حلت أمس الأول السابع عشر من يناير الذكري الخمسون لاغتيال قائد الاستقلال في الكونغو وأحد أبرز قادة حركة التحرر الوطني الأفريقية والعالمية «باتريس لومومبا». كان شعب الكونغو قد اختار لومومبا ابن الخامسة والثلاثين عاما رئيسا للوزراء في انتخابات حرة في بلد هو كنز للثروات الطبيعية إذ أنه غني بالماس والنحاس والذهب واليورانيوم والأراضي الزراعية الشاسعة، استعمره البلجيكيون ونهبوا ثرواته، وحين ازدادت الحركة الوطنية المسلحة المعادية للاستعمار قوة، سارع المستعمرون - خوفا - بتنظيم أول انتخابات عامة. وجاء ملك بلجيكا «بدوين» إلي البلاد في يونيو 1960 ليعلن أن بلجيكا «تمنح» الاستقلال للكونغو وقال مخاطبا الكونغوليين: عليكم الآن أن تثبتوا أنكم أهل لثقتنا وقام «باتريس لومومبا» ليلقي خطابا ناريا ردا علي الملك، وقال «لومومبا» لقد مارس الاستعماريون العنف والإذلال ضد شعب الكونغو الذي سرقوا ثرواته ونهبوه دون رحمة وتحدثتم أنتم إلينا كأننا أطفال يحتاجون إلي التربية. وأضاف لومومبا: لقد آن الأوان لكي يستفيد الأفريقيون من ثروات بلادهم الهائلة فالاستقلال السياسي وحده لا يكفي. ووقف كل أعضاء المجلس التشريعي يصفقون لدقائق وسط ذهول ملك البلجيك. وتماما مثلما عجز عبدالناصر عن الحصول علي تمويل من الغرب لبناء السد العالي وتوجه إلي الاتحاد السوفيتي فعل لومومبا الشيء نفسه حين وجد خزائن بلاده خاوية ولديه مشروعات طموح لتنميتها.. فتوجه إلي الاتحاد السوفيتي ومنذ ذلك الحين أصبح الاسم الحركي للومومبا بدوائر المخابرات الأمريكية التي تعاونت مع مخابرات بلجيكا «الشيطان» وصدر القرار باغتياله وأرسلوا من يدس له السم، وحين فشل هذا الأخير في الوصول إلي «لومومبا»، دبرت مخابرات أمريكا وبلجيكا صداما مع معارضي «لومومبا» وجري أثناءه اعتقاله وتعذيبه ثم إطلاق النار عليه، وكان أن اندلعت المظاهرات الغاضبة في بلدان أفريقية وأوروبية احتجاجا علي مقتله. وتطورت الأحداث بشكل مأساوي في الكونغو بعد أن نظم ضابط يدعي «موبوتو» بمساعدة المخابرات الأمريكية انقلابا عسكريا ليحكم البلاد حكما سلطويا استبداديا وفاسدا لمدة اثنين وثلاثين عاما لتدخل البلاد بعد موته في سلسلة من النزاعات الأهلية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الكونغوليين وتدهور حال الكونغو في ظل الرعاية الأمريكية لحكامها.