"العريف" و"عبدالعظيم" يهنئان الطفلة الفائزة فى مسابقة الأزهري الصغير بشمال سيناء    تراجع ثقة المستهلكين في أمريكا إلى أقل مستوياتها منذ يوليو 2022    منصة أبشر توفر مهلة إضافية لتسديد المخالفات المرورية بالمملكة السعودية    الفيضانات تقتل أكثر من 300 شخص في شرق أفريقيا مع استمرار هطول الأمطار    قائمة بيراميدز لمواجهة إنبي في الدوري    إخماد حريق شقة سكنية بمنطقة أبو النمرس    انتشال جثة شاب غرق في مياه النيل بمنطقة أطفيح    جنات تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «بنعيش مع ناس»    على طريقته الخاصة.. باسم سمرة يمازح أحمد السقا    المنتج محمد العدل يطالب الوثائقية بتوفير عروض للأفلام القصيرة    وزير النقل يبحث مع رئيس الوكالة الفرنسية للتنمية التعاون في تطوير البنية الأساسية للسكك الحديدية والجر الكهربائي    لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا.. هل يسبب متلازمة جديدة لمن حصل عليه؟ أستاذ أوبئة يجيب    طريقة عمل عصير ليمون بالنعناع.. يروي عطش الحر وينعش القلب    الأهلي يهزم الجزيرة في مباراة مثيرة ويتأهل لنهائي كأس مصر للسلة    ستبقى بالدرجة الثانية.. أندية تاريخية لن تشاهدها الموسم المقبل في الدوريات الخمسة الكبرى    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    «التعليم» تحدد موعد امتحانات نهاية العام للطلاب المصريين في الخارج 2024    إعلام عبري: حزب الله هاجم بالصواريخ بلدة بشمال إسرائيل    لوقف النار في غزة.. محتجون يقاطعون جلسة بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    هيئة سلامة الغذاء تقدم نصائح لشراء الأسماك المملحة.. والطرق الآمنة لتناولها في شم النسيم    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    مدبولي: العلاقات السياسية بين مصر وبيلاروسيا تسهم في دعم التعاون الاقتصادي    دورتموند يستعيد نجوم الفريق قبل مواجهة سان جيرمان بدوري الأبطال    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    كراسي وأحذية وسلاسل بشرية.. طرق غير تقليدية لدعم فلسطين حول العالم    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذگري انتصار أگتوبرشهادة مجند عن الأيام الأخيرة في الحرب
نشر في الأهالي يوم 05 - 10 - 2011


خللي السلاح صاحي.. صاحي
اخترنا عنوانا لهذه الشهادة «خلي السلاح صاحي» لأننا استشعرنا قلق الشعب المصري من سرقة الثورة ، وهو يستدعي النصر المجيد في حرب أكتوبر الذي جرت سرقته أيضا.. ولكن الشعوب تتعلم من دروس تاريخيها.
تحل هذا اليوم السادس من أكتوبر الذكري الثامنة والثلاثون لواحدة من أعظم حروب التحرر المصري والعربي ضد العدو الصهيوني الذي ترعاه الامبريالية الأمريكية هي حرب أكتوبر وهي تأتي في ظروف جديدة فيها الانتصارات والتناقضات إذ يتعرض الربيع العربي وثورة 25 يناير علي نحو خاص لمخاطر كثيرة، وتستجمع نفسها وبشراسة قوي الثورة المضادة من فلول الحزب الوطني وبعض دوائر المال والأعمال التي راكمت الثروات في ظل الاستبداد والفساد لإجهاض نصر الشعب، ومع ذلك تتحصن الثورة بقوة الدفع الشعبية والشابة التي لن تسمح أبدا بالعودة إلي الوراء. وما أجمل ذكري الانتصار في زمن الحلقة الجديدة من الثورة الديمقراطية في مصر وهي تستعد للمرحلة الاجتماعية القادمة منها.
من الأخطاء الشائعة عن حرب اكتوبر أن هذه الحرب انتهت يوم 28 اكتوبر 1973، وكثيرة هي الكتابات التي تناولت الاستعداد لحرب أكتوبر المجيدة ثم معارك العبور وقليل منها هو الذي تناول الفترة الأخيرة من هذه الحرب والتي سبقت مباشرة التوصل لفك الاشتباك الأولي في 18 يناير 1974. وعن هذه الفترة الأخيرة أقدم شهادتي المتواضعة التالية عنها.
