كان اسمها غريبا بين الحاصلين علي جوائز الأوسكار السينمائية الأمريكية لهذا العام، شارمين عبيد تشينوي، إنها امرأة باكستانية شابة قررت أن تكون السينما مهنتها، وقضايا النساء هديتها، وكان الفيلم عن اللاتي يتعرضن للعقاب من ذويهن بإلقاء الأحماض الحارقة علي وجوههن، وهي قضية تتعرض لها آلاف النساء في هذا البلد ولكنها نادرا ما تطرح للنقاش العام أو تصدر خارج باكستان.. «إنقاذ الوجه» هو اسم الفيلم الذي أخرجته تشينوي عن هذه القضية والذي حصل علي جائزة أفضل فيلم وثائقي لعام 2011، وصعدت المخرجة الشابة بزيها ذي التطريز الشرقي الجميل لتتسلم الجائزة في أكبر حفل لجوائز السينما في العالم ولتهدي الجائزة لنساء باكستان وتقول في الميكروفون.. «إلي كل النساء في باكستان اللاتي يعملن من أجل التغيير، لا تتخلين عن أحلامكن، هذه الجائزة من أجلكن» وترفع الجائزة بيدها في ثقة ليصفق لها عالم كبير يتخطي حضور الحفل في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية إلي مئات الملايين الذين تابعوه عبر شاشات التليفزيون.. ويروي الفيلم قصة الضحايا وقصة طبيب انغرس في الدفاع عنهن بعلاجهن من تشوهات الأحماض وهو جراح التجميل البريطاني ذو الأصل الباكستاني محمد جواد الذي أصبح أملا لكل من تشوه وجهها من النساء في بلده الأصلي، وليست النساء فقط ولكن الأطفال أيضا كما يبين الفيلم الذي يؤكد أن مائة حالة سنويا يعلن عنها من ضحايا «هجمات» الأحماض بينما يؤكد بعض العاملين في مجال مساعدة الناجين للفيلم أن هناك حالات كثيرة لا يتم الإبلاغ عنها، وأن باكستان تحتل المرتبة الثالثة في العالم بين الدول الأخطر علي النساء بعد أفغانستان والكونغو الديمقراطية بناء علي دراسة دولية مسحية أجرتها مؤسسة «تومسون رويترز» في العام الماضي، أن الفيلم - القضية والذي يفضل البعض أن يسميه «القضية التي تحولت فيلما» في محاولة للتقليل من الشأن السينمائي لهذه النوعية من الأفلام التي توثق ما يحدث للناس العاديين في الحياة من مواقف وأحداث تمثل عدوانا عليهم وعلي حقوقهم، ومع ذلك فالسينما الوثائقية تتقدم لأهميتها في كشف وفضح المسكوت عنه في كل المجتمعات إضافة إلي توثيق وتقديم الاختلاف وعجائب الخالق في خلقه من خلال سلاسل أفلام الطبيعة وكائناتها، نحن هنا أمام فيلم من النوع الأول امتلكت مخرجته الشجاعة لرفض ما يحدث في مجتمعها من مظالم تقع علي النساء بالدرجة الأولي، وقد وجهت التحية لمن امتلكن الشجاعة مثلها ووقفن أمام كاميراتها لحكي ما جري لهن وقالت في مقابلة سبقت إعلان فوزها بالجاذزة الكبيرة.. النساء اللاتي قررن المشاركة في فيلمي الوثائقي قمن بهذا لأنهن أردن أن تسمع أصواتهن، وأردن توجيه الاهتمام لهذا النوع من الهجمات وليسمع العالم حكاياتهن ويكون لها أثر.. وفي هذه الاعترافات داخل الفيلم يعلم المشاهد أن «الأحماض» والعقاب بها هو وسيلة شائعة للمعاقبة للمرأة علي أخطائها المزعومة من قبل الأزواج، أو لرفض الفتيات عروضا للزواج، وتصف إحدي الضحايا في الفيلم كيف أُحرقت بعد رفضها محاولات معلمها التحرش بها وكانت في الثالثة عشرة من عمرها آنذاك، بينما شارك الزوج وأخته وأمه في التنكيل بامرأة أخري لم تعجب الزوج ولا الأخت ولا الحماة فكان الحرق مصيرها! لم تخف المخرجة من تهمة «نشر الغسيل القذر» لبلادها التي توجه عادة لمن يفضح ما يحدث في المجتمعات المغلقة وإنما صرحت بأن فيلمها يقدم رسالة قوية للجمهور الباكستاني تشعر بأنها - أي الرسالة والفيلم - ستكون طريقة لإظهار كيف يمكن للباكستانيين أن يساعدوا غيرهم من الباكستانيين للتغلب علي مشاكلهم، من المؤكد أن تشينو عبيد ذكية بما يكفي لمحاولتها انتزاع حدة حرب شعواء ضدها في بلدها ممن يرفضون الكشف عما يحدث فيه، حتي لو أحرقت كل النساء أو شوهن.. فتحية لها، مرتان، مرة من أجل شجاعتها، ومرة لكونها وضعت اسم بلادها للمرة الأولي ضمن قوائم الأوسكار بعد 84 عاما من إنشاء هذه الجائزة.