بدأت المنافسة مبكرا بين المرشحين علي مقاعد مجلسي الشعب والشوري لأول برلمان بعد أحداث ثورة 25 يناير، ولكن هناك حالة من الارتباك والغموض تحيط بالشارع السياسي حول طبيعة هذا البرلمان خاصة في ظل تطبيق نظام القوائم النسبية إلي جانب الفردي، الأمر الذي يتطلب معه تمعنا في الاختيار سواء فيما بين القوائم بعضها وبعض أو علي مقاعد الفردي، حاولت «الأهالي» إجراء تأمل وقراءة سريعة لطبيعة البرلمان القادم وحجم كل من القوائم المرشحة وهل هذا الحجم يعكس وجودا حقيقيا لكل منه أم وجودا مبالغا فيه أم أنه ضعف واضح قد يظهر أكثر أمام الفردي.. كلها أسئلة وجدنا ردودا عليها خلال السطور التالية. ويري دكتور «عمرو هاشم ربيع» الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام والمتخصص في الشئون البرلمانية أن مجلس الشعب القادم سيكون مفتت القوي بحيث يشمل كل الأحزاب الجديدة والقديمة معا وهو ما سيجعل هناك صعوبة في تشكيل حكومة في حالة صدق اللواء «ممدوح شاهين» عن أن رئيس الحكومة لن يكون من أعضاء البرلمان. ويتوقع «ربيع» أن النسب التي ستظهر في البرلمان القادم لمختلف القوي والأحزاب ستكون عبارة عن 25% للإخوان المسلمين، 10% للسلفيين ومعهم الجماعات الإسلامية بالإضافة إلي 10% وفد أما ال 45% الباقية فسوف يتم توزيعها بين الأحزاب والقوي الأخري المتواجدة علي الساحة السياسية. ويؤكد «ربيع» أن برلمانا بهذا الشكل المفتت لن يعطي نتيجة إيجابية للعلاقة مع الحكومة فسوف يصبح معوقا لها أكثر من مساعد فيما يخص التشريع موضحا أن التصريحات المتناثرة من بعض القوي حول حصولها علي أكثر من 70% من مقاعد البرلمان القادم وبالتحديد الإخوان ليس شرطا أن تكون عاكسة لحجم هذه القوي الحقيقية فالتكتل صاحب القائمة الأفضل لن يتم اختياره وسيظل الصراع قائما في ظل الاختلافات الواضحة بين مرشحي كل قائمة أنفسهم وهو ما يدل علي وجود تفتت إضافي داخلي! أما عن المنافسة علي مقاعد الفردي فيري «ربيع» أنها الأكثر شراسة حتي وإن كان نصابها القانوني معروفا ب 166 مقعدا فقط مشيرا إلي أن الأمر كله في النهاية سيفرز برلمانا ذا طابع جديد ليس الذي اعتدنا عليه من خلال «برلمان الأغلبية الكاسحة» وهو ما سينعكس بالطبع علي التشريع والرقابة باعتبارها المهام الأساسية له. التيار الإسلامي فيما يؤكد «توحيد البنهاوي» أمين مساعد الحزب الناصري أن البرلمان القادم سيعبر عن وجهة نظر سياسية واحدة فقط وهي التيار الإسلامي السياسي معتبرا أنه لا توجد أي منافسة حقيقية بين القوائم المرشحة وهو ما يجعل البرلمان القادم غير معبر عن اتجاهات الشارع المصري بعد الثورة. وأوضح «البنهاوي» أن الأحزاب الجديدة مازالت في مرحلة البناء ولم يعرفها الشعب جيدا بينما انهمكت الأحزاب القديمة في الحصار الذي كان مفروضا عليها وأضاعت وقتا طويلا في تكوين التحالفات بما لا يجدي حاليا والحزب الناصري واحد من هذه الأحزاب فقد استمر في التحالف الديمقراطي لفترة طويلة وعندما بدأت مسألة توزيع المقاعد والقوائم ظهرت الاختلافات وانسحبت في آخر لحظة. نفس الوضع حدث في الكتلة المصرية، الأمر الذي أضاع وقتا كان من الأهم استغلاله في صياغة العلاقات الجماهيرية في حين نجد أن الإخوان فقط هم الأكثر تنظيما الآن والأكثر تمويلا ورغم كل ذلك فوزهم لا يعبر عن تطلعات الشارع المصري. وأشار «البنهاوي» إلي أن الحجم الحقيقي للإخوان المسلمين في الشارع واضح في رفضهم وعدم وجود قبول لهم ولكن ما حدث هو أن الناس وضعوهم في نفس مكانة الحزب الوطني المنحل خاصة وهم يسيرون علي نفس النهج في سياسة الاستحواذ والاستيلاء علي أغلبية المقاعد وترك الفتات للآخرين وهو ما سينعكس علي المنافسة علي مقاعد الفردي والتي ستكون من نصيب باقي أعضاء الجماعة بالتقاسم مع فلول «المنحل» خاصة في ظل اتساع الدوائر الانتخابية الأمر الذي يتطلب إمكانيات مادية كبيرة وقدرة عالية علي الحشد الجماهيري لا يملكلها سواهم وسيكون الاعتماد الأكبر هنا علي تفتيت الأصوات وظهور دور العصبيات والقبائل. المرحلة الانتقالية أما الخبير الاستراتيجي دكتور «هاني رسلان» رئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي فيقول إنه في الأغلب سيكون لفصائل التيار الإسلامي القدر الأكبر باعتبارهم الأكبر حجما فقط، ومع مراعاة