عندما وقعت الحرب كنت أخدم كجندي مؤهلات عليا في الكتيبة مشاة ميكانيكي رقم (242) والتي كانت تابعة للواء 114 ولم تكن كتيبتنا المتمركزة وقتئذ في منطقة الهايكستب ضمن كتائب المشاة الميكانيكي التي شاركت في العبور إذ كانت ضمن احتياطي الجيش الثالث، كما أوكلت إليها مهمة حماية مدخل القاهرة. وبعد أن حدثت ثغرة الدفرسوار يوم 16 أكتوبر بدأت الأخبار تصل عن تسلل الجنود الإسرائيليين داخل أراضينا فكانت مهمة كتيبتنا هي حماية طريق القاهرة- السويس لمنع هذا التسلل من خلال القيام بدوريات مراقبة للطريق بالعربات المدرعة، وكنا نضطر للمبيت في عرباتنا علي الطريق الصحراوي وتناوب الحراسة لأجل هذه المهمة، كما كنا نقوم بايقاف أي سيارة مارة في الطريق للتأكد من هويتها، وفي 22 أكتوبر وافق الرئيس السادات علي وقف إطلاق النار.
وفي ليلة 5 نوفمبر صدر الأمر لكتيبتنا بالتحرك إلي منطقة «الجفره» القريبة من السويس وأثناء ذلك صدر نداء من وزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل للقوات المسلحة بأن تكون علي حذر ويقظة واستعداد دائم رغم وقف إطلاق النار، وفي ذلك الوقت أيضا ظهرت أغنية «خللي السلاح صاحي».
كتيبة جزائرية
وبعد عشرة أيام في الجفره تحركنا مرة أخري إلي منطقة تسمي «أم كتيب» قريبة من «أبو سلطان» غرب البحيرات المرة، وكان من السهل أن نستنتج بعد ذلك أن سبب نقل كتيبتنا التي كانت ضمن احتياطي الجيش الثالث من المنطقة المركزية إلي الجبهة بعد أكثر من شهر من وقوع العبور هو ظهور الحاجة للاستعانة بقواتنا الاحتياطية لتعويض خسائر الثغرة، وقد أصبح هناك كما هو معروف تداخل بين قواتنا والقوات الإسرائيلية بعد الثغرة وكانت منطقة «أم كتيب» التي وصلناها هي إحدي تلك المناطق فهناك كان العدو الإسرائيلي يحتل منطقة في مواجهتنا علي بعد قريب منا، وكانت هناك قوات عسكرية من دولة الجزائر الشقيقة في المنطقة عند وصولنا، صدرت الأوامر بأن نحل محلها وأن تتحرك هي لتكون علي يمين قواتنا، ولعل في هذا ما يؤكد حجم معاونة الدول العربية الشقيقة لنا أثناء حرب أكتوبر والذي لم يقتصر فقط علي منع البترول عن أمريكا وأوروبا، وفي هذا السياق فإني أشهد أيضا بأني قابلت أثناء تحركاتنا السابقة بعض الجنود السودانيين وتحدثت مع اثنين منهم، ولعل في ذلك ما يرد علي دعاة قطع العلاقات مع أخواننا العرب بعد أن ساءت علاقتنا معهم بعد قرار السادات بزيارة القدس علي اعتبار أننا وحدنا في مصر الذين تحملوا عبء أربع حروب مع إسرائيل لصالح فلسطين.
المهم أن منطقة «أم كتيب» كانت عبارة عن واد كبير يعلوه جبل، وكان ارتفاع المنطقة كلها يجعلها شديدة البرودة في ذلك الشهر -ديسمبر- خاصة في الليل الذي كنا نقضي منه ست ساعات بالتناوب مع بعضنا في حراسة مواقعنا فيما سمي عسكريا ب «الخدمة» وكان لهذه الحراسة اهمية قصوي تفوق اهميتها فيما مضي من حراسات، كنا نقوم بها. فنحن الآن في مواجهة قوات إسرائيلية لا تبعد عنا كثيرا وبيننا وبينها أرض مكشوفة لا يفصلنا عنها أي مانع، وأخبار التسلل الإسرائيلي بعد الثغرة نسمع عنها بين الحين والآخر، وكان هذا التسلل محتملا ومتوقعا خاصة في الليالي المقمرة، ولذا كانت الأوامر المستديمة للحراسة الليلية أن تطلق النار فورا علي أي شبح مار من أمام موقعنا ليلا إذا لم يذكر كلمة (سر الليل) المتعارف عليها بيننا.
