منذ 78 سنة توافقت إرادة طلعت باشا حرب وحماسة أعيان مدينة المحلة مع رطوبة الجو هناك.. وتلاقت الإرادة والحماسة والرطوبة مع شهرة أيادي هؤلاء البشر في هذه البقعة في زراعة القطن وغزله ونسجه لتخرج إلي النور شركة مصر لغزل ونسج القطن.. وخرج المرسوم الملكي الذي صدر عن دار المفوضية الملكية المصرية بباريس في 26 أغسطس 1927 ليؤسس الشركة رغم أنف النفوذ البريطاني في القاهرة في هذا الزمان علي مساحة 32 فدانا. واستطاعت الشركة التي لم يزد رأسمالها في ذلك الوقت علي 300 ألف جنيه ويعمل بها 2000 عامل يقتطع كل منهم 12.5 جنيه كل سنة من أموال الشركة كأجر له أن يضاهوا أرقي مصانع البلاد الأوروبية.. بل يحلف كل من في الشركة الاَن نقلا عن أجداده العاملين في الشركة أن العاملين نجحوا في أن ينفردوا بأصناف لم تطرقها مصانع أوروبا نفسها في ذلك الوقت ولذلك أطلق علي هذه الشركة "لانكشير مصر" في إشارة إلي منتجات لانكشير الأوروبية الشهيرة. واستطاعت الشركة التي كان بها مصنع غزل واحد بطاقة اَلية 12 ألف مغزل أن تنتج 844 طن غزل سنويا إلا أنه وبعد مرور 78 سنة أصبحت الشركة تحوي 8 مصانع وتخرج سنويا 42 ألف طن غزل وكانت الشركة تستهلك 1000 طن من القطن الخام سنويا، فأصبحت احتياجاتها الاَن مليون طن من القطن الخام. ولكن بعد أن كان القطن هو نعمة هذه الشركة لأن أماكن زراعته قريبة علي بعد خطوات من الشركة، ولأنه لا يكاد ينافسه قطن اَخر في العالم، أصبح نفس القطن نقمة علي الشركة بل وأحد أسباب أزمها وسوء أحوالها.. حيث إنه ولسنوات طويلة ظلت الحكومة خلال الستينيات والسبعينيات وحتي الوصول إلي قرارات تحرير سعر القطن توفر لشركات الغزل أسعار القطن بأسعار رخيصة.. مما مكن الشركات من الاستمرار.. لدرجة لم يحلم رئيس شركة من شركات الغزل أنه سيأتي عليه يوم يضطر فيه إلي أن يتعاقد علي شراء أقطان من أمريكا أو اليونان أو سوريا والسودان. المشكلة الأساسية فمنذ تحرير أسعار القطن وتحديد الحكومة للفلاحين الأسعار بما يتفق مع الأسعار العالمية.. وأصبح القطن المصري أغلي من سعر الأقطان المستوردة.. وقد ظلت شركة المحلة كما يوضح محسن الجيلاني رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج تعتمد علي القطن المصري طويل التيلة كبديل عن الأقطان القصيرة والمتوسطة وذلك لإنتاج نوعية لا تحتاج إلي أقطان فائقة الجودة.. وبذلك كانت الشركة تتحمل فروق أسعار تزيد في بعض الأحيان علي الأسعار العالمية ب 30%. وهذه التكلفة المرتفعة كانت وراء تراجع مبيعات الشركة التي لم تستطع أن تنافس منتجات الشركات المثيلة من القطاع الخاص.. التي لديها حرية كاملة في توفير احتياجاتها من الداخل أو الخارج كيفما تشاء.. وقد اتسع فارق السعر خلال يناير الماضي إلي 70% مما أدي إلي تراجع مبيعات الشركة بنحو 3000 طن وهذا التراجع من شأنه أن يغير من حركة المبيعات التي كانت قد بدأت تتجه نحو الارتفاع.. حيث شهد العام الماضي نموا في المبيعات.. ووصل حجم المبيعات إلي 960 مليون جنيه عام 2003/2004 بزيادة قدرها 106 ملايين جنيه عن العام السابق، وزيادة قدرها 199 مليون جنيه بالمقارنة بعام 2001/2002. وبالرغم من تزايد حجم المبيعات إلا أنها لم تنجح في رفع حجم الأرباح التي لم تزد علي 20 مليون جنيه في عام 2004.. وبالرغم من أن الشركة نجحت في زيادة نسبة الصادرات من 25% من المبيعات إلي 50% ووصل حجم صادراتها إلي ما يقرب من نصف المليار جنيه، إلا أن المشكلات التي تواجه الشركة تحد كثيرا من إمكانات رفع كفاءة الأداء بالشركة. عبء الديون وأهم المشكلات التي تواجهها كما يشرحها رئيس الشركة سيد عباس هي عبء الديون الذي يستقطع سنويا 100 مليون جنيه من الشركة.. وهذه المديونية تحد من إمكانات توفير رأسمال عامل في الشركة تستطيع به توفير احتياجاتها من الأقطان.. فبعد أن كانت الشركة توفر احتياجاتها السنوية من الأقطان منذ الشهور الأولي من العام، أصبحت الشركة الاَن، كما يقول رئيسها، تعمل يوما بيوم.. وفي بعض الأحيان يصل بها الحال إلي توقف بعض الاَلات عن العمل لأيام لعدم وجود أقطان أو غزول.. بالرغم من أن المديونية علي الشركة كانت بسبب السحب علي المكشوف لقرض تجديد وإحلال بعض المصانع داخل الشركة لأنه بدون هذا التجديد الذي وصلت تكلفته إلي 600 مليون جنيه كان سيتم إغلاق المصنع.