أحسب أن الإجابة عن هذا السؤال ستصدم الكثيرين الذين يشبهون الإخوان بالخوارج؛خصوصاً إذا كان بعضهم من علماء الأزهر المرموقين المشهود لهم بالاستنارة؛من أمثال الدكتور/أحمد كريمة و الدكتور/علي جمعة و غيرهما ممن أكن لهم المزيد من التقدير و التوقير.و حسبي التنويه بمواقفهم المحمودة في الدفاع عن الإسلام عقيدة و شريعة و تاريخاً و حضارة في مواجهة جيش من المتنطعين الجهلة و التكفيريين الإرهابيين سفاكي الدماء ممن أطلق عليهم خطأ نعت "الأصوليين"أو"جماعات الإسلام السياسي". و معلوم أن هاتين الصفتين أطلقهما المستشرقون الغربيون بهدف تمجيد تلك الجماعات و الترويج لها ليجري تداولها على ألسنةو في كتاباتالنخبة العربية الموالية للغرب وربما للصهيونية بوعي أو بدونه.فمصطلح"الأصولية"ترجمة لأصله الإنجليزي Fundamentalism و هو ما يعني كون تلك الجماعات بداهة تستمد مرجعيتها من الإسلام الصحيح؛بهدف تغطية الحقيقة الصادعة بأن إسلامها يدخل في إطار"البدع و الضلالات"و هو ما سنوضحه في مقالات تالية. أما مصطلح"الإسلام السياسي" Political Islam فهو يعني"التبرير الذرائعي"لمواقفهم السياسية المشينة كالاغتيال السياسي و تدمير مؤسسات الدولة و نحوها مما تشهده أقطار ما عرف ب"الربيع العربي"حالياً باسم الإسلام؛بهدف الوصول إلى الحكم ليس إلا. إن ترويج الغرب تلك النعوت و المصطلحات يستهدف في المحل الأول نوعاً من"الغزو الثقافي"بغرض مسخ و ربما نسخ تعاليم و مبادئ الإسلام السمحة التي تكسب كل يوم أعداداً غفيرة من معتنقي الديانات الأخرى السماوية و الوثنية على السواء تلك المبادئ التي لطالما أشاد بها المنصفون من المستشرقين؛من أمثال"ماكس موللر"و"توماس أرنولد"و"مكسيم رودنسون"و غيرهم؛هذا من ناحية.و من ناحية أخرى؛أن هذا "الغزو الثقافي"ما هو إلا توطئة لغزو حقيقي سياسي و عسكري يستهدف توظيف الدين لتمزيق الأقطار العربية و الإسلامية و تحويلها إلى كيانات قزمية عرقية و طائفية؛وفقاً لمخطط"لويس كيسنجر"عن مشروع"الشرق الأوسط الجديد"الذي أصبح معلوماً لدى الخاص و العام.ليس أدل على ذلك من تعويل الولاياتالمتحدةالأمريكية و الغرب عموماً على التحالف"الشيطاني"مع كافة الجماعات التكفيرية و الإرهابية و كلها ولدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين لاحتواء ثورات الربيع العربي,و دعم"الإخوان"للوصول إلى الحكم؛و من ثم تنفيذهم المشروع"الصهيوني الأمريكي"بغطاء"إسلاموي". لكن ثورة الشعب المصري في موجتها الثانية 30 يونيو 2013 بمؤازرة جيشها الوطني أحبطت هذا المخطط و حالت دون تحقيقه.و في هذا الصدد تصدى فقهاء الأزهر المستنيرون لتفنيد فكر"الإخوان"و ذيولهم من الجماعات التكفيرية الأخرى؛دفاعاً عن الإسلام من ناحية,و مواجهة"الغزو الثقافي"الإسلاموي الذي صاغ إيديولوجية تلك الجماعات من ناحية أخرى. و إذ نشير و نشيد بجهودهم في هذا الصدد برغم ما تعرضوا له من ترغيب و ترهيب إلى حد التهديد بالاغتيال نربأ بوقوع بعضهم في منزلق تشبيه"جماعة الإخوان"و ذيولهم بفرقة"الخوارج"؛لا لشيء إلا لأن هذا التشبيه أبعد ما يكون عن حقائق التاريخ الإسلامي؛و هو ما دفعنا إلى تسطير هذا المقال؛إنصافاً للخوارج ليس إلا.و هاكم البيان: أولاً : أن مصطلح"الخوارج"لا يعني أنه مشتق من"الخروج"على الإمام علي بن أبي طالب كما يعتقد الكثيرون؛بل كانوا من خيرة أعوانه المتفانين في نصرته و الدفاع عن مشروعية خلافته.