وأخيراً انتصرت الثورة في مصر. ثورة أعلن فيها الشعب المصري كافة، رفضه للظلم والفساد والدكتاتورية- ثورة طالما دعونا لها جميعاً من قلوبنا بالنجاح والتوفيق، ورجونا بنصرها أن تزيح عن صدورنا أثقالاً طالما أشعرتنا بالعجز؛ فظلت أحلامنا الشرعية في الحياة والحرية والكرامة، حبيسة تئن بين ضلوعنا وبات تحقيقها بعيداً عنا بعد السماء عن الأرض. إنها لفرحة وأيما فرحة تلك التي تغمرنا جميعاً في هذا العُرس الوطني. إنها لفرحة تحضرني فيها هذه القصيدة للشاعر الفرنسي جان دو لافونتين Jean de LA FONTAINE (1695-1621)، بعنوان " الأسد الذي صار كهلاً" "Le Lion devenu vieux " ، والمنشورة في ديوانه Fables (1678- 1668) وهو مجموعة قصائد يمتزج فيها السرد بالحكمة علي طراز كليلة ودمنة للفيلسوف الهندي بيدبا. هذه هي الترجمة العربية للقصيدة: الأسد الذي صار كهلاً الأسد، رعب الغابات، والمحمل بالسنوات والذي يبكي انتصاراته القديمة تم أخيراً الهجوم عليه من قبل أتباعه، الذين صاروا أقوياء بفضل ضعفه. فأعطاه الفرس الذي اقترب منه ركلة؛ والذئب نهشة؛ والجاموس نطحة. وبالكاد يستطيع الأسد الشقي وهو سقيم وحزين وكئيب أن يزأر، لما أصابه من العجز بفعل تقدم العمر. إنه ينتظر قدره، دون أي شكوي. وعندما رأي أن حتي الحمار قد أقبل راكضاً نحو عرينه، قال له: " آه ! إنه لأمر مفرط؛ أنا كنت قابلاً الموت بكل رضا؛ لكنه موت مضاعف أن أتحمل هجومك". القصيدة تبرز هِرم الأسد بفعل الزمن. وتبرز بالتالي الأثر السياسي لهذا الهِرم وهو الضعف الذي قويت به حيوانات الغابة الأضعف منه. فكانت الهجمات المتوالية من قبل الفرس والذئب والجاموس والتي انتهت باستعداد الحمار للهجوم عليه؛ مع ما في ذلك كله من إهانة لمن كان في الماضي ملكاً للغابة. الحكمة في هذه القصيدة غير مباشرة ؛ وإنما نقرؤها من خلال السطور. إنها تحذير لملك فرنسا في ذلك الوقت- الملك لويس الرابع عشر -Louis XIV الملك الشمسle Roi Soleil والملك ذي الحق الإلهيMonarque de droit divin - الذي حكم فرنسا حكماً مطلقاً طيلة أربع وخمسين عاماً وعبث باقتصادها عبثاً بالغاًً، ورحل عنها وهي غارقة في بؤس فظيع بالرغم من جهود وزيره كولبير Colbert في انعاش هذا الاقتصاد. إنها تحذير لهذا الملك من طغيانه الذي يثيرحفيظة رعيته. ولما كان الملك لويس الرابع عشر مازال شاباً عند نشر هذه القصيدة ( 30 عاما)، كان لهذه القصيدة قيمة الاستباق السياسي والانعكاس المستقبلي. فالشاعرلافونتين يريد أن يقول للملك الشاب لويس الرابع عشر: لا تسيء استغلال نفوذك أثناء شبابك ولا تعبث باقتصاد بلادك، فإنك بذلك تبذر كراهية شعبك وثورته أثناء هرمك. زد علي ذلك أن التاريخ قد أثبت هذه الحقيقة التي تنبأ بها لافونتين. فسجل التاريخ ما ولده بؤس الشعب الفرنسي من ثورات أُطلق عليها في هذه الفترة "jacqueries"" أي عاميات - وهي ثورات الفلاحين وعامة الناس علي السلطة، وكلهم من البؤساء الذين أسخطهم البؤس وأحنقهم جباة الضرائب، والتي قابلها الملك لويس الرابع عشر بالقمع الوحشي. ثورات في كل مكان: في الأقاليم وفي العاصمة، تطالب بالخبز في صيحات تحاكي بسخرية الصلاة المسيحية: "أبانا الذي في قصر فارساي، لم يعد اسمك ممجداً ولا ملكوتك كبيراً «...» اعطنا خبزنا الذي ينقصنا من كل الجهات". فشعر الملك لويس الرابع عشر بمسئوليته عن إفقار مملكته وندم علي ذلك بعد فوات الأوان. وأصيب بغرغرينة شيخوخية gangr_ne sénile في ساقه وما لبث أن مات. قصيدة " الأسد الذي صار كهلاً" للشاعر الفرنسي لافونتين، أقدمها بلا مزيد من التعليق في هذه اللحظة المحورية من تاريخ الوطن. والكلام من قديم الزمان إلي من كانت جارتي حتي حين وإلي كل طاغية في كل زمان ومكان.