علي الرغم من صدور العديد من الأحكام عن القضاء الإداري في مجلس الدولة حول انتخابات مجلس الشعب، إلا أنها لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ، وتوقف مفعولها مع إجراء قانوني قام به المتضررون منها وهو الاستشكال في هذه الأحكام. يأتي ذلك علي الرغم من أن الأحكام تتناول قضايا جوهرية تتعلق بإلغاء نتائج الانتخابات أو إعادتها في بعض الدوائر نتيجة عدم تنفيذ أحكام سابقة للقضاء الإداري تتعلق بصفة المرشحين عمال أم فئات أو بعمليات القيد الجماعي، ولكن اللجنة العليا تبنت الموقف القانوني الذي يري أن الاستشكال يوقف تنفيذ أي حكم حتي صدور الحكم فيه. وفي المقابل يجمع عدد من فقهاء القانون علي أن أحكام القضاء الإداري ملزمة وواجبة النفاذ. يفتح "الأسبوعي" ملف هذه القضية المزمنة في الذاكرة الانتخابية لمصر، ويحاول رصد الصدام القانوني بين أساتذ القانون وفقهائه من جانب ومسئولي اللجنة العليا للانتخابات بمستشاريها وقضاتها الكبار. يشدد الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة علي أن الأحكام الصادرة من القضاء الإداري بوقف أو إعادة أو بطلان الانتخابات في بعض الدوائر "واجبة النفاذ" وتستوجب وقف أية إجراءات قد تترتب علي نتائج الانتخابات في تلك الدوائر محل الأحكام. ويوضح الدكتور البنا هنا أن الخلاف بين القضاء ومجلس الشعب، حول إعلان النتائج، أو العضوية لمن صدرت في حقهم أحكام ببطلان انتخاباتهم، مازال مستمراً ويظهر ذلك مع بدء بعض المرشحين المعلن نجاحهم في اتخاذ إجراءات اكتساب العضوية، والدخول جزئياً في دائرة "سيد قراره"، بالاستناد إلي أن المجلس صاحب الاختصاص في الفصل في هذه الأحكام وهو عين ما حدث في الأحكام السابقة التي أصدرها القضاء في مجالس الشعب خلال الدورات الماضية. ويشير إلي أن سبب وجوب تنفيذ هذه الأحكام بوقف إعلان نتائج الانتخابات وإعادتها أنها صدرت نتيجة لأحكام سابقة من القضاء الإداري منها أحكام خاصة بتغيير صفة المرشح ولكنها لم تتغير أو القيد الجماعي ولكنها لم تنفذ وبالتالي لم تملك المحكمة التي أصدرت تلك الأحكام، إلا الحكم بضرورة إعادة الانتخابات من جديد نتيجة لعدم تنفيذ أحكامها الأولي. وينتقد د. عاطف البنا عدم تنفيذ اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات هذه الأحكام، ويقول إنها باعتماد نتائج تلك الدوائر اتخذت موقف الحزب الوطني ومرشحيه ويوضح أن أحكام محكمة النقض في مثل هذه القضايا بعد ذلك تكون مجرد تقرير استشاري يقدم إلي مجلس الشعب صاحب الحق بمفرده في الفصل في هذه الأحكام، وذلك بناءً علي المادة 93 من الدستور. تحايل قانوني نفس الرأي يطرحه الدكتور ثروت بدوي العميد الأسبق لحقوق القاهرة الذي يري أن أحكام القضاء الإداري لا يتم وقفها إلا بإصدار حكم من المحكمة الإدارية العليا وبناءً علي الطعن الذي يتم تقديمه من أحد أطراف القضية، كما يري في نفس الوقت أن الطعن لا يوقف تنفيذ الحكم الصادر. ويؤكد الدكتور بدوي أن الاستشكال الذي تقدم به الأعضاء الذين ألغت الأحكام نتائج انتخاباتهم لا يوقف تنفيذ حكم مجلس الدولة ببطلان أو إعادة هذه الانتخابات، مشيراً إلي أن بعض هؤلاء المرشحين قاموا بالطعن علي هذه الأحكام أمام القضاء العادي، موضحاً أن هذه الطعون غير مؤثرة، لأنها صدرت من محاكم غير ذات اختصاص. المرض مزمن كما يستهجن الدكتور شوقي السيد عضو مجلس الشوري والمحامي بالنقض والدستورية العليا موقف اللجنة العليا للانتخابات في عدم تنفيذ هذه الأحكام ويصف ذلك بأنه "أبغض الحلال" علي حد تعبيره ويشير إلي أن عدم احترام أحكام القضاء أصبح مرضاً مزمناً في مصر ويقول: "يجب ألا نترك الأمر لمجلس الشعب ليصبح الخصم والحكم في نفس الوقت". ويتساءل د. شوقي السيد: كيف يحكم أعضاء في هذا المجلس علي أنفسهم، وفي أحكام فصل فيها القضاء ببطلان انتخابهم؟ ويوضح أن النتيجة سوف تتمثل في قيام المجلس بحماية أعضائه، وبذلك لن يختلف الأمر عما سبق فالحال هو الحال في الانتخابات البرلمانية وليس هناك أي تغيير أو إصلاح نيابي. ويقترح الدكتور شوقي السيد لتفادي هذه السوابق المزمنة الخاصة بعدم تنفيذ واحترام أحكام القضاء ، وجود نص تشريعي للفصل في هذه الطعون علي أن يكون هذا النص مشمولاً بمحاسبة المسئول عن التنفيذ إذا أخل بهذا النص بل وتكون العقوبة هي العزل من المنصب أياً كان والحبس، ويشير إلي أن البعض من المسئولين عن العملية الانتخابية يرون أن الخلاف بين القضاة والمستشارين في إصدار الأحكام القضائية يفتح باب الرحمة من وجهة نظر الحكومة، ولكنه في الحقيقة يفتح باب الجحيم لأنه يوجد وضعاً يتناقض مع الدستور ويخالف القانون، ويفرز مجلساً باطلاً.