أزمة الأحزاب التقليدية تدخل منعطف اليأس فيأتي التطرف أعضاء بالحزب يؤدون التحية لصورة هتلر لندن يسري حسين تعرضت المؤسسة السياسية البريطانية لهزة مفاجأة صعبة ، نتيجة صعود حزب «الاستقلال» إلي الواجهة وحصوله علي نسبة عالية تقدر ب 25 % من اصوات الناخبين في انتخابات محلية وتكميلية جرت في البلاد. كان زعماء حزب المحافظين المشارك الاكبر في الائتلاف الحكومي الحالي ، سخروا من هذا الحزب ووصفه كينيث كلارك الوزير في الحكومة بأنه مجموعة من المهرجين ، ولا يعبر عن الحياة السياسية في البلاد. وقد استخف رئيس الوزراء زعيم المحافظين ديفيد كاميرون بهذا الحزب ووصفه بأنه مجموعة من المهووسين العنصريين الذين يتحدثون في كل مكان بالثرثرة والضجيج والشغب السياسي لجذب الانتباه.. تراجع كاميرون عن هذه الاوصاف والتصريحات بعد ظهور نتائج الانتخابات المحلية، وقال انه لابد من احترام ارادة الرأي العام وعدم اطلاق اتهامات ضد حزب سياسي يعمل علي الساحة.. اثبتت النتائج أن حزب الاستقلال حصل علي اصوات ونسبة عالية علي حساب المحافظين. ودفع الليبراليون ايضاً من رصيدهم ، حيث خسروا عدة مقاعد في البلديات ، وان كان حزب العمال المعارض حافظ علي تماسكه ولكن بنسبة ليست كبيرة . جمهور حزب الاستقلال هم اصلا ينتمون إلي المحافظين ، لكنهم يحتجون علي سياسة الحزب ويتوجهون إلي العصيان والانضمام إلي كيان آخر يهدد الصيغة السياسية التي قامت علي ثلاثة احزاب لاكثر من مائة عام . ويدفع الحزب الليبرالي ثمنا باهظاً إذ يتراجع أمام حزب الاستقلال وينزلق إلي المركز الرابع وفي انتخابات فرعية جرت يوم الخميس فقد مرشح الحزب التأمين المالي الذي دفعه ، إذ جاء في المكان السابع بعد احتلاله خلال السنوات الاخيرة المركز الثالث دائماً . اقر نيك كليج زعيم الحزب الليبرالي بصعوبات نتيجة مشاركته في حكومة تخفض الانفاق العام لمواجهة أزمة الديون المتراكمة . والنازحون من الحزب الليبرالي إلي الآخر «الاستقلال» يتركون مواقعهم للاحتجاج علي تغيير الاوضاع وتبني سياسة محافظة ترهق الرأي العام البريطاني بالتقشف الشديد . الأزمة الاقتصادية يجني حزب الاستقلال ثمار الازمة الاقتصادية لصالح افكاره المتشددة والتي تدعو لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وغلق ابواب الهجرة أمام النازحين من الشرق والغرب ووقف المساعدات الخارجية التي تنفقها بريطانيا علي دول افريقية وآسيوية . هذا المحور الثلاثي هو قلب سياسة حزب الاستقلال وزعيمه نايجل فاراج ، الذي يتباهي بقدرة حزبه وحصوله علي نسبة عالية في انتخابات المحليات قلبت المعادلة السياسية في بريطانيا.. وكان الحزب محل طعن وسخرية من قيادات جميع الاحزاب واعضاء المؤسسة الرسمية الحزبية في البلاد.. هناك مخاوف من تأثير هذه النتيجة الجديدة علي انتخابات عامة قادمة إلي البلاد في عام 2015 ، وقد تؤثر علي تشكيل البرلمان الذي قد ينزلق لمرة ثانية إلي الائتلاف دون حصول حزب واحد علي اغلبية تمكنه من الانفراد بتشكيل الحكومة المقبلة.. هناك ضغط علي رئيس الوزراء بتحريك الملف الاوروبي والعمل لتنفيذ ما وعد به بشأن استفتاء عام علي عضوية بريطانيا . وكان كاميرون قد تحدث عن استفتاء في عام 2017 ، لكن اعضاء حزب المحافظين يرون أن الحل الوحيد لتطويق حزب الاستقلال هو الاسراع بطرح هذا الاستفتاء للاستجابة لضغط شعبي يطالب بحسم عضوية الاتحاد الاوروبي. تزايد الهجرة وقد طرحت الحكومة عدة مشروعات لقوانين امام البرلمان لتطويق طوابير الهجرة المتزايدة من دول افريقية واوروبية شرقية. لكن حزب الاستقلال يطالب بسياسة حازمة مانعة لطوفان هجرة تتدفق علي بريطانيا وتغير شكل المدن فيها في ظل زيادة اعداد المهاجرين من كل مكان ، خصوصاً من دول اوروبا الشرقية حيث استقبلت بريطانيا اكثر من مليون بولندي بالاضافة إلي آلاف من روسيا