أغلق باب الترشيح لانتخابات مجلسي «الشعب» و«الشوري» أمس الأول الاثنين، وأصبحت أسماء الذين سيخوضون الانتخابات علي المقاعد الفردية لمجلس الشعب (166 مقعدا) واتجاهاتهم، وتركيب القوائم الحزبية أو الائتلافية بين أكثر من حزب، وأسماء المرشحين واتجاهاتهم متاحة للجميع، وهناك شبه اتفاق بين المتابعين لهذه الانتخابات علي أن المجلس القادم نتيجة هذه الانتخابات سيشهد عودة لم تكن متوقعة لفلول الحزب الوطني ومعهم جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي الإسلامي، بينما تغيب قوي الثورة ممثلة في شباب 25 يناير والأحزاب والقوي السياسية الديمقراطية ويتقزم وجودها داخل المجلس ويصيبها التشرذم والانقسامات. وكانت الصورة منذ عدة أشهر مختلفة وتدعو للتفاؤل، فبمبادرة من حزب الوفد وجماعة الإخوان المسلمين التقي ممثلوا 12 حزبا وجماعة «حزب الوفد - حزب الحرية والعدالة - حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي - حزب العمل - الحزب الناصري - حزب الكرامة - حزب الغد - حزب الوسط - الجمعية الوطنية للتغيير - حزب العدل - حزب مصر الحرية - حزب التوحيد العربي» يوم الثلاثاء 14 يونيو تحت عنوان «نحو تحالف انتخابي من أجل مصر»، وناقش الاجتماع تشكيل لجنة لإنجاز مشروع قانون انتخابات مجلس الشعب، ولجنة ثانية لدراسة التنسيق الانتخابي، ومناقشة مشروع وثيقة تحمل عنوان «مبادرة التحالف الوطني من أجل حكومة وحدة وطنية» وبناء علي اقتراح ممثلي حزب التجمع تم تغيير عنوان اللقاء إلي «التحالف الديمقراطي من أجل مصر»، وانضمت في الاجتماع الثاني للتحالف أحزاب أخري أهمها حزب الجبهة الديمقراطية وحزب الجيل وحزب النور وحزب الحضارة وحزب مصر العربي الاشتراكي، وعلق د. عمرو هاشم ربيع رئيس برنامج التحول الديمقراطي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاشتراكية علي ظهور هذا التحالف قائلا: «التحالف الجديد بين الأحزاب والقوي السياسية المصرية يعد أمرا محمودا.. والتحالف بين القوي المدنية والقوي ذات الطابع الديني سيؤدي في نهاية المطاف إلي جذب الأخيرة نحو الدولة المدنية، والتحالف سيسهم بشكل كبير في توفير الأرضية المناسبة لتكوين قوائم موحدة في الانتخابات البرلمانية المقبلة والتي سيكون هدفها منع فلول الحزب الوطني من أركان النظام السابق من المشاركة في الانتخابات». ولم يستمر هذا التحالف علي نفس صورته الجامعة الشاملة طويلا. فانسحب التجمع بعد المليونية التي دعا إليها الإخوان المسلمين ورفعوا شعار الدولة الإسلامية «الدولة الدينية» وهتفوا «يا أوباما يا أوباما.. كلنا هنا أسامة» في إشارة لأسامة بن لادن، وقال أمين عام حزب الحرية والعدالة الإخواني إن المعتصمين في ميدان التحرير خارجون عن الإجماع الوطني، ورفعوا أعلام المملكة العربية السعودية، وهتفوا أيضا «يا مشير يا مشير عايزينك إنت الأمير»، وكانت «جمعة لم الشمل» كما أطلقوا عليها قد عقدت يوم 19 يوليو 2011. وتلي ذلك انسحاب حزب الجبهة الديمقراطية. وبادر حزبا التجمع والجبهة مع 12 حزبا سياسيا مدنيا إلي تشكيل «الكتلة المصرية» والإعلان عنها في