أصدرت مجموعة من المنظمات الحقوقية بيانا تعرب فيه عن استنكارها وإدانتها العميقة للهجوم المتصاعد بحق مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وعدد من الكيانات السياسية المستقلة، وتدين هذه المنظمات استمرار حملات التشهير المنظم بتلك الأطراف التي تطعن في مقاصدها الوطنية، مثلما تدين أيضاً محاولات الترهيب التي تخضع لها منظمات المجتمع المدني في الوقت الراهن من خلال الاعلان عبر وسائط الإعلام عن تحقيقات تجريها نيابة أمن الدولة في بلاغات تتهم منظمات أهلية وكيانات سياسية لم يفصح عن هويتها بالحصول علي أموال ومنح خارجية بالمخالفة للقانون، وقد وصل الأمر حد اطلاق اتهامات بالخيانة العظمي بحق هذه المنظمات والكيانات التي لم يفصح عن أسمائها تحديداً، وهي اتهامات لم يجرؤ نظام الرئيس المخلوع مبارك عن التلويح بها في مواجهة الخصوم السياسيين أو في مواجهة المنظمات التي تصدت بشجاعة لجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي تميز بها عهد مبارك. وتستهجن المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه بشدة لجوء القائمون علي إدارة شئون البلاد بعد ثورة 25 يناير إلي ذات الأساليب التي كان يتبعها نظام مبارك في مواجهة منتقديه، وتشدد علي أن الاتهامات التي تطلق بصورة جزافية بحق منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وبعض الكيانات السياسية مثل حركة 6 أبريل أو حركة كفاية، تكشف عن ضيق المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالانتقادات التي توجه اليه سواء فيما يتعلق بإدارة المسار السياسي للمرحلة الانتقالية، أو ما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة التي يتحمل مسئوليتها بخاصة تلك المتعلقة باللجوء الي المحاكمات العسكرية الاستثنائية علي نطاق واسع والتي فاق ضحاياها الي حد كبير خلال الشهور الستة الماضية مجمل ضحايا المحاكمات الاستثنائية خلال ثلاثين عاماً من حكم الرئيس المخلوع، والتنكيل عبر القضاء العسكري بأعداد غير قليلة من شباب الثورة، ممن تجاسروا علي انتقادات سياسات المجلس العسكري، وربما كانت إحالة الناشطة السياسية أسماء محفوظ للمحاكمة العسكرية بتهم إهانة القوات المسلحة أو التحريض علي العنف أحدث النماذج بالغة التعسف في إطار هذه الممارسات، فضلاً عن تواصل ممارسات التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التي تديرها الشرطة العسكرية، والذي دخلت ممارساته طورا غير مسبوق عبر تعريض الناشطات السياسيات لأنماط من الاعتداء الجنسي بتعرضهم لفحوص طبية للكشف عن عذريتهن!، وكذلك استخدام القوة المفرطة في مناسبات عدة لفض اعتصامات بعض قوي الثورة وأهالي الشهداء. كما تستهجن المنظمات الحقوقية أيضاً الدور الذي لعبته علي وجه الخصوص تيارات الإسلام السياسي في تصعيد هذه الهجمة وفي التحريض علي منظمات المجتمع المدني .وتعتقد هذه المنظمات أن انخراط هذه التيارات في تلك الهجمة وثيق الصلة برهاناتها علي أن المسار السياسي المعتمد للفترة الانتقالية سوف يضمن لها الفوز بمقاليد السلطة عبر الانتخابات المقبلة وبناء نظام جديد يؤسس لدولة دينية لا تقيم اعتباراً لقيم المساواة وحقوق الإنسان، ومن ثم نستطيع أن نلحظ تناغماً واضحاً في سلوك القائمين علي إدارة شئون البلاد وتيارات الإسلام السياسي وجد تعبيره علي وجه الخصوص في رفض هذه التيارات لأي انتقادات توجهها قوي الثورة لبعض سياسات المجلس العسكري، بل الصمت أيضاً إن لم يكن التواطؤ من قبل بعض رموز الاسلام السياسي تجاه المحاكمات العسكرية التي تطال الآلاف، برغم أن جماعات الإسلام السياسي قد دفعت في السابق ضريبة فادحة لنمط المحاكمات الاستثنائية المماثلة الذي ساد عهد مبارك. فضح الإنتهاكات جدير بالذكر أن المنظمات الحقوقية علي مدي أكثر من عقدين من الزمان، وجهت جانبا كبيرا من طاقاتها ومواردها المتحصلة في أغلبها من التمويل الأجنبي لفضح الانتهاكات الواسعة التي تعرض لها الإسلاميون في حقبة مبارك، سواء فيما يتعلق بالمحاكمات الاستثنائية أو التعذيب والاعتقال التعسفي، أو حتي مصادرة حقهم في التنظيم والعمل السياسي بصورة سلمية، وصولا إلي محاولة إقصائهم من البرلمان والمجالس التمثيلية عبر التزوير الفاضح. وكان رموز التيار الإسلامي ضيوفا دائمين علي ندوات ومحافل حقوقية، كان يجري تمويلها من هيئات دولية أو حتي بعض السفارات الغربية، ومع ذلك يبدو أن أطرافا ورموزا محسوبة علي الإسلاميين -مدفوعة بحسابات سياسية تستبعد أن يكونوا هدفا لانتهاكات