المشاعر والأحاسيس.. التى هاجمتنى وأصبحت أسيرا لها.. عند انتقالى من الزقازيق فجر يوم السبت 8 مارس بصحبة من أصدقاء ورفاق عزازى على عزازى وجهتنا مطار القاهرة لنكون فى انتظار جثمانه قادما من الصين وبعد وصولنا تقابلنا فى البداية مع أسرة الراحل ووصل شقيقه عبدالمنعم والحزن يكسو الجميع انتقلنا إلى بوابة قرية البضائع.. وهناك التقينا لفيفا من الرفاق والأصدقاء ونحن نعزى بعضنا البعض.. وكان التوقيت مع بدء فجر جديد يحمل معه إشراقة يوم جديد.. لتخلق تفاؤلا.. الذى كان سمة تميز بها عزازى بيننا.. شعرت وقتها أن عزازى يرفض الرحيل ويصر أن يترك آخر وصاياه قبل ساعات من أن يوارى ثرى بلدته أكياد – فاقوس – شرقية.. وقبلها ومنذ أن كانت تصلنا أنباء وفاة عزازى فى الصين أثناء رحلة علاجه بزرع كبد بعد أن عجز كبده أن يستجيب لإرادة الحياة واستشراف المستقبل اللذين كانتا يتسلح بهما عقل وجسد عزازى فى أحلك الظروف.. منذ اللحظات الأولى لمقدمه من أكياد إلى الزقازيق طالبا بكلية آداب الزقازيق فى منتصف السبعينيات لينخرط ضمن صفوف كتيبة طلابية نابعة من منابع اجتماعية وفكرية متباينة ولكنها اجتمعت على حب مصر واستشعرت بنقاء الشباب بمدى المخاطر والغيوم التى بدأت تتشكل فى سماء الوطن وتم تأسيس النادى السياسي.. وعقد لقاء يوليو الفكرى بجامعة الزقازيق فى الوقت الذى كان فيه النظام لا يقبل مجرد التفكير وليس الفعل فى استعادة مصر الاستقلال الوطني.. والعدالة الاجتماعية.. بعد أن غيرت القيادة من بوصلة العمل الوطني.. وتحالفات الداخل والخارج.. وهو ما تدفع مصر ثمنا باهظا لهذا التوجه الذى جاء خصما من فرص مصر للانتقال إلى المستقبل.. وكان عزازى فعالا وفاعلا لجمع شمل الجميع حول مشروع المواجهة لإيقاف قطار الثورة المضادة الذى انطلق.. وكانت 18، 19 يناير 1977 من محطات المواجهة ومن قبلها تأسيس منبر اليسار "التجمع الوطنى التقدمى الوحدوي" وكان الشاب عزازى من الذين انخرطوا ضمن صفوفه.. كما كان في مواجهة زيارة القدس التي فتحت الطريق أمام كامب ديفيد والاتفاقية المصرية – الإسرائيلية التى أعادت لنا سيناء أرضا مصرية منزوعا عنها السيادة المصرية فجعلت منها مرتعا ومطمعا لكل الأنشطة الإجرامية.. والتى يتحمل جيش مصر العظيم فاتورة استعادتها الآن.. وكان عزازى حاضرا فى كل المواجهات ولكن فى ميدان أكثر اتساعا ورحابة في القاهرة بعد أن ترك موقعه طالبا بجامعة الزقازيق فى مواجهة التطبيع وبيع القطاع العام.. وعدوان إسرائيل على لبنان 1982 ودعما للحق العربى وفى القلب منه فلسطين.. ثم العراق وليبيا. وتحمل عزازى ألم مصر الوطن والقومى ما لم يتحمله كبده الذى هو ككل أكباد المصريين البسطاء.. الفقراء.. وكما كان عزازى منحازا فى حياته للفقراء انحاز فى مرضه ورحيله لمن أحبهم فأحبوه.. ورأيتهم أثناء تشييع جثمانه فى قريته أكياد أما الذين ابتهجوا وعبروا عن ذلك فى سابقة لم نعتد عليها فى مصر عامة وفى الريف خاصة فإنما كانوا يؤكدون بفعلتهم هذه أنهم ليسوا منا وهو ما عبر عنه عزازى عندما بادر إلى الاستقالة من موقعه محافظا للشرقية ليس رفضا للتعاون مع من يختلف معهم بقدر ما كان تعبيرا عن رؤية ثاقبة لعزازى بأنهم يحملون مشروعا معاديا للوطن ونقيضا للمشروع الوطنى الذى شب عليه عزازى ودافع عنه حتى رحيله.. وكانت 30 يونيو أولى محطات استعادة الوطن وإسقاط أوهام البعض حول مقولة الإخوان فصيل وطن.. وعندما ترك عزازى موقعه التنفيذى كمحافظ اعتلى منبر السياسى والمفكر وترك رصيدا يحتذى به من خلال انخراطه فى جبهة الإنقاذ والتيار الشعبى وتصدره المشهد الإعلامى مفندا المخاطر التى تحملها هذه الجماعة ومن يناصرها على مستقبل الوطن. وفى ذروة احتياجنا له كوطن وكرفاق درب رحل عنا رغما عنه بعد رحلة من الإصرار والعناد بأن يؤدى ما يمليه ضميره وانحيازه عليه متحديا المرض ورافضا الاستسلام.. فى الوقت الذى كنا نرى فيه بعض الأصحاء وأصحاب المكانة يتخلون عن مبادئهم إما بحثا عن مغنم أو اختيارا للسلامة.. رحمة على عزازي.. الذى مثل رحيله خسارة لجيله الذى لم يستكمل المشوار ولوطنه الذى هو فى أمس الحاجة له فكرا وعطاء.. مادام بيننا من أمثال عزازى الإنسان.. ابن البلد.. الزاهد.. المعطاء.. الودود. نائب رئيس حزب التجمع