بينما بدأ العد التنازلي لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان بانتهاء فترة تسجيل أسماء الجنوبيين في الاستفتاء المقرر في 9 يناير .. رصدت "روزاليوسف" في جولة بالخرطوم " العاصمة السودانية " وفي مدينة جوبا " عاصمة الجنوب «أجواء» من التوتر والحذر بين الجانبين خوفا من ردود أفعال غير محسوبة في حالة إذا ما انتهي الاستفتاء بالانفصال . وبات مصير السودان ومستقبله بعد حدث 9 يناير الفاصل في تاريخه قضية تفرض نفسها علي كل سوداني بما في ذلك أن هناك تحركات جديدة من أطراف مختلفة مثل الحركات المتمردة في دارفور في طريقها للسير علي نهج الحركة الشعبية في طلب تقرير المصير أيضا .. وتنقل " روزاليوسف " في سلسلة حلقات من العاصمتين الجنوبية والشمالية الواقع علي الأرض وتداعياته بما فيها المصالح المصرية . يواجه نظام الحكم في السودان وتحديدا حكومة الانقاذ عدة اتهامات بانه فرض خيار التسليح علي الاحزاب والدوائر المعارضة او التي علي خصومه معها، ذلك انه رسخ مبدأ الاستجابة للقوة ولصوت السلاح في تعامله مع ازمات الجنوب والغرب في دارفور ومن قبلهما الشرق بدلا من المفاوضات والطرق السلمية. ويبرر كثير من الحركات المتمردة والاحزاب التي تحظي بتسليح في مواجهة الجيش السوداني مواقفهم بان الحكومة لم تستجب لنداءاتهم قبل حمل السلاح، وبعد التمرد فتحت معهم خطوط الحوار والتفاوض لتسوية الخلافات معهم، ووصل الامر في كثير من الاحيان الي اتفاقيات مبرمة بوساطة خارجية تسمح بتقاسم الثروة والسلطة مثلما حدث مع الحركة الشعبية في الجنوب وجيش التحرير في دارفور بقيادة مينا اركو ميناوي قبل ان يعود للتمرد مرة اخري. نتيجة لذلك كثرت مصادر السلاح في السودان ودخل كثير من اطراف المعارضة في سباق تسليح مع الجيش الحكومي، ابرزها مع ما فعلته حكومة الجنوب حتي بعد توقيع اتفاقية السلام في 2005، التي اوقفت حربا مع الشمال دامت اكثر من 20 عاما رغم ان الاتفاقية نصت علي عدم جواز قيام أي طرف بتعزيز قواته العسكرية، دون إذن مسبق من "مجلس الدفاع المشترك" الذي يتم الإشراف عليه من قبل الشمال والجنوب. وفي الفترة الاخيرة تعددت الانباء بشأن صفقات تسليح الي جنوب السودان قبل استفتاء تقرير المصير، تحسبا لاي نزاع او اشتباك مع الشمال، ويعكس ذلك ما اكده ميسيانج احد قيادات قبيلة الدينكا نقوك في منطقة ابيي بان قبيلتهم حرصت علي تسليح نفسها بشكل متطور، وقال ان المرحلة الحالية تستوجب الدفاع عن النفس دون انتظار دعم من اي جهة. يضاف الي ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية مؤخرا بان مسئولين من روسيا التقوا وفدا من حكومة جنوب السودان في تل ابيب، بهدف تقديم معونة سلاح الي الجنوب تساعده علي التصدي لأي اعتداء خارجي حالة الانفصال. وخلال الشهر الحالي ذكر المركز السوداني للخدمات الصحفية عن مصادر رسمية، أن الحركة الشعبية في الجنوب استقبلت حزمة جديدة من الأسلحة في 12 حاوية، شملت صواريخ ومضادات طائرات وعربات مدرعة وصواريخ أرض جو من خلال اوغندا وبدعم اسرائيلي، وذلك في محاولة لاكمال البناء العسكري للجيش الشعبي قبل الاستفتاء. ويذكر في هذا الاطار ايضا السفينة الاوكرانية المحملة باسلحة مختلفة من دبابات وقاذفات وقنابل وذخيرة وصواريخ، والتي اعترض طريقها القراصنة الصوماليون قبل عامين وهي في طريقها الي ميناء ممبسة بكينيا، وقالت الحكومة السودانية ان الشحنة كانت متجهة الي الجنوب من خلال كينيا بدليل ان عقد الشحن حمل اختصار حكومة جنوب السودان "GOSS ". وبعد ذلك بشهر، احتجزت السلطات السودانية طائرة شحن إثيوبية، قالت إنها كانت محملة بكميات من الذخيرة والأسلحة لنقلها إلي مدينة ''جوبا'' عاصمة الجنوب. ومثل سباق التسليح الجنوبي احد محاور الخلاف الاساسية بين الخرطوموالجنوب خلال الخمس سنوات الماضية - وهي الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام - حيث اتهمت الحكومة السودانية الجنوب بصرف معظم مخصصات البترول الموجهة له وفقا لنصوص اتفاقية نيفاشا علي تسليح الجيش الشعبي بدلا من التنمية، واعتبرت ان ذلك محاولة لافشال خيار الوحدة والعمل علي الانفصال. وحسب البيانات الواردة عن البنك الدولي في عام 2007 فإن نفقات الحكومة السودانية علي القطاع العسكري والأمني بلغت 1.175 مليار دولار، وهو ما يقدر بنحو 20% تقريباً من إجمالي نفقات الحكومة القومية.. أما النفقات العسكرية لحكومة الجنوب وحدها في عام 2006 بلغت 555 مليون دولار، أي ما يمثل 42% من إجمالي نفقاتها..وفي عام 2009 صوت برلمان الجنوب علي مضاعفة الميزانية الحكومية لتغطية نفقات الدفاع. واعتبر روبن بنجامين نائب رئيس مكتب اتصال حكومة جنوب السودان في القاهرة والشرق الاوسط ان اسلحة الجيش الشعبي في الجنوب تعتمد في الاساس علي اسلحة جيش الحكومة التي حصلوا عليها اثناء الحرب المتبادلة معهم في الفترة من 1983 حتي 2005 . وقال انه لا توجد اي صفقات سلاح من اي دولة للجنوب لان ذلك ليس من اولويات حكومة الجنوب حاليا، فهم يبحثون عن الدولة التي تدعم الطعام والشراب والدواء والتعليم باعتبار ان ذلك اساس الحياة. وقال روبن ان ما ينقصهم في الجنوب هو تدريب الجيش حيث لديهم ترسانة كبيرة من الاسلحة، وعليه تقوم بعض الدول الافريقية والعربية وامريكا بتدريب الجيش في معسكرات الجنوب لاعداد جيش نظامي وفقا للمواثيق الدولية بعيدا عن اسلوب التسلح والتمرد. وحول صفقات السلاح مع اسرائيل وبعض الدول الاوروبية مثل روسيا، قال روبن انهم لو ارادوا الاتصال بروسيا سيكون ذلك بشكل مباشر وليس عن طريق اسرائيل، والدليل انه في حالة الانفصال سيتم افتتاح سفارة للجنوب في روسيا في اقرب وقت. واشار الي ان اسرائيل تريد ابعاد الجنوب عن المحيط العربي والاسرائيلي بترويج اخبار بان هناك دعما اسرائيليا وعلاقات قوية معهم بما يثير انتقادات الدول العربية والاسلامية التي علي خصومة مع اسرائيل، مؤكدا انهم حريصون علي العلاقة مع الدول العربية.