مماثلة في المرحلة الانتقالية، بل وتضعهم شريكا معتبرا في عملية الاستئثار بمؤسسات الحكم فيما بعد حقبة مبارك- قد قرروا غض الطرف عن الانتهاكات التي يعكر الحديث عنها صفو العلاقة مع القائمين علي إدارة شئون البلاد، وربما اعتبروا أيضا أن توجيه الضربات إلي كيانات سياسية منافسة أو إلي مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات الحقوقية، سوف يعاظم من فرص نجاح مشروع الدولة الدينية. وتدعو المنظمات الموقعة أدناه مختلف القوي المتطلعة لتحول ديمقراطي حقيقي يلبي تطلعات وتضحيات المصريين للتصدي الحازم لتلك الحملة التي تستهدف بالدرجة الأولي تقويض المكتسبات التي انتزعها المصريون علي أرض الواقع في مجال حرية التنظيم السياسي أو النقابي او الأهلي في السنوات الأخيرة رغماً عن ترسانة القوانين القمعية التي كانت تسعي خلال حقبة مبارك إلي تكريس مختلف أشكال الوصاية والهيمنة علي مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. وتشدد المنظمات الموقعة علي رفضها المطلق للمخططات الرامية لفرض مزيد من القيود القانونية علي المنظمات غير الحكومية والجمعيات والمؤسسات الأهلية المنضوية تحت طائلة القانون رقم 84 لسنة 2002، بدعوي وضع مزيد من الضوابط علي التمويل الأجنبي لمؤسسات المجتمع المدني. تعتيم إعلامي كما تستهجن في ذات الوقت سياسات التعتيم الإعلامي التي تمارسها السلطات بشأن التحقيقات الجارية حول الاتهامات التي يجري الترويج لها بشأن جمعيات أو كيانات سياسية متهمة بتلقي أموال أمريكية من دون تحديد هذه الجمعيات أو الكيانات السياسية في الوقت الذي يتأكد فيه أن هذه الأموال قد تم منح القسط الأعظم منها إلي مؤسسات أمريكية تمارس عملها بصورة رسمية وعلنية داخل مصر. كما تستهجن كذلك امتناع وزارة التضامن الاجتماعي لشهور طويلة عن فتح قنوات للحوار مع منظمات حقوق الإنسان حول مشكلات العمل الأهلي. وتأسف المنظمات الحقوقية لأن مسئولي وزارة التضامن قد أعلنوا تحفظهم مؤخرا علي مشاركة منظمات غير حكومية غير مسجلة وفقاً لقانون الجمعيات في الحوار ما بين الوزارة وممثلين عن المنظمات المنضوية في حملة الدفاع عن حرية التنظيم وهو الأمر الذي يكشف بجلاء أن فلسفة الوصاية والهيمنة الحكومية علي مقادير العمل الأهلي ماتزال تشكل منهجاً معتمدا حتي في ظل حكومة عصام شرف التي يحلو للبعض وصفها بأنها حكومة الثورة. وأخيراً فإن منظمات حقوق الإنسان التي اختبر الكثيرون صلابتها وشجاعتها في مواجهة قمع حقبة مبارك وفي مواجهة حملات تشهير مماثلة انخرطت فيها أحيانا بعض نخب المعارضة الرسمية التي كانت تدور في فلك الحزب الحاكم في ذلك الوقت، تتشبث بحقها في التنظيم المستقل، وفي تنمية مواردها بصورة تمكنها من أداء رسالتها، وتتمسك أيضا بحقها في استثمار آليات التعاون الدولي في تعزيز حقوق الإنسان، بما في ذلك الدخول في شراكات وتلقي منح خارجية تستجيب لأهداف وأنشطة الحركة الحقوقية، وفقا للأولويات التي تحددها المؤسسات الحقوقية في ضوء قراءاتها للواقع السياسي والاجتماعي علي المستوي الوطني. وتشدد المنظمات الموقعة علي أن تقييم أداء المؤسسات الحقوقية بصورة موضوعية ينبغي أن ينطلق من تقييم أنشطتها ومدي حاجة المجتمع لتلك الأنشطة. ضد التسلط الحكومي وتؤكد المنظمات الموقعة استمرارها في النضال من أجل تحرير العمل الأهلي من مختلف أشكال الوصاية والتسلط الحكومي، وفي العمل علي بناء التحالفات مع مختلف القوي الديمقراطية من أجل تبني قانون ديمقراطي ينحاز للمعايير الدولية التي تحمي حرية التنظيم ويغل يد جهة الإدارة في فرض الوصاية والرقابة المسبقة علي تأسيس الجمعيات الأهلية وعلي ممارستها لأنشطتها، وفي ذات الوقت يؤمن قواعد النزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة للقائمين علي إدارة المؤسسات الأهلية عبر الدور الرقابي الذي تمارسه الجمعيات العمومية لهذه المؤسسات وعبر الزام المؤسسات والجمعيات الأهلية بنشر تقاريرها السنوية وميزانياتها الختامية بما يقتضيه ذلك من التزام هذه المؤسسات بالإفصاح عن مصادر تمويلها وأوجه إنفاقها، وإحاطة جهة الإدارة بأي اتفاقات تبرمها للحصول علي منح خارجية، فضلاً عن الاحتكام للقضاء في الحالات التي يري فيها كل ذي مصلحة - بما في ذلك جهة الإدارة - أن تلجأ للقضاء للاعتراض علي أي قرارات أو إجراءات قد تتخذها الجمعية. ومن ثم يكون للرقابة القضائية اللاحقة كلمة الفصل في أي مطاعن قد تحيط بأداء مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته غير الحكومية.