أما عن وقائع خروجهم عليه؛فيعزى السبب إلى قبوله خدعة"التحكيم"المشهورة؛وفق مؤامرة نسج عمرو بن العاص من معسكر معاوية و الأشعث بن قيس الكندي من معسكر علي خيوطها؛حيث أرغم الأخير علياً على قبول"التحكيم"و إلا انضم بقبائل كندة إلى معسكر غريمه؛فحرمه من إحراز نصر كان وشيكاً.كما أرغمه بالمثل على اختيار أبي موسى الأشعري ممثلاً له؛بديلاً عن عبد الله بن العباس الذي و قع عليه اختيار علي. و إذ تمت الخديعة بعد ظهور نتيجة التحكيم لصالح معاوية و قرر علي استئناف القتال حسب مشيئة الخوارج تدخل الأشعث للمرة الثالثة مهدداً علي بن أبي طالب بالقتل.عندئذ غادر الخوارج معسكر علي؛فعرفوا لذلك بهذه التسمية انطلاقاً من الآية الكريمة :"ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها..". تأسيساً على ذلك؛نحن نبرئ الخوارج من تهمة إرغام علي لقبول التحكيم؛كذا من تهمة إرغامه على قبول نتيجته.و حسبنا أنهم أطلقوا على أنفسهم إسم"الحرورية"نسبة إلى المكان الذي استقروا به حروراء بعد مغادرتهم معسكر علي.و حسبنا أيضاً إطلاقهم شعار"لا حكم إلا لله"الذي كان يعني في نظرهم رفض"التحكيم"من أساسه؛تعويلاً على حقيقة مشروعية حكم علي ببيعته العامة؛فهو لذلك إقرار لحكم الله.و من ثم فلا يجوز تحكيم الرجال فيما أقره الله سبحانه و تعالى.و للعلم؛فذلك ما توصل إليه طه حسين في كتابه"الفتنة الكبرى"و ما عمقناه استناداً إلى نصوص جديدة في دراسة لنا بعنوان:"تراجيديا التحكيم و موقف الخوارج". ليسوا خوارج لذلك؛كان موقف الخوارج مغايراً تماماً لما حدث في 30 يونيو 2013 من عزل محمد مرسي نتيجة ثورة شعبية شارك فيها قرابة 35 مليون نسمة؛بما يؤكد مشروعية تنحيته. ثانياً: أن الخوارج أسسوا موقفهم استناداً إلى الشريعة الإسلامية؛إذ كانوا ممن عرفوا بالتدين و التفقه في الدين؛فكان زعماؤهم من جماعة"القراء" و هو مصطلح مشتق من قراءة القرآن و تفسيره في مساجد البصرة المتبتلين الذين جاهدوا في معركتي"الجمل"و"صفين"دفاعاً عن مشروعية خلافة علي.هذا بينما اتخذ الإخوان و أتباعهم الدين مطية للوصول إلى السلطة ليس إلا.و تلك حجة أخرى بصدد تفنيد أطروحة التشبيه. جمهوريو الإسلام أما عن ظاهرة"التكفير" فقد اقتصرت على الخوارج الأوائل الذين قضى عليهم جيش علي رغماً عنه فلم ينج منهم إلا تسعة أفراد هربوا إلى بلاد المغرب.بل لم يكن التكفير عندهم يعني خروجاً عن الدين؛فكان لذلك"كفر نعمة"و ليس"كفر ملة"؛كما هو حال التكفيريين المعاصرين الذين يكفرون جميع المسلمين من خارج جماعاتهم. أما عن رأي الخوارج في مسألة"الخلافة"؛فشتان بينه و بين آراء الإسلامويين المعاصرين.إذ كان رأي الخوارج في هذا الصدد معبراً عن الشريعة حين جعلوا الخلافة"حقاً مشروعاً لكل مسلم بغض النظر عن لونه و عرقه"و هذا يغاير تماماً موقف الإسلامويين المعاصرين الذين يقصرون هذا الحق على جماعاتهم ليس إلا.و تجدر الإشارة إلى أن الخوارج كانوا زاهدين في تولي الحكم؛إذ نظراً لما نجم عن الصراع على السلطة من إحن و محن و و تشرذم؛نادوا بجواز إلغاء الخلافة حقناً للدماء.!! و عندما أقاموا دولاً في بلاد المغرب كان أئمتهم من غير المغاربة.فمؤسس الدولة الرستمية كان فارسياً,و مؤسس الدولة المدرارية كان عبداً سودانياً.