قدمت روسيا يوم 17 ديسمبر ملفا تدين فيه نظام بشار الأسد القمعي للثورة السورية وذلك بعد يوم واحد فقط من أدانة البرلمان الأوربي لروسيا والصين لعدم استجابة البلدين في اصدار قرار يدين ممارسات الأسد تجاه الثورة والثوار فهل نتوقع في الأيام المقبلة قرارا مماثلا من الصين التي تحاول بشتي الطرق أثبات نفوذها السياسي في المنطقة العربية أم أن روسيا لديها مصالح تختلف عن الصين حيث جاء توقيت تقديم هذا الملف متزامنا مع موافقة منظمة التجارة العالمية علي انضمام روسيا إليها بعد مفاوضات استمرت 18 عاما حول بنود وشروط الانضمام للمنظمة. هذه الموافقة مشروطة بتفعيل دور روسيا الأقتصادي خلال الستة أشهر القادمة ومن ثم التصديق علي الموافقة لتصبح سارية بعد ثلاثين يوما !! استقلالية الصين يري المفكر سمير كرم إنه ليس هناك شرط بوجود علاقة بين تقديم روسيا ملف لمجلس الأمن يدين ممارسات بشار الأسد القمعية ضد الثورة والثوار وبين موافقة منظمة التجارة العالمية علي إنضمام روسيا إليها خاصة أن روسيا استخدمت حق الفيتو في أكثر من قرار وكان ملف انضمامها لمنظمة التجارة العالمية قيد التفاوض . كما أن الدولة الوحيدة التي كانت رافضة لانضمام روسيا هي جورجيا بسبب دخول روسيا حرب سريعة معها عام 2008 ولكنها أخيرا وافقت . وفيما يختص بإحتمالية تراجع الصين في موقفها حيال نظام بشار فهذا أمر غير وارد فسياسة الصين أكثر استقلالية من أن تتخذ هذا الموقف كما أنها حريصة علي هذه السياسة بشكل يجعلها لا تدخل في مساومة مع الغرب فالصين تري في نظام بشار قوة مناوءة ومناهضة للغرب في المنطقة وليست الصين وحدها فهناك قوي عديدة تري ذلك بل هناك من يري أن نظام بشار ضحية لعمليات غربية بشكل أو بآخر ولكن علي جانب آخر فموقف الصين متعلق بمصالحها الاقتصادية في المنطقة. الربح الإقليمي ! تؤكد دكتورة نادية حلمي أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة بكين علي أهمية أن نضع في أذهاننا أن الصين لا تقرر سياستها الخارجية استناداً إلي أحقية الأمور وبطلانها فهذا معيار سياسي يتصف بالعاطفية والإنفعالية ولا يترتب عليه نتائج عملية. ولكنها تتخذ من المصلحة الوطنية معياراً لسياستها الخارجية. لذلك فالهدف الأول لسياسة الصين الخارجية هو الحفاظ علي الحد الأقصي لمصالحها الوطنية وفق حسابات دقيقة أما عن شكل العلاقة الجديدة بين الصين والعالم العربي والإسلامي بعد ثورات الربيع العربي فإن أغلب المؤشرات الاستراتيجية حول صعود وهبوط القوي العظمي تؤكد أن الصين ستكون صاحبة دور مؤثر وحاسم علي الصعيد العالمي في غضون العقدين أو الثلاثة القادمين فنمط العلاقة القائم اليوم بين الصين وأغلب بلدان العالم العربي قائمة علي الشراكة الاقتصادية حيث يمثل هذا العالم للصين أمرين الأول كونه المصدر الرئيسي لواردات الصين النفطية المتزايدة والثاني كونه أكبر الأسواق التي تلتهم منتجاتها . حق الفيتو كما يجد دكتور يوسف فاروق أبو العز أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر أن ما يحكم الأمور في المشهد السياسي العالمي ليس إشكالية الصواب والخطأ فهذه المرادفات في السياسة الدولية ليس لها تعريف إجرائي متعارف ولكنها تفسر وفق مصالح الدول وروسيا نظرت للمسألة من خلال هذا المفهوم فقامت بتمرير ملف مقابل ملف وفق مصلحتها مع الغرب فحق الفيتو استخدمته كوسيلة ابتزاز لتحصل علي موافقة انضمامها لمنظمة التجارة العالمية أو لاستفادتها من الوضع الراهن ببيعها أسلحة لنظام بشار . كذلك الصين موقفها ما هو سوي أنعكاس لمصلحتها فمن غير المنطقي أن تكون قرارات الدول وسياستها الخارجية متعارضة مع مصالحها بصرف النظر عن أن نظام بشار صحيح أم خاطئ بالإضافة إلي أن الملف السوري شائك جدا فرغم فشل السياسة الداخلية لسوريا وتشبعه بالتجاوزات وتعديه الصارخ لحقوق الإنسان إلا إن سياستها الخارجية كانت جيدة إلي أقصي درجة فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية والصهيونية . ودعم الصين للنظام السوري باستخدام حق الفيتو علي قرار مجلس الأمن بالطبع يخدم سياستها الاقتصادية في المنطقة العربية فهي لن تخسر شيئا برفض القرار بل قد تنال بعض الأمتيازات الاقتصادية مقابل موافقتها فيما بعد . وهذا أسلوب اقتصادي ذكي جدا وهذا ما سيؤهلها لتصبح قوي عظمي في العالم عبر ملفها الاقتصادي فهي لا تتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة وكل اهتمامها منصب علي دفع اقتصادها بشتي الطرق ومن هنا وصلت لعقر دار أمريكا التي تعاني حاليا من العجز في الميزان التجاري لديها فالصين تتحرك بهدوء وخطوات ثابتة جدا . الشيء الوحيد الذي قد يجعل الصين تغير موقفها من النظام السوري هو تسهيل الغرب لها فتح أسواق جديدة في كل مكان في العالم رغم انتشار أسواقها فهي تتطلع للمزيد لأن الآلة الصينية توحشت بشكل كبير جدا الصين تعمل بشكل منهجي وفق مصالحها الاقتصادية والتاريخ يشير لذلك فعندما وقفت الصين لدعم صدام كان البترول هو المحرك لموقفها ولكن عندما لوح لها الغرب بالسماح لها بتسويق منتجاتها أعطت ظهرها له ونفس الأمر تكرر مع القذافي ولذلك لا استبعد تغيير موقفهم من النظام السوري في حالة تعارض هذا الموقف مع مصالح مستجدة قد يمنحها لها الغرب وأمريكا !! فواقع الأمر الصين لا تهتم بما يسمي حقوق الأنسان سواء داخليا أو خارجيا !