منتصف شهر أغسطس وعزمها خوض الانتخابات بقوائم مشتركة، وكانت الأحزاب المكونة لها هي «التجمع، الجبهة، المصريين الأحرار، المصري الديمقراطي الاجتماعي، التحالف الشعبي الاشتراكي، الحزب الشيوعي، مصر الحرية، الوعي، الاشتراكي المصري، التحرير الصوفي، المجلس الوطني، الجمعية الوطنية للتغيير، نقابة العمال المستقلة، نقابة الفلاحين المستقلة، اتحاد الفلاحين المستقل». ثم أعلن حزب الوفد انسحابه من التحالف الديمقراطي وخوضه الانتخابات بقوائم خاصة به، وتلاه انسحاب أحزاب «إسلامية» ليتقلص التحالف إلي جماعة الإخوان المسلمين وعدد من الأحزاب الصغيرة والشخصيات المتعلقة بذيل الجماعة. ولم ينقض وقت طويل حتي تعرض حزب الوفد لموجة من الاحتجاجات والاستقالات من لجان الحزب في الغربية والشرقية والقليوبية وأسيوط وبني سويف والدقهلية، نتيجة ترشيح عدد من كوادر الحزب الوطني علي قوائم حزب الوفد في انتخابات مجلس الشعب، بل وعلي رأس هذه القوائم، ورغم نفي د. سيد البدوي رئيس الحزب وفؤاد بدراوي سكرتير عام الحزب وجود كوادر وقيادات الحزب الوطني علي قوائم حزب الوفد، فإن الأمر اتضح عندما شرح بدراوي قرار اللجنة العليا لحزب الوفد مؤكدا أنه «يحظر ترشيح أمناء الوطني المنحل وأعضاء الأمانة العامة للحزب وأعضاء لجنة السياسات فقط» وبالتالي فلا يشمل مرشحيه لمجلس الشعب 2010 أو الذين تقدموا للمجمع الانتخابي الخاص بمجلس الشعب! وتعرضت الكتلة المصرية للمشكلة نفسها ، وبدأت بانسحاب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي عندما تمسكت الكتلة بأن أعضاء الحزب الوطني الذين تقدموا للمجمعات الانتخابية للحزب الوطني ولم يتم ترشيحهم من الحزب لا ينطبق عليهم قرار الحظر وليسوا من الفلول، وكان الحزب الشيوعي قد انسحب من الكتلة وأعلن مقاطعته الانتخابات وتلاه انسحاب أحزاب أخري كمصر الحرية، لتتقلص الكتلة لثلاثة أحزاب هي «المصريين الأحرار، المصري الديمقراطي الاجتماعي، التجمع»، ويفاجأ حزب التجمع باستيلاء حزبي المصريين الأحرار والديمقراطي الاجتماعي علي القوائم والاكتفاء بترشيح 14 فقط من حزب التجمع علي قوائم الكتلة (332 مرشحا) بنسبة 21.4% ثم يتبين أن غالبية المرشحين علي قوائم الكتلة من قيادات وكوادر الوطني خاصة المنتمين لحزب المصريين الأحرار، ليعلن عدد من لجان حزب التجمع في المحافظات مثل البحيرة وأسيوط وسوهاج.. إلخ عدم مشاركتها ورفضها قوائم الكتلة بسبب «الفلول». وقام «الفلول» بتشكيل ثمانية أحزاب جديدة لخوض الانتخابات، وترشح آلاف من أبرز قيادات وكوادر الحزب الوطني علي المقاعد الفردية - كمستقلين - مستندين إلي العائلات والعشائر والقبائل وإمكاناتهم المالية الهائلة وقدرتهم علي ممارسة العنف والبلطجة والخدمات التي قدموها لدوائرهم في ظل هيمنة الحزب الوطني علي السلطة. وفي ظل هذه الصورة يصبح صحيحا القول بأن البرلمان القادم - إذا تمت الانتخابات في موعدها - هو برلمان «الفلول» وجماعات الإسلام السياسي خاصة «الإخوان المسلمين»، وتشرذم القوي المدافعة عن الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، أي قوي الثورة.