استفحلت الظاهرة.. بات التحرش سلوكًا يوميًا، وصارت مصر في مقدمة الدول التي يمارس فيها التحرش، ليس بالمصريات فحسب، وإنما بالسائحات كذلك. أين المروءة والشهامة والنخوة؟.. تبددت بكل أسف لدي قطاع عريض من الشعب المصري في الريف، والحضر، والمدينة، والقرية. تخطت الظاهرة حدود التحرش الفردي إلي التحرش الجماعي، وبعد أن كان التحرش يتم بالحيلة والتخفي أصبح يمارس بالاتفاق والمجاهرة. التدهور الاقتصادي هو الجذر، والفروع متعددة ما بين سياسية وقانونية وتربوية وتعليمية وأمنية وثقافية، أما الثمار فمسمومة تأتي لا أخلاقية دائمًا سلوكًا وممارسة. الكأس أترع حتي الفيض.. خصوصًا في العواصم والمدن المزدحمة. بورسعيد واحدة من العواصم التي تفشت فيها ظاهرة التحرش الجنسي، ففيها ربما أكثر من غيرها تضخمت تكاليف الزواج، وتأخرت أعماره، وتفشت فيها ظاهرة العنوسة متخطية الحدود المقبولة، وفيها استحكمت أزمتا الإسكان والبطالة، وانتشرت وسائط الإشباع الجنسي النظري كأبشع ما يكون الانتشار، هي مدينة اتسعت فيها فجوات التميز الطبقي، وعانت من القهر السلطوي، ومن وضع العراقيل أمام الشباب المتفتح للعلم المقبل علي الحياة.. ولأن النقاش في أمر هذا التحرش قاس مؤلم وحساس خصوصًا في مدينة صغيرة كبورسعيد، وعلي الرغم من أنها باتت ظاهرة مثيرة للجدل والغضب، فإنها علي العموم ظاهرة مسكوت عنها من قبل المتعرضات للتحرش وأسرهن خشية بوار البنت أو فضيحة ربة البيت، لذا تفشي التحرش في المدينة وصار هو المتنفس العملي الرئيسي لكل محروم أو متوهم أنه محروم، أو غير محروم لكنه صفيق ومغامر. المواجهة الحقيقية الميدانية لم تأت من الفقيه والشرطي والسياسي والقانوني والمعلم، وإنما جاءت من شباب جامعة بورسعيد، قلب المدينة النابض.. جاءت بصور وأساليب متنوعة، منها: اللافتة، المنشور، التقرير، الوقفة الاحتجاجية، السلسلة البشرية، والحديث المباشر مع المارة. فتحوا صفحات بالفيس بوك، وأنشأوا قنوات باليوتيوب. في الشارع، لم يكتفوا بيوم واحد للتحرك والمواجهة، وإنما واصلوا نشاطهم ضد هذه الظاهرة لأكثر من أسبوع حتي الآن. لم يتمركزوا في مكان محدد لا يغيرونه، وإنما وزعوا نشاطهم ما بين حيي العرب والافرنج، وطافوا بأهم المناطق، آخرها كان عند الممشي السياحي الموازي للضفة الغربية لقناة السويس، آخر حدود بورسعيد الشمالية الشرقية، مكان النزهة والتريض الذي يأتيه الجميع للتنزه ومع هذا بات يشهد حوادث مؤسفة من التحرش بالفتيات الصغيرات والنساء الكبيرات.. تعددت الحملات وتنوعت الشعارات "اعتبرني أختك يا أخي"، "خليك راجل واحميها"، "ممنوع التحرش.. أنت في مصر"، و"كما تدين تدان". آخر مبتكرات هؤلاء الشباب (فتيات وفتيان) حملة "لو انت ضد التحرش اضرب كلاكس".. ودوت كلاكسات السيارات في أرجاء المدينة في استجابة سريعة لأهداف الحملة. كلاكسات توقظ وتنبه النائمين علي آذانهم: الفقيه والشرطي والسياسي والقانوني والمعلم، وترهب المتحرشين وتعلمه أن هناك من لا يرضي عن أفعالهم الخادشة ليس فقط لحياء الفتيات والسيدات وإنما أيضاً لحياة المدينة وسمعتها.