نالت المرأة قدرا من الحرية في فترة السبعينات، وأصبحت واعية بنظام السلطة والحروب والنكسات وحملت عبء قضاياها السياسية التي لن تنفصل عن قضاياها الاجتماعية والنفسية والجسدية، فعبرت عن مواقفها تجاه ما يحدث حولها، اختارت الروائية المرأة محورا رئيسيا، وقدمت للقارئ بطولتها وصراعها مع الواقع وعلاقتها مع الآخرين. جاء إبداعها نابعا من صدقها الفني حاملا نبضات الحياة العاطفية وتفاعلت الروائية مع عالم الرواية الذي تمرد فيه الأدباء علي الرواية التقليدية، تمثل رواية «صندوق صغير في القلب» للأديبة ابتهال سالم صدرت عن كتابات جديدة، صورت فيها واقع الوطن العربي في فترة السبعينيات، تعرضت المرأة في هذا الواقع للقهر وفقدان الذات وضياع الأحلام وانهيار الطموحات فغرقت المرأة في الناهية في غياهب الإحباط واليأس، اختارت الكاتبة العناوين الآتية في الرواية: الحي القديم - الرحيل - الحنين، تحفل ذاكرة البطلة مريم بمعالم الحي القديم وهي تعيش في بيت يقطن فيه العديد من الأجناس الذين يعتنقون ديانات سماوية متعددة، تربطهم علاقات حميمة أحبت مريم سعيد رفيقها منذ صغره، وشاركت في المظاهرات التي اندلعت في مصر بسبب ارتفاع الأسعار. إثبات الذات حصلت مريم علي ليسانس الآداب قسم الفلسفة عام 1974 فشلت مريم في الحصول علي وظيفة في مصر تثبت بها ذاتها أمام المجتمع، فقد تغيرت الحياة المادية والاجتماعية في هذه الفترة، وشجع الانفتاح الاقتصادي الهجرة لبلاد النفط والعودة منها بأموال طائلة وبضائع أجنبية، فركدت البضائع المصرية في السوق، لم يكن أمام مريم إلا السفر إلي العراق، والتقت هناك عزيز أمين الفلسطيني الذي اهتم بها اهتماما بالغا بعد أن قرأ الرسالة التي حملتها له من شهاب صديقه المصري اصطدمت مريم بالواقع العراقي الأدهي والأمر من الواقع المصري، فهناك ترعب الأحكام العسكرية الشعب العراقي، والخوف يملأ عيونهم من ديكتاتورية الحاكم، لم تعثر مريم علي عمل لأنها رفضت أن توقع علي استمارة عضوية في الحزب الحاكم لكنها استطاعت أن تعثر علي عمل صحفية في جريدة، التقت مريم مجموعة من المثقفين اللاجئين السياسيين، استطاعوا أن ينشئوا الحزب الوطني الفلسطيني الديمقراطي، وهم من مختلف البلدان العربية جمعتهم جميعا مقاومة العدو الصهيوني من أجل استرداد فلسطين العربية، عادت مريم إلي مصر، اجتاحها الشيب، وفقدت الآمال والطموحات، جاءت الرواية علي لسان المخاطب فالبطلة مريم تشعر بالوحدة والعزلة، والرواية علي شكل دائرة تنتهي عند نقطة البداية، تنأي البطلة مريم عن أطراف الدائرة المفعمة بمرارة الواقع واتجهت نحو مركزها حيث السكون وفرصة التأمل، انتقت الكاتبة عنوانا مناسبا «صندوق صغير في القلب» يرمز إلي الحضارة العربية فالصندوق نكرة للعموم وشمول حضارات الأمة العربية، يحتوي علي مختلف ألوان الحضارة العربية وصغر الصندوق يوحي بشدة ارتباطه بالبطلة، ولما كان القلب مصدرا للعواطف الجياشة جعلته في القلب، استخدمت الكاتبة الانحراف الزمني الذي يفتت الأحداث في الرواية مثل الاسترجاع ومناجاة النفس والمونتاج السينمائي، فاختفي الترتيب المنطقي لأحداث مما أدي إلي شيوع الغموض وحضور الجو المناسب لإيضاح الرواية «آه يا عم شارلي كيف تحولت إلي ترس في عجلة لا تكف عن الدوران، هل كنت تتنبأ بما سيحدث الآن، وهل أضحينا جميعا تروسا في آلات طاغية لا تعرف الرحمة، وهل ستظل تدور بنا؟ قل لي بالله عليك يا عم شارلي متي تكف عن الدوران؟» وعبر المونتاج تري الفار جيري كيف استطاع توريط القط توم، وتوم لا يتعلم في فيلم الكرتون وهذا رمز لصعود الطبقات الفقيرة وتحكمها من الطبقات التي كانت تعلوها، أسقطت الكاتبة العوالم الداخلية للشخصيات علي الزمان والمكان، ووظفت الوصف في خدمة الحدث توظيفا ساعد علي تطور شخصيات الرواية ونمو الصراع الدرامي، أسقطت الحالة الوجدانية علي الأزمنة فتلونت الأزمنة بهذه الحالة. الوصف الحسي تعاملت الكاتبة معاملة دقيقة في الوصف الحسي وأبرزت دوره في إثراء محتوي الرواية فوصفت عزيز أمين وصفا حسيا جاء في خدمة المحتوي فهو قمحي اللون، متوسط القامة، ذو شعر فاتح، عيناه بندقيتان وهذا الوصف يجذب انتباه مريم ويتفاعل الوصف مع ظروف مقاومة إسرائيل، ركزت الكاتبة علي العوامل الداخلية للشخصيات وقدمتها للقارئ لأن العوامل الداخلية تعالج قضايا تكمن إشكاليتها فيها، يكشف الحوار عن التضاريس النفسية للشخصيات فعزيز أمين يموج عالمه الداخلي بالثورة بسبب إحساسه بالقهر من قبل العدو الإسرائيلي، وتوقفه عن الحكي فجأة أمام مريم لأنه تذكر يوم اشتداد القصف وفقدان الأب والأخ ورحيله مع أمه وأخته إلي الحدود الأردنية، وقد اعتادت النوبة أن تجتاح مروان بأنه لايزال يتجرع مرارة الحزن علي فقدان أولاده، تقع مريم فريسة للهواجس والكوابيس بسبب سيطرة الإحباط واليأس عليها بعد مرور سنوات من عمرها وزحف الشيب عليها، صورت الكاتبة الواقع العراقي فجاءت بالشيعة الذين يرتدون السواد وهم يبكون من شدة الندم علي قتل الحسين - رضي الله عنه - في كربلاء وكذلك قدمت الكاتبة للقارئ السنة الذين يرتدون البياض.