«هيلاري كلينتون لا تحبني وأنا أيضا لا أحبها».. كلمات دندنها الزعيم الفنزويلي الراحل هوجو شافيز في أحد خطاباته الثورية وهي كلمات عبرت عن سياسته ليس فقط تجاه أمريكا إنما عن شخصيته الصريحة الواضحة التي لا تخشي شيئا، وصفه معارضوه بالمستبد لكنه أحب لقب «الجندي الثائر» قضي حياته مناضلا يصارع بنجاح قوي صغيرة وكبيرة.. هو صاحب الكلمات الآتية «لو كان لهذا العالم ضمير حي لكان ينبغي جر الرئيس الإسرائيلي إلي محكمة دولية ومعه الرئيس الامريكي- يقولون أن الرئيس الإسرائيلي شخص نبيل يدافع عن شعبه أي عالم عبثي هذا الذي نعيشه؟» أنه هوجو شافيز رئيس فنزويلا الحادي والستون والذي صار رئيسا للبلاد في 2 فبراير عام 1999 رغم الحديث دوما عن اختفاء الاشتراكية وانها فكر خاطئ وأن كان ناجحا فإن يناسب العالم الآن، إلا أن شافيز عرف بحكومته ذات السلطة الديمقراطية الاشتراكية واشتهر بمناداته بتكامل أمريكا اللاتينية السياسي والاقتصادي ومعاداته للامبريالية.. رحل هوجو شافيز مواليد 28 يوليو 1954 عن عالمنا في 5 مارس 2013، وهو الرحيل الذي أوجع الكثيرين في العالم لما عرف عن الرجل من مواقف محترمة تجاه العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة، هذا بجانب ارائه الجريئة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ومواقفه المساندة للقضايا العربية وعلي رأسها قضية فلسطين. كان لشافيز سجل عسكري متميز مع الجيش الفنزويلي حيث قام بمحاولة انقلاب فشلت عام 1992 ضد حكومة كارلوس اندريس بيريز وتوجهاتها الليبرالية واودع اثرها في السجن واطلق سراحه في 1994 واسس حركة الجمهورية الخامسة وهي حركة يسارية تعلن أنها الناطق السياسي باسم فقراء فنزويلا، ثم اختير شافيز رئيسا للبلاد في انتخابات حرة عام 1998 بسبب الوعود النبيلة التي اطلقها لدعم الفقراء والذين شكلوا وقتها الأكثرية من السكان، كما أعيد انتخابه عام 2006. شن شافير العديد من الحملات ضد المرض والأمية وسوء التغذية والفقر في بلاده فأحبه الشعب، وقد عرف شافيز بدعواته المتكررة لخلق علاقات وطيدة بين الدول الأكثر فقرا في العالم، لدرجة أنهم اطلقوا عليه لقب «زعيم حلف الفقراء» وكان ذلك بدءا بدعوة التكامل في أمريكا الجنوبية وانتهاء بدعوة الحلف الافريقي الكاريبي الجنوب الأمريكي شافيز يعتبره البعض كان شوكة في الحلق الأمريكي. فنزويلا البوليفارية فنزويلا تعرف بدولة البترول في أمريكا الجنوبية ومعني اسمها «فينسيا الصغري» وذلك بسبب الاكواخ التي كانت حول بحيرة ماراكايبو عندما تم اكتشفها وقد استمر استعمار الاسبان لها لمدة طويلة دامت ثلاثة قرون وقامت وقتها ثورات ضد الحكم الاسباني بزعامة سيمون بوليفار والذي قاد حروب الاستقلال في بلاده فنزويلا وهو الزعيم الذي ظل أمام عيني شافيز طيلة حياته واعتبره مثلا أعلي له. فحقبة الاستعمار الاسباني التي بدأت عام 1520 انهتها ثورة بوليفار عام 1821 والتي اعلنت قيام كولومبيا الكبري قبل إعلان فنزويلا استقلالها عام 1830 علي مساحة أرض تبلغ المليون كيلومتر مربع وتقع فنزويلا علي الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية وتحدها من الجنوب البرازيل. هذه هي فنزويلا أما تسميتها بالبوليفارية ففي