تواجه دولة جنوب السودان بعد انفصالها عن الشمال مشكلات معقدة إذ لم يكن الانفصال حلا وتقول تقارير إن الحروب الداخلية بين قبائل دولة جنوب السودان أدت الي سقوط ألف قتيل علي الأقل منذ وقوع الانفصال، وكانت اتفاقية نيفاشا 2005 هي البذرة التي زرعت فكرة الانفصال وفق البند الأول بها والذي ينص علي "حق الجنوبيين في إجراء استفتاء حول بقائهم في الدولة السودانية أو الانفصال عنها " وهذا ما منحهم فرصة العمل علي تحقيق الانفصال خلال خمس سنوات في حين لم تشعر الأحزاب الأخري بأهمية هذا البند حتي فوجئوا في السنة الأخيرة بالاستفتاء في يناير وإعلان الدولة الجنوبية استقلالها في 9 يوليو 2011 . ولمعرفة كيفية الوضع السياسي الحالي بالسودان كان للأهالي هذا الحوار مع دكتور مصطفي خوجلي الطبيب والمناضل الشيوعي ورئيس وزراء السودان الأسبق. ما تقييمك للأوضاع في السودان بعد الانفصال ؟ الظروف صعبة للدولتين لأن هناك مسائل مازالت معلقة ووفق الاتفاقية لابد أن يجري استفتاء أو مايسمي بالمشورة حول منطقتي جنوب كورديفان و أبيي لأن هذه المناطق مازال بها بعض المشاكل كما أن الأنفصال يضعف أي دولة وخاصة الدولة الحديثة لأنه ليس لدي دولة الجنوب مخرج الي المحيط أو البحر الأحمر سوي عبر شمال السودان أو عبر كينيا بالاضافة لإمكانية حدوث صراعات قبلية في جنوب السودان، وهو ما يحدث فعلا الآن ماذا عن احتمالية حدوث انفصال لشرق السودان أو دارفور؟ هناك صعوبة في الانفصال لأن 99% من سكان دارفور مسلمون وفي شرق السودان قبائل عربية لذلك لاتوجد قضية عنصرية ولا دينية بل خلافات سياسية فلا توجد مقومات للانفصال ورغم وجود قوي خارجية كثيرة تعمل من أجل الانفصال فالاستعمار كان يبذر النعرة القبلية لمصلحته وبالتالي في ظل تحسن العلاقات والوضع الاقتصادي من الصعب جدا حدوث انفصال عكس الجنوب الذي يدين الغالبية العظمي من سكانه بالمسيحية . قضية أساسية كيف سيتغير المجتمع السوداني خاصة في ظل الأوضاع القائمة ؟ التغيير شيء حتمي وهو سنة التاريخ ولابد أن يحدث وتداول السلطة والحكم في تاريخ الشعب السوداني هي قضية أساسية ومنذ الاستقلال حتي الآن حدثت تغييرات وثورات وانتفاضات وانقلابات كثيرة لذلك احتمال التغيير وارد في أي وقت. هل تقوم المعارضة بدورها وما مدي وحدتها؟ المعارضة هي تاريخيا قوية ولكنها تمر حاليا بظروف مختلفة من "مد وجزر"عقب أي حركة سياسية خاصة بعد انضمام جزء من المعارضة الي السلطة لكن المعارضة ككل ذات القطاع الشبابي الغالب بدأت تستنهض قوي كثيرة في الفترة الأخيرة بأشكال مختلفة. قامت السودان بثورتين في القرن الماضي أسقطت نظامين عسكريين مستبدين هل يمكن تكرارهما مرة أخري في ظل ضعف البشير ؟ قضية المحاكمة الدولية ليست لها وزن كبير ولكن التغيير ممكن أن يأتي بسبب القضايا المتعلقة بالسياسة والأقتصاد والسلطة والديمقراطية فهذه قضايا أساسية تتفق عليها " قوي المعارضة " أو من أجل إلغاء الأحكام العرفية و قانون الطوارئ والمطالبة بتحسين الحالة الاقتصادية وحل قضايا المناطق المختلفة وتطوير السودان ولن يتخذ التغيير شكل ثورة أكتوبر أو انتفاضة أبريل 86 ضد النميري .بسبب ظهور مؤثرات ودخول عوامل أخري منها انفصال الجنوب بالإضافة لوجود قوات مسلحة كبيرة في مناطق مختلفة مثل دارفور وجنوب كورديفان لذلك هل ستعتمد فقط علي كونها ثورة أوانتفاضة تندلع في الخرطوم و تؤثر علي بقية السودان ؟ فمن الصعب أن تحدث انتفاضة في الخرطوم فتحذو حذوها باقي المناطق. قد يكون لدي الحركات الشعبية والجماهيرية توجه نحو اسقاط نظام معين لكن الأسلوب سيختلف . ما نوعية الاختلاف عن الانتفاضات والثورات السابقة؟ ثورة اكتوبر قامت بها الطبقة الوسطي والمثقفون وانتفاضة أبريل 86 دخلت فيها قوي أخري وعناصر من الجيش السوداني أما الانتفاضة القادمة ستختلف مقوماتها بسبب دخول قوي جديدة في المعركة السياسية استطاعت أثبات وجودها ثم انفصال جنوب السودان وهو قطاع كبير من الشعب أدي الي مشاكل مختلفة لذلك الانتفاضة بمعني حدوث تغيير نعم سيحدث ولكن لا يمكن التنبؤ بالنتيجة لأنه إذا حدث في ولاية واحدة من الممكن أن تنفصل ولكن إذا حدث تحول جماهيري فلابد أن يحافظ علي كيان السودان لأن أي تمزق مرة أخري لأي جزء من السودان سيضعف العملية السياسية ككل فالسودان متداخل وهناك قوي كثيرة من المعارضة موجودة في كل أجزاء السودان فالخرطوم أصبحت مزيجا من كل الأطياف ويسكنها 30%من سكان البلد الأصليين فقط . نظرة واقعية ما رأيك في زيارة سلفيا كير رئيس جنوب السودان لاسرائيل وما تأثير هذه الزيارة علي علاقة جنوب السودان ببعض الدول العربية ؟ ليست لدي معلومات تفصيلية حول هذه الزيارة ومدي بعدها الاستراتيجي ولكن سلفيا كير لديه علاقات مميزة مع اسرائيل ومحتمل تكون مدخلا لتوطيد علاقاته مع دول البحيرات " اوغندا وكينيا وزائير" " و لديه ايضا علاقات قوية مع مصركما تربطه علاقات تاريخية و قضايا كثيرة مع شمال السودان كسودان .لذلك يجب قبل أن نصل لتحليل أن ننتظر حتي نشاهد دلائل هذه الزيارة لأنه أطلقت بعض التعليقات حول الحصول علي دعم عسكري وامكانية حدوث هجوم وأن جنوب السودان ستصبح معبرا لاسرائيل في المنطقة وغيرها من الآراء . كما أن هناك دولا عربية كثيرة لديها علاقات ومشاريع وصفقات مع إسرائيل و لم تتأثر علاقاتها الخارجية بباقي الدول نتيجة علاقتها المميزة مع إسرائيل. فلابد من وجود نظرة واقعية ! وما تقييم الشمال لهذه الزيارة ؟ لم يتسرع الشمال في تقييم الزيارة حيث جاءت مفاجئة ولابد من وجود أدلة قبل أطلاق الاتهامات لتوخي المصداقية والحركة الشعبية في شمال السودان لديها قوة وعلاقات وذلك يبطل اتهام أن زيارة اسرائيل تعد إدانة لشخص فهذه مسألة تحتاج لنقاش . انقسام الحركة الإسلامية ما تقييمك للحركة الإسلامية بالسودان ومدي وحدتها ؟ الانقسام الداخلي في "حركة الانقاذ " بين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني معروف لكن توجد حركات اسلامية كثيرة الجزء الأساسي منها مبني علي الطرق الصوفية وحتي أحزاب المعارضة الأساسية ليست إسلامية فحزب الأمة هو القوي الأساسية أما حزب الأتحاد الديمقراطي فهو مبني علي الطائفية لذلك الحركة الاسلامية في السودان لديها مختلفة فجزء كبير منها كان دائما مع الحركة الوطنية. لذلك لا أعتقد وجود طرح لاقامة دولة إسلامية. فالحركات الإسلامية في السودان تموج بالصراعات كما أن وجودها بالسلطة أبرز مابينهما من صراعات أكثر مما كانوا خارج السلطة وهذا شيئ طبيعي فالوصول للسلطة والمحافظة عليها دائما مصدر للصراعات . هل ساهمت هذه القوي بشكل أو آخر في الفوز الساحق للإسلاميين في مصر؟ لا أعتقد لأن القوي الإسلامية بمصر أقدم وأقوي تاريخيا وأغني بكثير بفضل علاقتها بالتنظيمات الخارجية مثل القاعدة وغيرها وما تملكه منذ أيام السادات ولذا لا أعتقد أن الحركات الإسلامية كانت في حاجة لدعم مالي من السودان أومن غير السودان.