مليارات الجنيهات التي لا يمكن حصرها تكبدها الاقتصاد المصري نتيجة الخسائر المباشرة أو غير المباشرة من الحرائق التي تعرض لها العديد من الوحدات الاقتصادية والانتاجية خلال الفترة الأخيرة. العنوان الرئيسي لهذه الخسائر بشهادة رجال الأعمال أنفسهم وخبراء الدفاع المدني هو غياب لاهتمام الكافي بالأمن الصناعي وبديهات الدفاع المدني عن معظم - وليس كل - المصانع لمصرية سواء كانت لشركات الأعمال العام أو الخاص والاستثماري باختلاف أنشطتها ومجالات إنتاجها. وبين اتهامات بغياب الوعي، أو شح رجال الأعمال وعدم الاهتمام بالانفاق علي الأمن الصناعي، تحاول العالم اليوم الاسبوعي رصد هذه القضية من جميع جوانبها منذ تصميم المشروع وحتي دخوله مجال العمل والإنتاج. وفي البداية يعترف الدكتور نادر رياض رئيس لجنة البحوث والتطوير ونقل التكنولوجيا باتحاد الصناعات المصرية وعضو مجلس إدارة اتحاد صناع أجهزة الاطفاء الالماني بأن هناك خللا واضحا في الكيانات الصناعية المختلفة خاصة والتي تتعامل مع مواد قابلة للاشتعال ومواد خطرة ويتمثل ذلك أنها لا تتعامل مع منظومة أمن صناعي سليم. ويشير علي سبيل المثال إلي حريق بأحد المصانع المنتجة للزيوت ويقول: لقد قامت بعمل لحامات للصهاريج فوق كميات من المواد الخطرة الملتهبة كما كانت طريقة اللحام خاطئة وبدائية جدا كما كان يجب وفق نظم الأمن الصناعي أن يتواجد فرد اطفاء واجهزة اطفاء خاصة بجانب أن عملية لحام تتم بموقع الصيانة. وردا علي سؤال حول أن هناك مطالبة من بعض المسئولين ورجال الأعمال بضرورة وجود سعاف طائر عن طريق طائرات محملة بمواد الاطفاء والأجهزة المتخصصة واستخدامها جوا أوضح د.نادر رياض صعوبة ذلك مشيرا إلي أن ذلك لا يتم إلا في الحرائق الموجودة في أماكن واسعة ومكشوفة مثل الغابات. وفي المقابل يري خالد حمزة رئيس لجنة الاستيراد بجمعية رجال الأعمال المصريين أن الاسعاف الطئر هو الوسيلة الحديثة التي تستخدمها الدول المتقدمة والمصانع والشركات العالمية وتساهم هذه الدول مع المستثمرين وأصحاب المصانع في توفير هذه الخدمة العاجلة.. ويؤكد أن مثل هذه الخدمة مطلوبة وبشدة في دولة مثل مصر خاصة أنها تتعرض للكثير من موجات الحر والتي تساعد علي زيادة حالات الحريق في أماكن كثيرة من المدن الصناعية وهو ما يتطلب قيام الدولة بمساعدة المدن الصناعية ومستثمريها في توفير هذه الخدمة. الاهمال ومن جانبه يؤكد محمد المصري نائب رئيس اتحادات الغرف التجارية ضرورة استيفاء أسس الأمن الصناعي خاصة داخل المصانع الضخمة ذات الاستثمارات الهائلة ومن أبرزها السعي حثيثا إلي تدريب العاملين علي أيدي خبرات فنية كبيرة وتوفير جميع وسائل الاطفال والمراقبة المستمرة والصارمة علي مثل هذه المصانع. أما الدكتورمنير مسعود رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية السابق وصاحب أحد المصانع بمدينة العاشر من رمضان فيري أن الحرائق المتكررة في المدينة ترجع إلي عدم وعي أو خبرة العمالة الموجودة في المصانع ويعرب عن دهشته لقيام عمال أحد المصانع بإجراء لحامات للصهاريج فوق كمية ضخمة من مخزن للكارتون ومخزن الزيت وعندما تطاير الشرر إلي المخزنين لم يستطع العمال السيطرة علي الحريق. ويلفت د.