسي وإلي الديمقراطية وحرية التعبير يجب أن تتسع صدورهم لكل الآراء والاتجاهات من جميع الفصائل المعارضة والمستقلة والمؤيدة، والحوار الديمقراطي الحر هو وحده الذي يمنع تفاقم الأمور وانفجار ثورة الغضب، وهو وحده أيضا الذي يحمي الأمن والاستقرار لأن الفكر المعلن يواجه بالفكر ولا يواجه بالعنف وتداعياته وعواقبه. وثانيا فإننا علي قناعة تامة بأن النظام لا يمكن أن يهتز أو يتعرض لأي تهديد لمجرد أن صحيفة معارضة أو مستقلة اعتادات التهجم عليه بشدة وتوجيه جميع التهم والنداءات أيضا لرموزه، فهذه شهادة علي قوة النظام ودليل علي تمسكه بحرية التعبير وترفعه عن الرد علي هذه الصغائر. وثالثا أنه لا يوجد ما يمنع أن ينضم أحد كتاب الصحف المعارضة إلي المشاركة بالكتابة في الصحف القومية، فكلنا أبناء هذا الوطن، والصحف القومية هي أيضا تعتبر ملكا للمعارضة مثلما هي ملك للحزب الوطني، وأن يتم تداول مختلف الآراء علي صفحاتها فهذا تأكيد علي أنها مملوكة للشعب كله، ولا نري ما هو الخطأ أو الضرر في أن تضم مقالات وكتابات معارضة أو ضد الحكومة! والمثير للدهشة والتعجب في موقف الصحيفة الرسمية التحريضية ضد كاتب مصري من أصل يمني أن هذه الصحيفة تتجاهل أن صحافة مصر كانت ومازالت مفتوحة دائما للعديد من الاقلام العربية من مختلف الاقطار التي تكتب بانتظام في صحافتنا وتتناول جميع القضايا والمشكلات ولم تكن مشاركتها بالكتابة في صحافتنا مجالا للشكوي في أي يوم من الأيام، كما أنه لم يكن هناك من يعترض علي هذا التواجد، بل علي العكس من ذلك فإن هناك ترحيبا وتشجيعا بكل الأقلام العربية في صحافة مصر التي تحمل دائما بعدا عروبيا مكملا لدور مصر السياسي والتنويري. والقضية تجرنا إلي أسلوب البعض في فرض وصايته علي الآخرين والادعاء بأنه أكثر فهما ووطنية واخلاصا للوطن، وهي معايير لا ندري علي أي أساس يتم تقييمها والأخذ بها، فهل المعيار في الوطنية هو الانحياز إلي النظام الحاكم والدفاع عنه في كل الأحوال، أم أن المعيار في الوطنية هو المصلحة الوطنية قبل الاشخاص والأحزاب، ومن الذي يحدد المصلحة الوطنية.. ومن الذي يقرر هذه المصلحة؟ إن أحدا لا يمكن أن يضع معايير ثابتة، فالدفاع عن النظام في كل الأوقات ليس عملا وطنيا بقدر ما هو مصلحة ذاتية وانتهازية رخيصة فالنظام مثل أي نظام يحتاج إلي من يذكره بسلبياته واخطائه حتي يمكن تداركها وتصحيحيها واستخدام سيف السلطة لضرب خصومنا هو عمل جبان يضر بالسلطة لأنه يكسبها أعداء في معارك ليست طرفا فيها ولا تدري عنها شيئا. اننا نرفض مبدأ الوصاية بكل درجاته، من الذين يعتقدون انهم "النخبة" المثقفة الموكل إليهم رسم وتحديد السياسات المستقبلية لنا، وأن الشعب يجب ان ينقاد وراء أفكارهم وخطواتهم ومن الذين يعتقدون انهم يتحدثون باسم السلطة ويكيلون الاتهامات للآخرين اذا اختلفوا معهم في الرأي ويحرضون عليهم ولو كان الأمر بيدهم لأرسلوهم إلي السجون أيضا وتخلصوا منهم للأبد.. ونأمل أن يدرك الجميع خطورة المعارك الجانبية في مهنة الصحافة وتبادل الاتهامات واصطياد الاخطاء لانها لن تؤدي إلا إلي انشغالنا بقضايا فرعية شخصية بعيدا عن الهم الوطني الذي يجب أن ننشغل به ونجتهد في الحوار حوله لدعم عملية الاصلاح وتسريع خطواتها واحداث التحول الديمقراطي المطلوب والمؤثر. انه لمن المؤسف ان نقول إننا لم نعد نثق كثيرافي مواقف النخبة التي تدير الحراك السياسي والإعلامي الدائر في مجتمعنا الآن لأن شكوكا كثيرة تنتابنا حول دوافع البعض ومصالحه الشخصية واظهاره لمواقف معلنة تختلف تماما عن قناعاته والتزاماته الحزبية. ولقد كانت استقالة أحد البارزين في هذه النخب دليلا علي شكوكنا ومخاوفنا في أن الكثيرين من هؤلاء يستطيعون بسهولة غريبة تلوين مواقفهم وتغيير اتجاهاتهم في أسرع وقت متي وجدوا أن تحقيق مصالحهم وتطلعاتهم الشخصية قد تأخر عما كانوا يعتقدون..! [email protected]