يثير التقرير جدلا واسعاً بين خبراء السياسة والاقتصاد وجميع المهتمين بالشأن العام وتباينت رؤاهم حول ما جاء فيه سواء من حيث طريقة التناول أو رؤي الاصلاح، يري البعض ان التقرير يخلط ما بين الاصلاحين الاجتماعي والسياسي في حين رأي آخرون ان الاصلاح الاجتماعي هو البداية في صياغة هذا العقد وتطبيقه علي أرض الواقع، ويختلف آخرون مع ذلك ويرون أن البداية لن تكون إلا من خلال التمكين السياسي ويختارون البديل الافضل للعمل من خلاله لبناء مستقبل مصر. يوجه الخبير الاقتصادي د.شريف دلاور انتقادات عنيفة إلي التقرير ويري أنه خرج عن فكرة العقد الاجتماعي التي اسسها جان جاك روسو بين فئات المجتمع المختلفة، وقال انه عندما يكون العقد بين الدولة والمجتمع فهو عقد سياسي وليس اجتماعيا، كما يلفت إلي أن التقرير تناول فكرة اللامركزية بشكل نظري، وكان يجب ان يتناول بالتحليل شكل العلاقة المستقبلية بين الادارة المركزية والمحليات التي ستحصل علي الاستقلالية وكيفية تحقيق التوازن الصحي بين الطرفين ويشير إلي أن تجربة امريكا في إضعاف الادارة المركزية من خلال فصل نظم ا لتأمينات والضرائب عن هذه الادارة تعتبر تجربة فريدة من الصعب تكرارها في مصر في حين ان التجربة الاقرب لمصر هي فرنسا وتتميز بأنها انتقلت بشكل تدريجي إلي اللامركزية خلال 30 عاما. كما ينتقد دلاور الفكر النظري في تناول تنمية الفكر الحقوقي لدي المواطنين باعتبار ان ذلك أمر يطول أمده لأجيال متعاقبة، ويري ان تركيز التقرير علي ان فكرة التمكين السياسي باعتبارها الضامن لتحقيق التنمية فكرة غير منطقية في ظل ضعف الوعي السياسي في مصر ويوضح ان تجارب دول مثل ماليزيا وكوريا بدأت بالتركيز علي تطوير قيادتها الادارية أولا ثم اتجهت للتمكين السياسي، في حين وصلت تجارب دول مثل العراق وافغانستان إلي الفوضي بالرغم من انها تتمتع بالشكل المظهري للديمقراطية كما اهتم بالحديث عن دور المحليات في مراقبة أداء الخدمات العامة واغفل الحديث عن تفعيل المادة 21 من الدستور والتي تكفل بالفعل للمواطنين الاشراف علي الخدمات العامة. ويري د.سمير رضوان مدير المنتدي الاقتصادي لحوض البحر المتوسط وتركيا وايران ان مصر ليس لديها ترف الاختيار بين السيناريوهات الثلاثة التي طرحها التقرير وان التشغيل الكامل وتنفيذ وعود الحكومة بتحقيق 5.4 مليون فرصة عمل خلال السنوات القادمة وتحقيق معدل نمو 7% خلال السنوات العشر القادمة هو نقطة البداية لحصول المواطنين علي حقوقهم في الرفاهة، كما يري ان التقرير قدم نموذجا للتنمية مقاربا لنموذج البنك الدولي الذي يوصي بادارة الدولة للصحة والتعليم علي النحو الامثل ويلقي مسئولية باقي القطاعات علي كاهل القطاع الخاص، وينتقد هذا النموذج لإغفاله صياغة استراتيجية للدور الجديد للدولة في اطار توسيع دور القطاع الخاص، ويضرب مثالا علي ذلك بنجاح التجربة الماليزية في ضبط الأسعار في ظل تحرير اسواقها، كما اغفل ايضا تقديم استراتيجية واضحة للاطار المؤسسي الذي سيتم من خلاله مشاركة المجتمع المحلي في ادارة الخدمات خاصة انها بوضعها ستؤدي لمشكلات عدة بسبب انتشار الفساد فيها بشكل واضح. ويختلف د.عمرو الشوبكي الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية مع الآراء السابقة إذ يري ان طرح مصطلح "العقد الاجتماعي" كان مناسباً لأنه يشمل كل جوانب الاصلاح سواء الاجتماعية والسياسية وحتي الثقافية، ويري ان التمكين السياسي هو المدخل الأول للاصلاح، ويشير إلي أن التجربة الفرنسية استغرقت ثلاثين عاما من الاصلاح الاداري لمواجهة المركزية، ولكنها تتمتع منذ عام 1978 بدستور ديمقراطي ولم يفقد هذه الصفة علي مدار تاريخه. ويرجع الشوبكي فكرة الاجندة الاصلاحية باعتبارها الاقرب للتنفيذ علي أرض الواقع نظراً إلي أن النظام السياسي حسب وجهة نظره لا يتوجه نحو الاصلاح السياسي من منظور اصلاحي شامل وانما تأتي قراراته كرد فعل للضغوط المحلية والدولية اضافة إلي أن المحليات بوضعها الحالي ليست علي قدر المسئولة ويرتبط اصلاحها بالاصلاح السياسي. أما د.مصطفي كامل السيد استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فيري ان الانتقادات السابقة للتقرير ليست في محلها لأنه ليس من المعقول ان يتناول تقرير واحد كل الاصلاحات المطلوبة، ويقول ان السؤال الذي يجب ان يتم طرحه في ضوء السيناريوهات الثلاثة التي طرحها التقرير هي : لماذا لم يتحقق العقد الاجتماعي، ويري ان السبب في ذلك هو تركيبة القوي السياسية المتصارعة في مصر التي لا تسمح بذلك اضافة إلي أن قيام الدولة بدور أكثر تطوراً في تقديم الخدمات وتحقيق الرفاهية لا يمكن ان يتم في ظل تضخم الدين العام. ويلفت د.سامر سليمان استاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الامريكية إلي أن الحديث عن اللامركزية في حد ذاته سيناريو غير متوقع بالمرة فالظاهر هو تمسك الحكم المركزي يرفض التنازل عن سلطاته، كما أن عهدد اللامركزية لم تكن من ضمن اولويات المطلب الشعبي نتيجة التسلط علي وسائل الاعلام التي تمثل قناة توصيل مثل هذه المطالب الحقوقية إلي الرأي العام، وهو الوضع الذي لم يتم تعديله سوي العام الماضي ويري ان تلك الفترة ليست كافية لايقاظ الرأي العام تجاه هذا المطلب ويري سليمان ان النظام مسئول عن تدني المحليات واوضح أن تفتيت النظام المالي للدولة ولو بشكل مرحلي سيسهم في تنمية وعي المواطنين نظرا لأن المواطن سيلمس بشكل مباشر المنفعة التي ستعود عليه من وراء الالتزام بنظام الضرائب.