منير مسعود إلي بعض العادات الخاطئة في الأمن الصناعي ومنها وجود أسلاك الكهرباء داخل الحوائط مشيرا إلي أن جميع دول العالم تجعلها خارج الحوائط بحيث يسهل التعرف علي مكانها عند حدوث حريق أو اشتعال في الأسلاك. وهو الأمر الذي يعيب الكود المصري في عملية البناء. ويوضح أيضا أن الدول الصناعية الكبري والتي لديها مصانع متنوعة بها مواد قابلة للاشتعال يتم وضع هذه المواد في خزانات خاصة وبمواصفات محددة ويكتب عليها بالخط العريض هذه منطقة "خطر" بها مواد قابلة للاشتعال. حماية وتوفير أما المهندس ممدوح ثابت مكي رئيس غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات المصرية فيشدد بدوره علي ضرورة الاستعانة بجميع وسائل الأمن الحديثة والوقاية من الحرائق مثل استخدام الطائرات والسيارات ذات السلالم الالكترونية العالية لانقاذ المصانع والمناطق التي تحدث بها حالات الحرائق. ويعرب ممدوح ثابت مكي عن أمله في أن توجد بمصانعنا ومؤسساتنا الاقتصادية سواء الكبري أو الصغري مثل هذه الأجهزة ويؤكد أن الاهتمام بهذه القضية من جانب أصحاب هذه المشروعات يمثل ضرورة قصوي تتطلب سرعة تدريب العمالة الموجودة لديهم عن طريق شركات متخصصة عالمية ستوفر لهم الكثير والكثير من المال الذي قد يضيع في غمضة عين. ويتفق أحمد الجمل المدير العام التجاري والتسويقي لشركة مترو - مصر بالعاشر من رمضان مع الآراء التي تري ضرورة وجود إسعاف طائر بالمناطق الصناعية ويؤكد أن هذه الوسائل ستقلل الجهد والوقت والخسائر المادية والبشرية في حال وجودها. الأمان الغائب وفي تقييمه لمثل هذه الحرائق المتكررة يري اللواء نادر نعمان مدير إدارة الدفاع المدني السابق أن السبب الرئيسي الحدوث الحرائق في أي مكان بما في ذلك المصانع والشركات والمؤسسات والبنوك والوحدات الاقتصادية هو عدم تطبيق شروط الدفاع المدني والتي تستلزم بصفة عامة وجود أجهزة الاطفاء المناسبة لنوع مادة الاشتعال وفقا لتعليمات الدفاع المدني بالاضافة إلي غياب الشركات المتخصصة التي تتكفل بتوفير الأجهزة الخاصة للاطفال بجميع أنواعها المتطورة والتدريب علي استخدامها كما يلفت أيضا إلي أن بعض المصانع توفر في تكاليف الصرف علي هذه المواد المهمة وتستعيض عنها باستخدام أجهزة البودرة الكيماوية وأجهزة ثاني أكسيد الكربون وهي تستخدم فقط في حالات الحرائق الصغيرة والمحدودة وليس في حالات الحرائق الضخمة للمواد الملتهبة أو الخطرة. وأشار اللواء نعمان إلي أن المشكلة الكبري أن هناك بعض المستثمرين يغفلون عن تطبيق هذه القواعد الأساسية بحجة أنها عملية مكلفة وتمثل عبئا علي استثماراتهم ويؤكد ضرورة أن يكون لدي كل مصنع في مدننا الصناعية ذات الاستثمارات الضخمة ترخيص دفاع مدني وحريق بكل ما يكفله ذلك من توفير وسائل الأمن المختلفة ضد الحرائق بالاضافة إلي عمليات التدريب المختلفة التي يقدمها الدفاع المدني لعمال المصنع مقابل رسوم بسيطة.