عايزينها تبقي خضرا بجد أتذكر جيدا تلك المقولة التي زينت جدران مركز البحوث الزراعية عندما ذهبنا إليه إحدي المرات وهي جملة معبرة جدا عن المستقبل تقول «من لا يملك قوت يومه لا يملك قراره» وظللت صامتة أمام الحائط أفكر هل مركز البحوث قصد كتابة المقولة ووعي المعني الذي تحمله جيدا؟ أم أنها مجرد زينة أشبه باللوحات التي يعلقها البعض من باب «المنظرة» دون وعي لما وراءها.. ولا حتي مقصد. ونحن بالطبع لا نملك قوت يومنا ليس الآن فقط ولكن منذ ثلاثين عاما وأكثر ونحن بدأنا نهمل كل ما هو متعلق بقوت يومنا وأهمها «الزراعة» رغم وجود إمكانيات لاكتفائنا ذاتيا ويؤكد ذلك كل يوم خبراء وباحثون زراعيون مصريون لم يفعلوا شيئا سوي أنهم قاموا بما يمليه عليهم ضميرهم ولم يكتفوا بالجلوس داخل المكاتب المكيفة وقدموا خلاصة أفكارهم.. والدولة من جانبها «أذن من طين والأخري من عجين»، ومع حديثنا عن زيادة الإنتاجية خلال الفترة القادمة وبعد ثورة يناير مفترض وضع رؤي واستراتيجيات جديدة لميلاد بلد جديد. مشروع الأرز داخل محافظة الشرقية بمدينة الزقازيق يعمل د. سعيد سليمان رئيس قسم الوراثة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، قدم من خلال مشوار طويل في البحث العلمي بدأ منذ عام 1975 يهدف إلي التحسين الوراثي في الأرز واستنباط أصناف مصرية تتحمل الجفاف والملوحة وذات إنتاجية عالية ومن خلال حصوله علي مشروع بحثي من وزارة الزراعة عام 1988 بعنوان «التربية لتحمل الجفاف في الأرز» استمر العمل به حتي عام 1994 ووصل إلي هدفه وبعدها توقف تمويل المشروع الذي لم يتعد المائة ألف جنيه وهاجمته وزارة الزراعة وعميد كليته دون مبرر معروف فما كان منه إلا السفر خارج مصر إلي السعودية ليستفيدوا بجزء من المشروع ويعود عام 1998 ليكمل أبحاثه وتجريبها.. د. سليمان ليس لديه مشروع تطبيقي للأرز ولكنه وضع استراتيجيته لمحاولة الاكتفاء الذاتي من محاصيل «القمح، الذرة، الشعير، الأرز» وقدم بها ورقة منذ ثلاث سنوات إلي الكلية لعلها توصلها لوزارة الزراعة، تقوم فكرته علي التخطيط لمشروع قومي بهدف استنباط أصناف من القمح مبكرة النضج ومقاومة للظروف القاسية «جفاف، ملوحة، حرارة، برودة» كذلك الأمراض والحشرات، بجانب التوسع في زراعة أصناف الأرز مقاومة الجفاف بتوفير 50% من كمية المياه طبقا لبحثه الأساسي. أيضا وضع ضمن الاستراتيجية مشروعا قوميا يتم تمويله من ميزانية الدولة ولا يعتمد علي المنح البحثية من الخارج - والتي تكون مشروطة - في غالبية الحالات لاستخدام التكنولوجيا الحيوية، أيضا عدم التوسع في زراعة بنجر السكر في جنوب مصر «المنيا» كما هو مخطط نظرا لأننا نستورد تقاويه كل عام بملايين الجنيهات، واستثمار المساحات الشاسعة التي تصل إلي أكثر من 5 ملايين فدان بالساحل الشمالي والتي تسقط عليها الأمطار بمعدل يصلح لزراعة الشعير والقمح وذلك بوضع مشروع قومي لاستنباط أصناف قصيرة العمر مقاومة للجفاف والملوحة والبرودة والحرارة وإدخال زراعة القصب باستخدام الري بالرش بأراضي توشكي مع الاستخدام الآمن للمياه الجوفية غير المتجددة في شرق العوينات وإقامة مجتمعات صناعية زراعية وليست زراعية صناعية حتي لا تنفق بلايين الجنيهات وتصبح «خردة» كما حدث في السعودية، أيضا إدخال زراعة أصناف ذرة الزيت وعباد الشمس والقرطم والسمسم بأراضي الاستصلاح الجديدة باستخدام نظم الري الحديثة. هذه كانت نُبذة عن رؤية د. سليمان ونحن هنا لسنا من أجل أحد ولكن د. سليمان هو أحد الباحثين المصريين ومثله آخرون لهم رؤي بزيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي ومع الحديث في هذا الجانب حاولنا الاطلاع علي المشروع الخاص بالأرز في ظل ارتفاع اسعاره المفاجئ والذي يصل به إلي أربعة آلاف جنيه للطن ونحن علي أبواب زراعته.. لنا هذا الحوار مع د. سعيد سليمان. المياه ما مشكلة زراعة الأرز في مصر؟ الأصناف الحالية تستهلك كمية كبيرة من المياه ضعف الذرة الشامية مما يطرح أحيانا فكرة تقليل الكمية المزروعة أو منعه أساسا بسبب شراهيته للمياه وبالتالي كان الحل في إيجاد أصناف مقاومة للجفاف وهو ما عملت عليه ضمن مشروعي الذي هو تابع لمركز البحوث الزراعية منذ عام 1986 ونجحت في استنباط سلالات جديدة قادرة علي تحمل الجفاف وتقاوم الأمراض وعالية المحصول وبعد وقفة عملت في «صمت تام» حتي عام 2006 وتأكدنا من قدرة 10 سلالات علي التفوق في المحصول وتوفير 50% من مياه الري وأجريت التجارب لعامين وسجلت السلالات الأولي والثانية بمكتب حماية الأصناف النباتية عام 2010 تحت اسم عرابي 1، عرابي 2 تخليدا لذكري زعيم ثورة الفلاحين أحمد عرابي وكان المشروع تحت اسم «التربية لتحمل جفاف الأرز». وماذا كان رد فعل الأساتذة في كلية الزراعة؟ منذ البداية لم يصدقني أحد وأطلقوا عليه «مجنون الجامعة» لأنني أؤكد إمكانية توفير نصف المياه المزروع بها الأرز وزيادة الإنتاجية وبمرور السنين نجح رهاني وأثبت صدق نظريتي. وما العقبات التي أخرت التطبيق؟ بعدما أعلنت عن نتائج مشروعي قامت الدنيا ولم تقعد فهددوا عميد الكلية وقتها بعدم حصول الكلية علي المنحة التي تصل إلي مليون ونصف المليون جنيه وطالب رؤساء المشروعات الزراعية بالكلية بإسكاتي فما كان مني إلا السفر خارج مصر مع بعثة زوجتي وعملت أبحاثا في جامعة الملك سعود ونجحت وعدت سنة 1998 لأجدد السلالات وسجلت «ماجستير» علي السلالة وعملت في صمت حتي تأكدت من نتيجة أبحاثي فزرعت وأنتج الفدان 4 أطنان أرزا باستخدام 3500 متر مكعب من المياه فقط أي نصف الكمية وزيادة إنتاجية تصل إلي 500 طن في الفدان حاولت بعدها عمل أبحاث تأكيدية عند المزارعين ومركز البحوث الزراعية رفض وقال إن هذه البحوث ممنوعة علي أساتذة الجامعة. وهل توقفت عند هذا الحد؟ اعتبرت القضية وطنية بحتة فزرعت عام 2010 مع فلاحين 10 أفدنة من الأرز بمتوسط 4 أطنان للفدان وتوفير 50% من المياه علي الشرقية والدقهلية فقط، ورغم اتصال مجدي راضي المتحدث باسم رئاسة الوزراء قبل الثورة بي بعد ظهوري في برنامج العاشرة مساء وطلب مني تطبيق البحث إلا أن وزارة الزراعة شوشت علي المشروع وقتها وقال لي أحد المسئولين وقتها «يا ابني خاف علي نفسك». حق المربي وما سبب هذا العداء من قبل وزارة الزراعة للمشروع؟ لأنه لا يوجد في مصر أي «صنف» ملك لأي جامعة وجميع أصناف المحاصيل ملك لمركز البحوث فقط والميزة في الملكية هي «حق المربي» الذي يرغب مركز البحوث احتكاره للاستفادة منه فأكثر من مرة صرح لي أحد الأساتذة هناك أنني فقط أدرس للطلبة بالجامعة وليس لي استنباط محاصيل.. بجانب أن اللجنة التي يجب أن تقيم المشروع هي من المركز نفسه ومفترض أن تكون تابعة للإدارة المركزية لفحص التقاوي. وماذا حدث بعد ثورة يناير؟ اتصل بي د. أيمن أبوحديد وزير الزراعة وطلب مني الذهاب لتسجيل الأصناف وبدء العمل عليها وبالفعل قدمت أوراقي ووافق عليها وظلت حبيسة أدراج الوزارة رغم تأشيرة الوزير عليها ولم أعرف بموافقته إلا بعد شهر تقريبا أي منذ أيام ولهذا أقول إن وزارة الزراعة لم تتغير ومازال البعض يحارب التحسن، وأنتظر الآن قرار الوزارة. وما تداعيات تطبيق مشروعك علي زيادة الإنتاج في مصر؟ بالطبع توفير كميات هائلة من المياه في زراعة الأرز وزيادة الإنتاجية ووجود فائض للتصدير، فالدولة العام الماضي اكتفت بزراعة مليون و200 ألف فدان والاكتفاء الذاتي يتطلب زراعة مليون ونصف فدان وهذا بمبرر المياه وتوفيرها، وقد حضرت ندوة في معهد بحوث الموارد المائية في القناطر منذ فترة قليلة وفوجئت بأحد مسئولي وزارة الري يقول «ما المشكلة لو استوردنا أرزا كما نستورد القمح» ولم يرد عليه أحد من وزارة الزراعة فوزارة الري في رأيي في واد ووزارة الزراعة في واد آخر، المفترض أننا في ثورة فماذا يحدث لو زرعت 2 مليون فدان أرزا عام 2014 سأكتفي ذاتيا ويكون لدي فائض للتصدير ليس أقل من نصف مليون إلي مليون طن أرز. هل كان إلغاء تصدير الأرز قرارا خاطئا؟ بالطبع وقد كتبت وقتها مقالا أخاطب فيه وزير التجارة السابق رشيد محمد رشيد بعدم إلغاء التصدير لأنه ترتب علي ذلك أن أصبحت «كاليفورنيا» هي المصدر الأول للأرز بدلا عن مصر لكل من تركيا، سوريا، السعودية لأنها تزرع أرزا قصير الحبة مثل الأرز المصري يباع في السعودية ب 15 جنيها الكيلو وبالتالي وصل سعر الأرز لدي المزارع إلي 800 جنيه للطن وخسر رغم تكلفة زراعته. ما مميزات الأرز المصري؟ الأرز المصري مطلوب عالميا وهو أعلي سعر في العالم لجودته وقصر حبته وصفات أكله جيدة. 3 مليارات متر مكعب وماذا عن مشروع زراعته في أرض رملية؟ بالفعل قمنا بتجربة زراعة الأرز في أرض رملية وتم نشر هذا البحث عام 2008 في أبوصوير بالإسماعيلية وساعدني فيه المرحوم د. عادل أبوغازي أستاذ الهندسة الزراعية وأنتج الفدان 3 أطنان ونصف الطن من خلال الري بالرش ولهذا أدعو لاستصلاح الأراضي الجديدة في الصحراء بشرط أن الفلاحين يكون الفلاحون مستصلحين وليس رجال الأعمال. مشروع منتهي منذ عشر سنوات تقريباً.. كيف تقدر حجم خسائر مصر من التأخر في تطبيقه؟ لدينا أصناف أرز مقاومة للجفاف منذ 10 سنوات وفي هذه الفترة كان يمكن توفير 3 مليارات متر مكعب من المياه خاصة في ظل «فزاعة» المياه بجانب إمكانية التعاون مع دول أفريقيا وتصدير المشروع لهم. وما رأيك في مشكلة زراعة القمح؟ يمكننا بسهولة حلها بتطبيق أبحاث الخبراء المصريين واستصلاح أراضي الساحل الشمالي (5 ملايين فدان) بجانب سياسات أخري خاصة بإغلاق الموانئ بداية من موسم التوريد 15/4 وحتي 15/6 لإيقاف دخول قمح مستورد الذي يحرم الفلاح المصري من فرحته بالمحصول وعدم وجود أماكن لبيعه. وماذا عن القصب؟ مصر كانت أعلي إنتاجية في العالم من القصب ويتم الآن تدميره بزراعة البنجر والذي نستورد تقاويه بملايين الجنيهات لعدم إمكانية إنتاجيته في مصر لأنه ثلاثي المجموعة الكروموسومية وبالتالي التوسع في زراعته سيجعله مرهونا بالخارج مما يزيد السعر. هل بإمكان مصر الاكتفاء ذاتيا من الزراعة؟ - نعم بإمكاننا وأنا واثق من هذا من منطلق مشروعي ورؤية خبراء مصريين كثيرين راغبين في تطبيق أبحاثهم وإذا حدث ذلك سنكتفي خلال 3 سنوات فقط بوضع استراتيجية زراعية.