«ساد الظن خطأ بأن الكاريكاتير تعليق يومي علي حدث ما يفقد جانبا من حضوره حين يبرد هذا الحدث، تلك فكرة ثبت خطؤها إذ لم يعد «الكاريكاتيرست» مجرد رسام بل أصبحنا أمام الفنان الموقف» بهذه الكلمات وصف الكاتب صلاح عيسي فن الكاريكاتير ورسام الكاريكاتير في مقدمة كتاب الأهالي والكتاب بعنوان «حكومة وأهالي وخلافه» الصادر عن سلسلة كتاب الأهالي، ضم رسومات للفنان للفنان بهجت عثمان. فقد شارك هذا الفن المشاكس عبر التاريخ في صناعة الثورات وظل سلاحا يهدد استقرار الأنظمة المستبدة أكثر من أي سلاح آخر، لقد قتل ناجي العلي ودفع حياته في أغسطس 1987 نتيجة نضاله بالكاريكاتير من أجل القضية الفلسطينية، ومؤخرا قام النظام السوري بتحطيم أصابع الفنان السوري علي فرازات لقد اعتبروا رسومات فرازات سلاحا يهدد استقرارهم،رسم فرازات يهاجم النظام السوري الذي يضم كل أقارب الرئيس بشار الأسد فرسم كرسي تخرج منه مجموعة كراسي علي كل منها كتب درجة قرابة ابن العم، الأخ.. وهكذا. وصور فرازات أحد مطارات سوريا حيث يقوم الضابط بتفتيش رأس أحد المسافرين بدلا من حقيبته وسخر فرازات من إصلاحات بشار الأسد وادعائه بإلغاء حالة الطوارئ ورسم النظام يطعن مواطنا مكمما بخنجر وعنوان القمع في ظل حالة الطوارئ وتحت عنوان «الحرية في ظل إلغاء حالة الطوارئ» رسم نفس النظام وهو يطعن نفس المواطن ولكنه غير مكمم ويصرخ وبعد الاعتداء عليه رسم نفسه معلقا وقد قطعت أطرافه وعلي جانب الرسم جندي من النظام السوري يشاهد فيلما رومانسيا في التلفاز ويبكي أمامه.. وفي مصر صنع نضال فناني الكاريكاتير ثورة 25 يناير فصلاح جاهين وبهجت عثمان وحجازي وغيرهم وبالطبع الجيل الحالي شاركوا في صناعة الثورة. ظل الكاريكاتير سلاحا بعد الثورة فظهرت عدة مطبوعات وصحف إلكترونية وأقيمت العديد من المعارض جمعها جميعا نفس الموضوع وهو ثورة يناير، ومن معارض ما بعد الثوررة معرض بساقية الصاوي شارك فيه أكثر من 60 فنانا تحت إشراف الجمعية المصرية للكاريكاتير، كما أصدرت نقابة الصحفيين في أغسطس الماضي كتيبا يشرح مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالكاريكاتير أشرف عليه الفنان طوغان جاء غلاف الكتيب يصور الحرية بإنسان يطير فوق الأهرامات وبرج القاهرة وفوق ذراعيه جناحان مكتوب علي الأول حقوق وعلي الثاني واجبات. وأقيم معرض تحت عنوان «كسرنا الحواجز» للفنان خضر حسن ضم رسومات أبيض وأسود عن الثورة. وأقام الفنان نبيل صادق معرضا بنقابة الصحفيين عقب الثورة يقول عنه ضم المعرض رسومات ما قبل وما بعد الثورة ويري الصادق أن الموضوعات متشابهة فمازالت قضايا الفساد والعدالة الاجتماعية والتعليم وحقوق الإنسان موجودة وتستحق النضال والرسم عنها. الصحف بعد الثورة أما عن اختلاف الصحف بعد الثورة فقد نشرت العديد من الصحف صفحات كاملة للكاريكاتير مثل جريدة المصري اليوم التي تناولت ذلك بشكل دوري كل أسبوع ومن الصفحات صفحة للفنان جورج البهجوري رسم فيها نفسه وهو شاب في العشرين في ثورة 1952 وشاب في الثمانين في 25 يناير، وفي صفحة أخري تخيل فنانو المصري اليوم ماذا لو لم تنجح الثورة. وقام الفنان عمرو سليم بحملة ضد صفوت