وكانت قوات كتيبتنا تحتل موقعا علي شكل نصف دائرة، وعلي عكس ما كان في حالة السلم أو في المنطقة المركزية كانت سرايا كتيبتنا- كما هي العادة في حالة الحرب في حالة انتشار علي نطاق واسع، أي يفصل بين كل سرية وأخري مسافة كبيرة، وبين فصائل كل سرية مسافات أخري اصغر وذلك لتقليل اي خسائر يمكن أن تقع بين الجنود، وربما لهذا السبب كان يحلو للقوات الإسرائيلية المواجهة لنا اطلاق بعض العيارات علينا أثناء تجمع فصائل كل سرية أمام عربة التعيين (العربة التي تحمل وجبات الطعام لكل سرية) وكان بكتيبتنا ثلاث سرايا مشاة تسليحها بندقية آلية وقلة منها ار بي جيه وبكل سرية عدد من الافراد من قائدي دبابات من طراز (توباز)، إلي جانب ذلك كانت توجد سرايا معاونة اذكر منها سرية "م. د" (مضادة للدبابات) وسرية "م.ط" (مضادة للطائرات) وكان تسليح إحداها مدفع رشاش من طراز (كارل جوستاف).
ولأن كتيبتنا كانت منتشرة انتشارا كبيرا علي شكل نصف دائرة فقد كانت هناك سرية من سرايا المشاة الثلاث في مقدمة نصف الدائرة وهي السرية التي حملت رقم 7 والتي كان بها زميلنا مجدي أحمد حسين قيادي حزب العمل بعد ذلك، ومن ثم كانت هي رأس الحربة الأقرب للعدو منا نحن أفراد السريتين الموجودتين علي الأجناب، وهكذا بينما كانت السريتان تقعان علي بعد كيلو مترين ونصف من العدو كانت السرية 7 أكثر قربا منا لذلك العدو، ومن ثم كان موقعها هو الأصعب وصمودها وبطولاتها هي الأبرز عندما بدأ القتال.
شجاعة جريح
وكانت عملية الانتشار الواسع لسرايا الكتيبة يعني وجود فراغات بين قواتنا مما جعلنا أكثر تخوفا من وقوع التسلل الإسرائيلي بين تلك الفراغات وأكثر حرصا علي تشديد الحراسة واليقظة التامة للعدو، وقد حدثت محاولة لأحد أفراد العدو الإسرائيلي للتسلل لموقعنا وتم اطلاق النار عليه وهرب بعد اصابته، وفي صباح اليوم التالي وجدت آثار دماء تدل علي تسلله واصابته ليلا. كما كانت هناك محاولات لمجموعة من افراد كتيبتنا للتسلل الي العدو ليلا للحصول علي معلومات عنه، وتم اطلاق النار علي المجموعة واستطاعت الفرار بعد أن اصيب احد افرادها من طلقة عشوائية وتحمل ألم الاصابة بصبر وشجاعة طوال طريق العودة للكتيبة دون أن يصدر أي آهة أو انه يمكن أن تكشف للعدو عن مكان مجموعته في الظلام الدامس من مصدر الصوت الصادر عنها.
أما العدو المواجه لنا علي بعد كيلو مترين ونصف تقريبا فقد كان يمكننا باستخدام نظارة الميدان المكبرة مشاهدة تحركات عرباته المدرعة والجيب ودباباته، كما كنا نستطيع من فوق التلال المرتفعة مشاهدة تلك الدبابات بصورة أوضح ومتابعة تحرك يومي لها مع غروب كل شمس متجهة للاختباء وراء أحد الجبال ثم متابعة عودتها مع فجر اليوم التالي من وراء الجبل إلي موقعها أمامه، بل كان يصلنا من بعيد صوت خافت لازيز تحرك تلك الدبابات العديدة، وعلي بعد اقرب من ذلك لا يزيد علي كيلو متر واحد من موقعنا كان يوجد تل في منتصف الطريق تقريبا. بيننا وبين القوات الإسرائيلية وكان للقوات الإسرائيلية عادة روتينية تدل علي شدة حرصها وتخوفها من قواتنا وهي قيام إحدي دباباتها بالدوران حول ذلك التل في الساعة الثامنة من صباح كل يوم للتأكد من عدم وجود كمين مصري لها خلف هذا التل، وتمشيا مع هذا الحرص والرغبة في معرفة معلومات عنا كانت قواتهم تطلق ليلا دانات مضيئة تحدث دويا وضوءا شديدين في الجو لا تسبب أي اصابات ولكنها تهدف إلي امرين: التخويف واضعاف الروح المعنوية لنا والثاني هو اضاءة موقعنا ليلا لعدة ثوان بين كل فترة وأخري لكشف ما يقع فيه.