و في كل الأحوال عول الأئمة الخوارج على تطبيق مبدأ"الشورى"بجعلها ملزمة للحاكم؛على خلاف الأسلامويين الذين رأوا أنها غير ملزمة.لذلك لم يبالغ المستشرق"ميور"حين نعت أئمة الخوارج بأنهم"جمهوريو الإسلام".و شتان بين ذلك و بين حكم الإخوان المسلمين إبان عام الظلام الشبيه بحكم الفراعنة,أو بالطغيان الشرقي؛حسب رأي"فيتوفوجل". و إذ يرى منظرو الإسلامويين أن الحاكم هو بمثابة"ظل الله على الأرض"لا يجوز تنحيته حتى لو كان جائراً؛فقد قال الخوارج ب"وجوب الثورة على الحكام الجائرين". لا يتسع المقام للحديث عن شمائل أئمة الخوارج في الدول التي أقاموها في المشرق و المغرب؛و حسبنا الإشارة إلى تواضع و زهد عبد الرحمن بن رستم إمام الدولة الرستمية في المغرب إلى حد تشبيهه بالخليفتين عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز.و في المقابل يعلم الخاص و العام عن حياة الترف و البذخ التي عاشها محمد مرسي و بطانته,و حسبنا الإشارة أيضاً إلى مواكبه التي اتسمت بمظاهر البذخ و الأبهة و الترف. تقاليد الفروسية أما عن مآثر و فضائل أئمة الخوارج إبان الحروب؛فقد أثر عنهم أنها كانت حروباً"دفاعية". و في هذا الصدد كانوا يعلمون خصومهم بموعد المواجهة,و إذ ما تحقق النصر كانوا لا يغنمون إلا السلاح و العتاد الحربي متعففين عن نهب الأموال و المتاع.بل أثر عنهم عدم تتبع فلول الجيش الهارب بما يشي باحترامهم تقاليد الفروسية..و في كل ما خاضوه من حروب التزموا بالآية الكريمة"ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض"؛على خلاف حروب جميع الفرق الإسلامية الأخرى؛بدرجة حفزت تجار الرقيق إلى مرافقة جيوشهم فيما خاضوا من حروب هجومية. و لم يعرف عن الخوارج ما عرف عن غيرهم من اتباع أسلوب"الاغتيال السياسي"؛بل كان مبدأ"الاستعراض" أي المواجهة المباشرة ديدنهم في هذا الصدد.و ما ذكر عن اتهام عبد الرحمن بن ملجم باغتيال الإمام علي من قبل الخوارج محض خرافة.إذ أثبتنا في دراسة مهمة أن اغتيال علي كان مؤامرة حاكها خصمه معاوية؛الذي درج على اغتيال معارضيه.و في هذا الصدد كان يدس السم في العسل؛و يتفاخر بقوله:"إن لله جنوداً من عسل".!! نحن في غنى عن ذكر ما جرى عليه الإسلامويون المعاصرون من كذب و نفاق و نقض للوعود و العهود و التعويل على الخداع و أسلوب الاغتيال السياسي,و إلحاق الخراب و الدمار بمقدرات الشعوب.ناهيك عن الإرهاب في أبشع صوره,و نهب المتاجر و المتاحف..إلخ . و الأنكى تبرير تلك المفاسد جميعاً باعتبارها أمراً مشروعاً؛جرياً على قول مؤسس جماعة الإخوان بأن"الحرب خدعة"..!! خلاصة القول أن تشبيه الحركات الإسلاموية المعاصرة و على رأسها جماعة الإخوان المسلمين بالخوارج مغالطة كبرى تنم عن فقر معرفي بصدد الفرق الإسلامية من ناحية,و اعتساف لحقائق التاريخ الموضوعية؛من ناحية أخرى.و الأهم أن هذا التشبيه يعد في التحليل الأخير ظلماً و تجنياً على الخوارج الذين تبنوا مبادئ الشورى و العدل الاجتماعي,و مشروعية الثورة على الحكام الجائرين,فضلاً عن شمائل الشهامة و الفروسية ؛و هو ما تفتقر إليه كل الحركات الإسلاموية المعاصرة. فماذا عن المرجعية الأيديولوجية لتلك الجماعات و تبريراتها الذرائعية الثابتة في أدبياتها المشينة و الشوهاء؟ ذلك هو ما ستجيب عنه المقالات التالية.