الشريف وفتحي سرور وزكريا عزمي قبل محاكمتهم في جريدة المصري اليوم أيضا. ونشرت الأخبار في الشهر الماضي صفحة عن الكاريكاتير للفنان مصطفي حسين ولم تنشر الجريدة هذه المساحة للكاريكاتير منذ فترة طويلة وعن السياسة التحريرية للصحف القومية تجاه الكاريكاتير يقول الفنان هاني شمس إنه لم يكن مسموحا قبل الثورة الاقتراب من مؤسسة الرئاسة في حين تمتعت الصحف بالحرية لفترة بعد الثورة تبعها بعد ذلك قيود حيث بدأت تتعامل الصحف مع المجلس العسكري كما كانت تتعامل مع الرئيس السابق. افتتح الفنان طوغان السبت الماضي بقاعات جمعية محبي الفنون معرضا للكاريكاتير تحت عنوان «الثورة والكاريكاتير» احتفالا بذكري انتصارات أكتوبر يضم أكثر من خمسين رساما يعرضون أكثر من 400 لوحة. ولأول مرة يرسم فنان برازيلي معني بالشأن المصري رسومات عن الثورة المصرية وينتقد النظام السابق هو كارلوس لانوف الرسام البرازيلي ومن أعمال لانوف رسم خالد سعيد وكتب علي ملابسه 25 يناير ويمسك بيده الرئيس السابق الذي يظهر بحجم صغير جدا في يد خالد سعيد. مدنية الدولة دافع فنانو الكاريكاتير عن مدنية الدولة موجهين نقدا شديدا للجماعات الإسلامية والسلفية في حين اعتبرت هذه الجماعات هذه الرسوم إهانة للدين الإسلامي فأقام أحدهم دعوي قضائية ضد مصطفي حسين وأحمد رجب عن رسمه في الأخبار صور فيها حسين شخصا ملتحيا ومعه امرأة وأمامه شيشة في توضيح إلي أن اللحية ليست معيارا للفضيلة في حين اعتبره السلفيون إهانة موجهة للإسلام، ويري هاني شمس أن الحل يأتي في مدنية الدولة فهذا سوف يضمن حقوق فنان الكاريكاتير وحمايته. عادت مجلة كاريكاتير التي تصدرها الجمعية المصرية للكاريكاتير للصدور بعد الثورة وكانت قد توقفت قبلها بالإضافة لمجلة «توك توك» التي يصدرها مجموعة من الفنانين الشباب هم مخلوف وأنديل وشناوي وعبدالله الذي يقول إن «توك توك» تصدر بمجهودنا الشخصي ولا نتقاضي في المقابل أي أجر وقد صدر منها ثلاثة أعداد الأول قبل الثورة بأيام ثم عددان بعد الثورة وتضم المجلة رسومات «كومكس» فقط. مستقبل الكاريكاتير لا يعني رواج الصحافة رواجا في الكاريكاتير بالضرورة هكذا يقول هاني شمس حيث يري أن المسألة مرتبطة بالقائمين علي الصحافة ومدي إيمانهم بأهمية الكاريكاتير في حين يري عبدالله أن الصحافة والكاريكاتير متلازمان وأن ازدهار الكاريكاتير مرتبط بالضرورة بالصحافة. وعن مستقبل الكاريكاتير تري الفنانة الشابة سماح فاروق الرسامة بجريدة المسائية أن الحرية كانت لفترة ما بعد الثورة ثم تراجعت وتخشي سماح علي مستقبل الكاريكاتير في ظل الاستمرار في قمع الحريات وفرض حالة الطوارئ ومصادرة بعض الصحف ويتمني نبيل صادق أن تهتم الصحف مستقبلا بالفنان فتراجع الكاريكاتير سببه المؤسسات الصحفية وليس الرسام. ويري هاني شمس أن مزيداً من الحريات سيحقق تطورا كبيرا في مجال الكاريكاتير. قد يختلف الكثيرون حول مستقبل الكاريكاتير في السنوات القادمة ولكن لا أحد ينكر أن تطورا ملحوظا شهده هذا الفن في الشهور القليلة منذ اندلاع الثورة ما بين مواقع وصحف كلها حملت رسومات ذات طابع ثوري يؤرخ لثورة يناير ويحلم بمصر مدنية ديمقراطية.