امتنان الشعب
ولما كانت كتيبتنا المشاه الميكانيكي هي بحكم تسليحها (بنادق آلية ورشاشات وار بي جيه) لا يمكنها التعامل مع مدفعية العدو، لذا لم تمض أيام قليلة علي وصولنا إلي منطقة «أم كتيب» إلا وقد انضمت إلينا قوات مدفعية معاونة لنا احتلت موقعا خلفنا، كما تم تركيب صاروخ لاستخدامه عند الحاجة. وكنا قد وصلنا إلي أوائل ديسمبر، وهناك وقف لإطلاق النار قبلناه في 22 أكتوبر السابق وكانت الاجازات متوقفة منذ استدعاء الاحتياطي وإعلان حالة الطوارئ في أواخر سبتمبر 1973، وكان بعض الجنود لم يحصلوا علي اجازة من قبل إعلان حالة الطوارئ بشهر أي مر عليهم ما يقرب من أربعة شهور لم يروا ذويهم ويطمئنوهم عليهم، لذا جاءت الموافقة علي فتح باب الاجازات علي دفعات ولمدة 48 ساعة فقط لكل دفعة، وكانت الأولوية في هذه الدفعات للمتزوجين ومن يعولون ، هكذا بدأ نزول أول دفعة اجازات في 9 ديسمبر وكانت دفعة اجازتي قد حدد لها الفترة من 22 إلي 24 ديسمبر. وخلال اجازتي القصيرة سجلت ذاكرتي ملاحظتين: الأولي أنني كلما دخلت محلا لشراء شيء وأنا بالزي العسكري عند وصولي بهذا الزي أو أثناء عودتي من الاجازة به كان الباعة يقدمون لي بضاعتهم مجانا ويرفضون استلام نقود مني معبرين عن تقديرهم واحترامهم للدور البطولي لجنود 6 أكتوبر. أما الملاحظة الثانية والتي أثارت دهشتي فهي الجوالعام للحياة في القاهرة في أواخر ديسمبر 1973 والتي كانت توحي بأن الجميع يحيا حياته بشكل طبيعي ويتصرف علي اعتبار أن الحرب قد انتهت، وعلي عكس برامج الراديو التي كانت تصل إلينا في الجبهة من خلال أجهزة الترانزستور التي كنا نحملها والتي كانت تمتلئ بالأغاني والبرامج الوطنية والدينية كانت برامج التليفزيون التي شاهدتها خلال اجازتي الصغيرة في ذلك الوقت برامج عادية تماما مع مسلسلات لا توحي بأي أجواء للحرب، مما كان يفرض علي المقارنة طوال أجازتي وعند العودة بين حياة الناس المرفهة نسبيا في القاهرة وحياتنا الصعبة علي الجبهة في منطقة «أم كتيب» غرب البحيرات المرة أمام عدو لا يبعد عنا إلا بمسافة صغيرة ولا تفصلنا عنه موانع طبيعية ونتوقع استئناف القتال معه في أي لحظة و.. سرعان ما وقع القتال بالفعل!
تجدد الحرب
ففي اليوم التالي مباشرة لعودتي من الاجازة أي في يوم 25 ديسمبر 1973 وقع أول اشتباك بين المدفعية الملحقة علي كتيبتنا المشاة ومدفعية العدو، وكانت مدفعيتنا هي المبادرة بالقتال، وتكررت هذه المبادرة منا في الاشتباكين التاليين اللذين شهدتهما، وكانت الاشتباكات الثلاثة هي من نوع ما يطلق عليه في العسكرية اشتباك من دفاع ثابت أي تبادل الضرب بين مدفعيتي خصمين وهما في مكانهما دون أن يحدث التحام بين قواتهما. أما عن دور كتيبتنا المشاة فكانت الأوامر تصدر لنا قبيل كل قتال بالمدفعية الثابتة بالتحصن داخل خنادقنا ومعنا سلاحنا من البنادق وألا نخرج اطلاقا من الخنادق طوال فترة الاشتباك المدفعي لمنع الخسائر في جنودنا إلا إذا تطور القتال إلي التحام مباشر بين القوتين فعندها فقط يمكن أن تصدر لنا الأوامر بتقدم المشاة وهو ما لم يحدث طوال الاشتباكات الثلاثة.