وبلغاريا ودول البلقان بجانب هجرات من الصومال وعدة دول افريقية.. المزاج البريطاني ضد الهجرة ، وحزب الاستقلال يلعب علي هذه النغمة ويضخم منها للحصول علي اصوات ونفوذ داخل الحياة السياسية بالادعاء بأنه يتحدث باسم الشارع البريطاني.. وقد ظهر الحزب منذ سنوات قليلة وكأنه «مزحة سياسية» لكنه في الانتخابات المحلية والتكميلية الاخيرة حصل علي ربع الاصوات مما يشير إلي صعود سريع والتفاف حوله من مجموعة الغاضبين علي سياسة الاتحاد الاوروبي وارتفاع الهجرة وكلفة المساعدات الخارجية لدول افريقية وآسيوية. ويدفع اعضاء حزب المحافظين رئيس الوزراء للعمل بسرعة لاعادة التوازن إلي الموقف واسترداد الغاضبين والمتمردين ودعوتهم مرة أخري للرجوع إلي المظلة المحافظة التي دافعت عنها مارجريت تاتشر والتي كانت مسئولة عن نهضة بريطانيا خلال حقبة الثمانينيات. بريطانيا أولا تاتشر كانت متصلبة مع الاتحاد الاوروبي ، وهناك من يطالب بعودة هذه الصلابة والدفاع عن مصالح بريطانيا اولا ، لأن موضوع الهجرة مرتبط بعضوية الاتحاد الاوروبي الذي يفرض قوانينه ويمنع من اتخاذ قرارات تعرقل حرية المواطنين الاوروبيين وحقهم في العمل والاقامة في بريطانيا.. ويخشي البريطانيون من تدفق موجة هجرة جديدة من بلغاريا ورومانيا طبقا لقواعد ومبادئ الاتحاد الاوروبي بعد انضمام الدولتين إلي الاتحاد واصبح من حق مواطنيها التوجه إلي بريطانيا وطلب العمل والاقامة والحصول علي ضمانات اجتماعية سخية مع سكن وعلاج ودواء. هذه الهجرة والتي غيرت وجه بريطانيا في السنوات الاخيرة مسئولة عن حملة الاحتجاج التي تجمعت داخل حزب «الاستقلال» الذي يتباهي بتعبيره عن المجتمع البريطانيا الغاضب من الاتحاد الاوروبي وارتفاع معدلات الهجرة ومساعدات لدول افريقية مثل جنوب افريقيا التي تحصل علي معونات من لندن ولديها مناجم للذهب والماس والثروات الطبيعية. وقد شنت صحف موالية للمحافظين حملة علي حزب الاستقلال واشارت لوجود عنصريين داخله يؤدون التحية أمام صورة الزعيم النازي الراحل اودولف هتلر.. لكن الحملة لم تقهر نسبة عالية من البريطانيين وتمنعهم من تأييد حزب الاستقلال ، إذ ما حدث هو العكس تماماً وأكده الزعيم نايجل فراج بأن حملات الكراهية ساعدت علي التفاف نسبة كبيرة من البريطانيين حولهم . الآن الضغط ليس علي حزب الاستقلال وانما علي المحافظين لتغيير سياساتهم وهم في السلطة لضمان الفوز في انتخابات عامة مقبلة في البلاد. خطة التغيير ثلاثية مرتبطة بالاتحاد الاوروبي لحسم العضوية وشروط البقاء لتحقيق مصالح بريطانيا أولا . الشرط الثاني وقف الهجرة بالكامل وغلق جميع الابواب امام المهاجرين ، والشرط الثالث انهاء المساعدات التي تدفعها بريطانيا وتصل إلي مليارات لدول افريقيا لا تحتاج إليها مثل جنوب افريقيا. الخروج من أوروبا امام كاميرون خيارات صعبة ومرحلة قاسية اذ عليه جذب الناخبين إليه بسياسات لها هذا الوجه المتجهم ، لأن الخروج من الاتحاد الاوروبي ليس سهلا ، خصوصاً انه وعد بالتفاوض للحصول علي مكاسب اضافية تضمن بقاء بلاده ضمن هذه المنظومة. انتخابات مايو كشفت معادلة صعبة أمام الاحزاب الرسمية الثلاثة ، اذ يصعد تيار جديد ينتمي إلي ما يمكن تسميته بأقصي اليمين ولا يملك سياسات متكاملة ، لكنه يعزف علي النغمات العاكسة لاحتجاجات في البلاد علي الاتحاد الاوروبي والهجرة والمساعدات الخارجية. وقد يملك حزب العمال المعارض سياسات اكثر حزماً لضم اصوات جديدة اليه قد ترفض الميل نحو هذا اليمين بوجهه المتأثر بالعنصرية ، لكن المشكلة التي تطرح نفسها علي الساحة البريطانية أن هناك بالفعل تهديدا يأتي من اطراف تتجه للمعارضة بهذا الشكل وتستقطب الاصوات من داخل الكيانات الرسمية . وسيكون علي حزب العمال مهمة انقاذ المعادلة ، بل انقاذ بريطانيا ذاتها من تطرف قد يؤدي إلي متغيرات شديدة للغاية.