رغم ما تحمله منظمات المجتمع المدني من شعارات حقوقية وانسانية ورغم حسن نية بعض النشطاء القائمين علي هذه المنظمات ورغبة بعضهم الاكيدة في تقديم خدمات لابناء مجتمعاتهم ورغم حقيقة ان جمعيات المجتمع المدني في بلادنا اقدم تاريخيا من المخططات الامريكية للسيطرة علي الشرق الاوسط الا ان الحقيقة علي ارض الواقع حاليا تبدو اعقد من هذا كثيرا واقل مثالية علي حد تعبير احد المحللين فوفقا للنظريات السياسية الامريكية المطورة داخل مؤسسة البرت اينشتاين جهز الامريكيون في نهاية الحرب الباردة نظرية جديدة للانقلابات السياسية باستعمال تقنيات غير عنيفة مستلهمة من النضالات السياسية التي خاضها غاندي في الهند مستعملة التدابير التي تضمن مساندة الرأي العام الدولي لها. وفي قلب هذه النظرية الجديدة، تتمتع المنظمات غير الحكومية بدور حاسم ان كانت تحظي بشعبية اعلامية كما يذكر الصحفي جاكوب لفيش من صحيفة كاوتر بانش فقد استعانت المخابرات الامريكية بالمنظمات غير الحكومية التي صارت مدمجة في استراتيجية واشنطن لدعم هيمنتها ونظرا لان معظم المنظمات غير الحكومية تحتاج الي الدعم المالي فقد وافق العديد من هذه المنظمات مثلا علي الحصول علي الدعم من مؤسسة المجتمع المفتوح التابعة للملياردير اليهودي جورج سوروس ولم يعد خافيا علي الجميع بالطبع العلاقة التي تربط سوروس بالقنوات الدبوماسية الامريكية المعروفة كما يقول جاكوب لفيش ومنذ عام 2000 اخذت الولاياتالمتحدة علي عاتقها تمويل الجماعات السياسية والعصابات المسلحة والنقابات ايضا ومنذ وصول بوش الابن الي السلطة في يناير 2001 ادمجت المنظمات غير الحكومية شيئا فشيئا داخل آليات التدخل الامريكية. وكانت الفكرة قد اخذت طريقها في البداية داخل الدوائر البحثية للمحافظين الجدد ثم داخل الوكالة الامريكية للتنمية الدولية (التي تأسست عام 1961 بدعم من جون كيندي لتنشيط السياسة الدولية الامريكية بدعمها : النمو الاقتصادي و الزراعي والتجاري والصحة الديمقراطية وتدارك الصراعات والاغاثة الانسانية وتعين علي هذه الوكالة ان تتبع التوجيهات من هيئة الدولة والممولة باموال عامة ويشمل عملها الميداني توزيع تلك الاموال في الدول التي تسعي واشنطن مساعدتها بالخصوص عبر وساطة المنظمات غير الحكومية) وقد اصدرت الوكالة تقريرا في يناير عام 2003 بعنوان المساعدة الدولية باسم المصلحة الوطنية: نشر الحرية، الامن اوضحت فيه اولوياتها الجديدة الامر الذي لم يحظ باهتمام يذكر من المعنيين في غمرة فترة الاستعدادات للحرب علي العراق ويكشف التقرير عن ان الوكالة عدلت من علاقاتها مع المنظمات غير الحكومية لغرض دمجها تدريجيا ضمن أنشطة التدخل التابعة لوكالة المخابرات الامريكية ويقول التقرير من الان فصاعدا لن تحتفظ الوكالة ببرامجها لأجل التخفيف من مآسي الانسانية لكنها شرعت في تشجيع الاصلاحات الديمقراطية ومنذ اعلنت ادارة بوش في سبتمبر 2002 عن ضرورة ضمان امنها بإقامة تقريرها المذكور ان الانظمة الصديقة ستحظي بالمكافأة بتمويل مشاريع التنمية بينما الدول المعادية ستكون هدفا لبرنامج الاصلاحات التي تقودها المنظمات غير الحكومية وبعدما كانت المنظمات غير الحكومية تتمتع من قبل بهامش من الاستقلالية ازاء المانحين الحكوميين صارت اكثر التصاقا والتزاما بتعليمات هؤلاء المانحين واوضحت الوكالة في تقريرها كيفية استغلالها للمنظمات غير الحكومية لاجل تحقيق الانقلابات السياسية: من الممكن تقديم الدعم للاصلاحيين و القادرين علي تطوير دستور التحالف واستراتيحية التجنيد وتحضير الحملات ذات العلاقات العامة (....) مساعدة كهذه تعد استثمارا لاجل المستقبل عندما يسفر عن تغييرات سياسية تمنح السلطة الحقيقية للاصلاحيين. وهذا بالضبط ما حدث في جورجيا في نوفمبر 2003 التي حاولت في البداية التقارب مع نظام الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا واصبحت الان حليفا ثابتا لواشنطن عقب زيارة جيمس بيكر الي جورجيا في صيف 2003 التي حذر فيها الرئيس الجورجي من عدم ضمان نزاهة الانتخابات التشريعية الأمر الذي سمح بموجبه بإعطاء الشرعية لعدد من المنظمات غير الحكومية بغرض مراقبة سير الانتخابات وعلي نحو مواز نجحت واشنطن في تنصيب ميخائيل ساكاشفيلي العضو السابق في الحكومة الجورجية واحد المقربين الي امريكا وكان ساكاشفيلي قد دعا الي دورة دراسية في بلجراد لدراسة كيفية اقامة ثورة مخملية علي غرار ماحدث في صربيا واشرف علي تنظيم هذه الدورة منظمة غير حكومية مدعومة من قبل مؤسسة المجتمع المفتوح لصاحبها جورج سوروس.