و.. بدأ الضرب ولم ترد القوات الإسرائيلية وتكرر ضربنا ولم ترد أيضا واستطعت مع زملائي في السرية ومن مكاننا في الخندق ومن خلال نظارة ميدان مكبرة كنا نتبادلها مشاهدة طلقات دانة مدفعيتنا وهي تحدث تفجيرا قريبا جدا من دبابة إسرائيلية، وشاهدنا علي البعد أفرادا من القوات الإسرائيلية وهم يسرعون بالنزول من دباباتهم ويجرون هربا من قذائف مدفعيتنا، ثم فوجئنا بغلالة دخان أسود تغشي موقع العدو مما لا يتيح لنا رؤيته، وبعد قليل انقشعت الغلالة السوداء التي اطلقها العدو لإخفاء موقعه وفوجئنا باختفاء الدبابة الإسرائيلية التي من المؤكد أن العدو استطاع الهرب بها تحت ستر الدخان.. واستمر ضرب مدفعيتنا ولم ترد القوات الإسرائيلية إلا قليلا، وانتهي الاشتباك ولم يسقط من كتيبتنا ككل إلا عدد محدود لا يزيد علي خمسة أوستة من القتلي، أما قتلي العدو فتضاربت الأقوال حول أعداد زادت علي أعدادنا.
اشتباك في العيد
وجاء الاشتباك الثاني وهو الأصعب من بين الاشتباكات الثلاثة، ومهما عشت فلن أنسي يوم هذا الاشتباك الذي وقع يوم الأربعاء الموافق 2 يناير 1974 في وقفة عيد الاضحي ، فقد بادرت مدفعيتنا كالمعتاد بضرب العدو ولم يرد، ومرت ساعة فساعتان فثلاث ثم ساد الصمت فترة وبعد مرور أربع ساعات وقرب المغرب فوجئ كل من خرج من خندقه من كتيبتنا المشاه (مخالفا للأوامر) بضرب مكثف من المدفعية الإسرائيلية، واستمر تبادل الضرب بين قواتنا وقواتهم بصورة متقطعة حتي ما بعد الساعة التاسعة مساء بقليل، علي أن خسائرنا كالعادة كانت أقل من خسائر العدو، وفي 9 يناير 1974 وقع الاشتباك الثالث وفيه نجحت مدفعيتنا في تدمير دبابة إسرائيلية، وبعد هذا الاشتباك أو قبله بقليل لا أذكر تحديدا دمرت كتيبتنا بلدوزر للعدو كان يقوم بحفر خندق له وكان هذا ضمن الأوامر المستديمة الصادرة لنا بمنع العدو من القيام بأي أعمال إنشائية تعزز احتلاله لموقعه.
تراجع أخبار الاشتباكات
وقد جاء ذكر تدمير البلدوزر الإسرائيلي في خبر صغير في ذيل الصفحة الأولي بجريدة الأهرام.
وبعد اشتباك 9 يناير لم تقع اشتباكات مدفعية أخري بين كتيبتنا والعدو، ولكن قامت قيادتنا بوضع خطة لعمل كمين للدبابة الإسرائيلية التي تقوم كل صباح بالدوران حول التل أو التبة التي تقع علي بعد كيلو ونصف منا تقريبا لتأمينها تمهيدا لاستيلائنا علي هذه التبة. وقد تم اختيار عدد من جنود وصف ضباط الكتيبة من ذوي الخبرة والكفاءة، وممن حضروا حرب الاستنزاف للقيام بالعملية، وبدأ تدريبهم بالفعل علي القيام بهذه المهمة، علي أن الأمور في القيادة العليا كانت قد بدأت تسير في اتجاه تغليب السلم علي معاودة القتال.. وفي 18 يناير 1974 انتهت مباحثات الكيلو 101 بالاتفاق علي فك الاشتباك الأول.. وهكذا ألغيت خطة الاستيلاء علي التبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.