«عادت لي فريدة كما لم أعرفها من قبل وبقي الحذر والخوف وظل حنيني في أرض الخوف». هي كلمات بطله من رائعته «أرض الخوف» وهو العمل الذي تم تكريم صاحبه «مؤلفه ومخرجه» في الدورة الأولي لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الذي تم افتتاحه أمس الثلاثاء.. إنه داود عبدالسيد أحد هؤلاء الفرسان المغامرين، مخرج مصري بدرجة «عبقري»، يحاول دائما العزف خارج السرب ويراهن علي رؤيته ليصل بنا نحن أيضا إلي الرهان عليها وسط فوضي الحياة والسينما من وجهة نظره «نظرة شخصية للكون» يخرج بها من الخاص إلي العام، تتميز أفلامه بعمق محرض علي التفاعل مع الحياة، فيدخلك في حوارات مع نفسك تنتهي فيها «بابتسامة عايزة تبقي ضحكة» يقدم نهايات مختلفة ليتجاوز الحزن معلنا انهزام اليأس يهتم بشخصياته ويطلق لك عنان الخيال لتعيش حياتها غير النمطية وتفكر أنت في نفسك مع آخر ضوء علي الشاشة، فضل اكتمال رؤيته فكتب ما أخرجه لنصفها نحن الآن ب «أفلام ثورية جدا» رغم صناعتها قبل سنوات من ثورة يناير ففي رائعته «الكيت كات» طلب منا الاعتراف بالعجز لأن هذا الاعتراف هو ما سيجعلنا نتجاوزه وإنكاره سيعوقنا عن الغد، فخرجت كلمات شريف منير للمبدع محمود عبدالعزيز «يا ابا إنت مش عايز تصدق ليه إنت راجل أعمي» ليضحكا الاثنين.. ونتأمل نحن.. ولأنه يفضل مزج الحياة بالسياسة بالحب ولأنه تحدث في بداياته عن «الناس والأنبياء والفنانين» حاورناه في السياسة والسينما والحياة وحدثنا كما لم يتحدث من قبل.. شبهت يوما د. محمد البرادعي «بزرقاء اليمامة» لتنبؤه بالثورة.. ما تعليقك علي انسحابه من انتخابات رئاسة الجمهورية؟ مازلت أري أن البرادعي خسارة كبيرة لمصر في هذا المنصب لاعتقادي أنه مطلوب وأنه رجل يتمتع بمميزات تؤهله لإعادة بناء أجهزة الدولة وسلطاتها ووضع حدود وقواعد لها وهو أفضل من يقوم بذلك إضافة إلي خبرته الدولية وعلاقاته ووسطيته، رأيته رجل المرحلة القادمة وأنه سيترك الجميع يمارس حرياته السياسية وعندما انسحب استطعت تقدير هذا الانسحاب وأعتقد تصرفه يحمل قدرا من الذكاء فقد يكون أدرك عدم نجاحه، لكنه في النهاية تعرض لحملات تشويه كبيرة قبل الثورة وبعدها اعتقادي أن هذا الانسحاب جعله «هدفا غير مرئي» بشرط أن يقود حركة جديدة تجمع كل فصائل الوطن. البعض يري أنه لم يستطع أن يلعب سياسة بالشكل المطلوب ليستمر في «مارثون» الرئاسة.. ما رأيك؟ السياسة الخالية من النبل والأخلاق تصبح سياسة عصابات ومافيا، أراه كان ملهما للثورة وقام بحراك مهم في الشارع المصري وأفضل السياسي الواضح عن الذي يلعب لأهداف أخري وفي بعض الأحيان نجد الشر هو الذي ينتصر ولكنه في النهاية دخل تاريخ مصر. كيف تري المشهد السياسي.. وهل انحرفت الثورة عن مسارها في رأيك؟ لا أعتقد أن الثورة انحرفت، ببساطة شديدة حدثت انتفاضة كبري تحولت لثورة، ولعلمك لم أبدأ بإطلاق اسم ثورة عليها إلا بعد بدء محاكمة مبارك، لأن الثورة تحدث تغيرات جذرية وحتي هذا الوقت لم تحدث شيئا سوي محاكمة مبارك أيا كانت طبيعة المحاكمة ولكنها كسرت صورة «الحاكم الإله» المعتاد في مصر والذي لم تكن نهايته سوي القتل أو الموت أما شعارات الثورة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» فلم يتحقق شيئا منها وحتي الطريق الذي نسير فيه الآن لا يفضي إلي تحقيقها وأعتقد أن الإنجاز الأكبر للثورة هو أن الناس لم تعد تخشي شيئا، ولهذا قد تستمر الثورة سنوات قادمة. عقد إذعان كيف تري أداء «البرلمان» وهل يجوز لنا أن نطلق عليه «برلمان ثورة»؟ بالطبع لا يعتبر برلمان ثورة، فالمواطنون الذين خرجوا يوم 25 يناير لا يعبر عنهم هذا البرلمان قد يعبر فقط عن جزء منهم أراه برلمانا أنتجته الظروف السياسية بعد الثورة أنتجه حكم المجلس العسكري، قدرة الإخوان علي التنظيم وأحيانا عدم الوعي، اختصارا «حتي تنتج الثورة برلمانها كانت محتاجة تحكم». تسليم السلطة للمجلس العسكري هل كان قرارا صائبا علي ضوء ما جري ويجري؟ أري أن الثورة وكلت المجلس العسكري «بعقد إذعان» فمبارك سلم البلد للقوة التي استلم منها فيما سبق أي أعاد الحكم للجيش الذي أعطاه السلطة منذ ثلاثين عاما فانتقل الحكم من جناح داخل النظام لجناح آخر. لك تصريح في السابق «إبريل الماضي» «أن الإخوان بيلعبوا لعب رخيص».. كيف رأيت هذا وقتها؟ تقريبا كان نفس وقت الاستفتاء علي التعديلات الدستورية الجميع فوجئ وبعد الثورة بمظاهرات السلفيين لعدم إلغاء المادة الثانية من الدستور وبدأت «الأهرام» تطرح استفتاء بخصوص نفس الموضوع، فكانت قضية تمت زراعتها لتقسيم القوي الاجتماعية والسياسية «لمؤمنين وكفار» لتجعل النصف مع الدولة الدينية والآخر ليس معها وهو انقسام مازال موجودا حتي الآن وتم تجييش الناس لشعارات تبدو براقة وبها مزايدة علي الهوية ودخل فيها الإخوان طبعا. إذن كانت هناك نية للاستعانة بالتيار الإسلامي لتسير المرحلة بهذا الشكل؟ هذا تاريخ قديم، أول من استعان بالإسلاميين كان عمر سليمان أثناء فترة ال 18 يوما عندما دعا القوي السياسية والإخوان وقال «لا أعتقد أنهم سيرفضون لأنها فرصة جيدة لهم» ماذا حدث بعدها لا أدري المهم أن الحل في ظل نظام يفتقر الشعبية والكفاءة والاستعانة بقوة شعبية وكانت «الإخوان» في ظل القبض علي جناح واحد من النظام السابق وليس الجميع. خطأ المدنيين أنت أحد مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي.. كيف تري تجربتك السياسية داخله؟ لم أدخل الحزب لأعمل فيه كفاعل سياسي، أنا فقط معجب بأفكاره وتكوينه لأنه حزب طبقة وسطي مثقفة وحزب ليبرالي اجتماعي يهدف في النهاية لإيجاد عدالة اجتماعية وأصبح الآن علي الخريطة، أتنبأ له بمستقبل معقول، رغم صعوبة تجربة الانتخابات علي أي حزب تكون منذ خمسة شهور فقط. بمناسبة الانتخابات، هل كان «صندوق الانتخابات» صادما بالنسبة لك؟ لا ليس صادما، ولكن لم يتوقع أحد أن يحصل السلفيون علي وجه التحديد علي هذه الأصوات، هناك جزء «غاطس» في المجتمع المصري لم يكن ظاهرا، والكتلة الإسلامية أخذت نسبة أكبر من المتوقعة، والأحزاب المدنية لم تتكتل بالشكل المطلوب. الطبقة المتوسطة هي الحاضرة بقوة في أفلامك وهي غير مستسلمة للإغراءات الرأسمالية والمهيأة للثورة في أي لحظة، هل تراها اختلفت بعد الثورة، أو اختلفت نظرتك أنت لها؟ الطبقة الوسطي ثرية بمميزاتها فداخلها اتجاهات مختلفة وقناعات مختلفة أهم مميزاتها أنها «وسطي» قد تجد أحدا يسكن في أرقي الأحياء وعائلته تسكن في منطقة شعبية لديها في رأيي مخزون أفكار قائم علي التعليم والوعي والتفكير لذا أعتبر ثورة يناير ثورة طبقة وسطي في الأساس هي التي قامت بالشرارة الأولي ثم انضم لها باقي الطبقات فالشباب كان لديه رغبة في تغيير الواقع والبحث عن الكرامة، الكرامة المرتبطة بالآخرين.. فحدود الإنسان ليس جلده أو منزله بل مجتمعه ومن يشعر بهذا هي الطبقة الوسطي. كيف رأيت مشهد تعرية الفتاة المصرية في ميدان التحرير أثناء أحداث مجلس الوزراء؟ الحقيقة أنني لم أصدم، الناس زعلانة لأنهم «عروها» وليس لأنهم ضربوها رغم أن الاثنين لا ينفصلان من وجهة نظري فقد تمت إهانتها في الضرب قبل التعرية، لكننا لأننا مجتمع شرقي وشرف البنت مرتبط بالرجل، كل الحالات هي إهانة وقبلها كشوف العذرية كانت إهانة أكبر. ما رأيك في الحديث عن أفلام الثورة وصناعتها؟ أري أن أفلام الثورة ليست هي التي تصنع الثورة وأحداثها لأن الثورة اتجاه ضد الظلم والقهر لذا ففي تقديري الأفلام التي صنعت قبل الثورة هي أفلام ثورة وأي فيلم جديد يرهف حواسك الإنسانية هو فيلم ثورة لأن المعني الأساسي لكلمة ثورة هي رغبة قوية لتحرير الإنسان من المخاوف والجوع. انتقاد الثورة؟ هل الثورة تحتاج لفيلم ينتقدها؟ فن الثورة ناقد لها، وحتي تصبح «حية» لابد أن تنتقد نفسها وإلا ستتحول لشيء آخر، كما حدث مع الثورة البلشفية مثلا تتحول لنظام رغم إنجازاتها وقتها. هل مفترض أن تختلف معادلات السينما في رأيك؟ السينما في رأيي ليست عملية رياضية لكنها «فن حلو» بعيدا عن قوالب تقليدية، ولذا ليس بإمكاننا تغيير معادلات السوق، فالواقع هو الذي سيغير ويفرض نفسه، لدينا سينما تجارية الآن فقط، السينما يخلقها واقع السوق والجمهور لذا نجد الفيلم الذي حصل علي أعلي إيرادات في يوم واحد في تاريخ السينما هو «شارع الهرم» فلماذا نلوم منتج يصنع «شارع الهرم 2»؟ هل يفترض أن يقدم الفنان ما ينبغي أن يراه الجمهور أم ما يطلبه الجمهور؟ المفترض أن يقدم الفنان ما يريده ليكون أمينا مع نفسه بحيث يراه الجمهور، فأنا لا أصنع فيلما تكون صالة العرض خالية أثناءه أنا أحول الخاص إلي العام. أنت بعيد عن السينما الآن.. هل هي فترة تأمل؟ ليست فترة تأمل ليتها ذلك، هي فترة متابعة «مزعجة» للأحداث من الصحف والنت والشاشة وكلي قلق وآمال وأتمني أن أجد مشروعا سينمائيا قريبا. الإبداع مهدد هل الفن محرّض في الأساس؟ بالفعل الفن محرض حتي لو لم يكن كذلك، فأنت تخرج حزين لأنه حرضك إنسانيا علي تجاوز ما هو سييء، حتي الموسيقي الخالية من الكلمات محرضة علي الشفافية، وللعلم فالثوري لابد أن تمر بهذه المراحل حتي يمكنه التغيير. «جبهة الإبداع» إلي أي مدي تراها مهمة في الوقت الراهن؟ أحيانا لا تفكرين هل ممكن أن يكون لها دور أم لا، لكنها الطريقة الوحيدة الموجودة الآن والتي يمكننا التركيز عليها، لأن الإبداع مهدد والفن مهدد وحتي التعليم مهدد هذا الأسبوع أحداث منها حكم عادل إمام، منع مسلسل «ذات» من التصوير داخل جامعة عين شمس وقد قرأت تصريحا للنائب محمد الصاوي «أن الفنانين صرخوا قبل لمسهم» وأهديه هذه الأحداث ليرد عليها، وأعتقد أن مجلس الشعب عليه التصدي لهذه الظواهر. هل مفترض أن يتخذ الفنانون رد فعل معين تجاه قضية عادل إمام؟ بالطبع وأول رد فعل نعرف ما هي القضية أصلا وكيف يتم الحكم علي شخص وليس العمل، وما هو هذا العمل ولماذا جعل الممثل مسئولا وليس المؤلف أو المخرج يجب مناقشة القضية إعلاميا. صرحت لي أنك قلق علي الفن يوم الإعلان عن تشكيل جبهة الإبداع.. كيف تري المشهد؟ المشهد يحتاج لمعرفة ما هي النية في التعامل مع الفن؟ الرقيب يتحدث جيدا وعن حرية الإبداع والتيارات الإسلامية تصرح بأشياء مطمئنة أيضا والأحداث مؤسفة، نحتاج لمعرفة «النية» أولا هل هناك حرية فكر وإبداع حقيقية فعلا أم لا؟ كيف يري داود عبدالسيد الغد؟ الحقيقة أنني كلما ابتعدت عن الغد أري مجتمعا أجمل وأفضل وبشر أنقي وكلما اقتربت أكون متشائما.