أنه لن يكون لأي فصيل القدرة علي تكوين حكومة بشكل منفرد، لذلك سنحتاج إلي بناء ائتلافات، الأمر الذي سيعلم القوي السياسية أن يصبح لديها القدر الأكبر من المرونة وتقديم التنازلات علي عكس الفترات السابقة للانتخابات بالإضافة إلي أن المرحلة الانتقالية التي نمر بها ذات طابع ظرفي موضحا أن استكمال خطوة الانتخابات بنجاح هي في حد ذاتها شيء مهم. وأكد «رسلان» أن مرحلة ما بعد الانتخابات ستكون أفضل من الآن إلا إذا حدث ما يجعل هناك سيولة تضع مصر علي أبواب فوضي أمنية. أما عن واقع القوائم المرشحة وحجم كل منها فيري أن التنبؤ بذلك أمر صعب ربما تكون هناك مفاجأة وما يعلن حاليا مجرد دعاية انتخابية فقط لا يجب الوقوف عندها فكلها مجرد محاولات للتعبئة خاصة الجزء المتعلق بالمقاعد الفردية في الدوائر المتسعة داخل المدن الكبري والتي تفتقد مساندة القوي السياسية والاجتماعية بما يظهر التكتلات العائلية. فرقعة إعلامية فيما تتفق في الرأي «مارجريت عاذر» عضو الهيئة العليا لحزب الوفد مع دكتور «هاني» في أن البرلمان لن تكون الأغلبية فيه لأي طرف مشيرة إلي أنه سيضم التيارين الإسلامي والليبرالي معا مع اختلاف النسب حيث سيحصل التيار الإسلامي فيما يتراوح بين 20، 25% شاملا الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية بينما سيحصل الوفد علي 15، 20% ويوزع الباقي بنسب 10، 5، 3% علي مختلف الأحزاب الأخري وهو ما يؤكد أن البرلمان القادم سيفتقد الأغلبية. وتري «مارجريت» أن التخوف المستمر من التيار الإسلامي وتصريحاته الخاصة باكتساح البرلمان مجرد «فرقعة إعلامية» مبشرة أنه سيحصل علي كتلته وحجمه الحقيقي في الشارع المصري خاصة أن الكتلة الصامتة سيكون لها دور علاوة علي أن المصريين بطبيعتهم يميلون للوسطية في كل شيء وهم متدينون أيضا بطبيعتهم ولا يحتاجون من يفرض عليهم التدين بهذا الشكل لذلك فإن قوي الإخوان والجماعات الإسلامية عامة مبالغ فيها جدا ومرفوضة من قطاعات مختلفة في الدولة كالسياحة والقطاع المصرفي وهما سيؤثران في التصويت. مناطق رمادية ويشير أستاذ «نبيل عبدالفتاح» مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية إلي وجود مناطق رمادية داخل البرلمان القادم رغم محاولات السيطرة من التشكيلات الجديدة والقديمة تتمثل في غموض بعض توجهات الكتل التصويتية التي يمكن أن تؤثر علي شكل هذه الخريطة ونتائج العملية الانتخابية القادمة، خاصة أن هذه الكتل تعاني من تناقضات داخلية فيما بين مكوناتها الرئيسية، فكتلة الإخوان مثلا ثبت وجود تناقض وتنافس واختلاف في الواقع والرؤي بين مكوناتهم وبالتالي ما سيحدث في الحقيقة سوف يشير إلي أن هذه التحالفات تتسم بالهشاشة والضعف وغياب الثقة بين أطرافها. وأكد «عبدالفتاح» أن النتائج قد تؤدي إلي المزيد من التشرذم بين هذه القوي وربما يأتي البرلمان وفق سيناريوهات ثلاثة، الأول هو شيء يعرف ب «التصويت العقابي» بين هذه القوي من الناخبين علي أساس أن بعض قادة الجماعات الإسلامية والسلفيين والإخوان أصدروا تصريحات صاخبة تنطوي علي تهديد لأنماط الحياة والتقاليد المصرية وبالتالي أصبحوا يشكلون نزعة خروج علي تقاليد الدولة وهو ما قد ينعكس علي تصويت عقابي للعناصر المشاركة في هذا التحالف. أما السيناريو الثاني وهو ما يؤدي إلي السياق العام حيث الأوضاع في تونس والتأثير علي التصويت بحصول حزب النهضة الإسلامي علي الأغلبية هناك الأمر الذي قد يؤثر علينا ويعرض البلاد لبعض المشكلات الاقتصادية ومنها هروب الرأسمال المصري والإقليمي والدولي من مصر خشية سياسات هذا التحالف الإسلامي في البرلمان القادم. وأخيرا سيناريو انتشار العنف والرشاوي الانتخابية بحيث يؤدي لسقوط العديد من الضحايا علي نحو يصل بنا إلي إلغاء الانتخابات وتأجيلها ولكن المؤكد هو عدم الحسم القاطع لأي من هذه السيناريوهات وما سوف يحدث في المرحلة القادمة في ظل حالة التشويش والصراع بين القوي السياسية. وأشار «عبدالفتاح» إلي وجود نوع من الغطرسة لدي بعض القوي السياسية وإحساس مبالغ فيه بالقوة وتحديدا التيار الإسلامي وعدم دقة ما يردده عن قدرته علي حسم الصراع السياسي في البلاد لصالحه خاصة في ظل النظام الانتخابي المختلط الذي يجعل المعركة تدور حول الحدود والنسب التي سيحصل عليها كل طرف.