عام 2006 فاز شافيز بفترة رئاسية أخري بنسبة 35ر61% من أصوات الناخبين وعلي أثر ذلك أخذ ثقة البرلمان لتتحول الدولة إلي دولة اشتراكية وأدي القسم علي أن تتحول فنزويلا إلي دولة اشتراكية وغير اسم الدولة من جمهورية فنزويلا إلي جمهورية فنزويلا البوليفارية ، وأعلن شافيز أن المسيح كان أول اشتراكي وبأنه سيسير علي خطاه وقام علي أثرها بتأميم شركة الكهرباء وشركة الهاتف وتمت اعادة انتخابه بأغلبية ساحقة في ديسمبر 2006 رغم عدم رغبة الولاياتالمتحدة في ذلك وفي مايو 2006 تم اختياره كأحد أكثر 100 شخصية مؤثرة في مجلة التايم. يذكر البعض أنه حين انقلب الجيش بتدبير من الرأسماليين وأمريكا علي شافيز وحبسوه في اليوم التالي ثار شعب فنزويلا واخرجه من السجن وأعادوه إلي الحكم. كلماته جاءت كلمات شافيز المؤثرة ليس فقط في نفوس اللاتنيين من محبيه ولكن مؤثرة ايضا في نفوس اعدائه «الرأسماليين» ففي الوقت الذي تصعد روحه إلي بارئها كان الملحق العسكري الأمريكي يغادر فنزويلا كشخص غير مرغوب منه وكانت العلاقات مع واشنطن قد وصلت إلي أدني مستوياتها فسياسة شافيز ظلت ضد أمريكا علي طول الخط فقد سبق واتهم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بأنه «يحارب الارهاب بالارهاب» خلال غزو افغانستان وانتقد جورج دبليو بوش عام 2006 ووصفه «بالشيطان» وحين رحب بانتخاب أوباما قال في الأممالمتحدة عام 2009 ، لم نعد نشم رائحة الكبريت كما اعتدنا» ووجه نقده للسياسة الليبرالية مرة أخري قائلا: دعوا كلاب الامبراطورية تنبح فتلك وظيفتها أما نحن فنقاوم لتحرير شعبنا». وكان شافيز أول من ندد بالعدوان الاسرائيلي علي غزة في 2009 وقبل اي بلد عربي حتي ان بعض الاعلاميين المصريين وقتها ومنهم حمدي قنديل علق قائلا: «دماء عربية تظهر في فنزويلا» وقتها صرح شافيز أن إسرائيل اقامت «محرقة» في غزة وطالب بمحاكمة الرئيسين الإسرائيلي والأمريكي أمام محكمة العدل الدولية. وفي عام 2009 أهدي الرئيس الفلسطيني ابو مازن وسام الحرية الفنزويلي من الدرجة الأولي وسيفا تذكاريا نسخة عن سيف سيمون بوليفار وفتح لفنزويلا سفارة بفلسطين وطلب من وزير التعليم توزيع خرائط الاراضي الفلسطينية علي الطلاب ليتبينوا كم هي ضيقة علي شعبها ومكتظة في غزة وحدها بأكثر من مليون و500 الف نسمة، وحتي الآن مازالت كلماته «لا فائدة من التعامل مع إسرائيل». وتعليقا علي مواقف شافيز يقول صلاح عادلي المتحدث باسم الحزب الشيوعي المصري أن هذا الرجل أخذ شعبيته نتيجة تصديه للاحتكارات والامبريالية الأمريكية التي كانت مسيطرة في بلاد كثيرة، ويضيف «عادلي» أن أهمية فنزويلا جعلتها بلدا مستهدفا من أمريكا لأنها بلد غني بالبترول فكانت أمريكا تحاول فرض سيطرتها عليها ولكن شافيز صدمها سياسيا، كما يري أن سياساته قريبة من سياسات جمال عبد الناصر وهو نفسه بالمصادفة كان يقول «أنا ناصري» ولهذا كل سياساته اتجهت نحو الفقراء ودعمهم وانحيازه لهم، كما اعاد إلي الاذهان فكرة امكانية التأميم رغم أنها سياسة استنكرها الكثيرون واعتاد حتي اليساريون علي نقدها لكنه اعادها لقاموس السياسة حين أمم بعض الشركات في فنزويلا، كما حرص علي توحيد مواقف أمريكا اللاتينية واعتبر كاسترو وكوبا مثله الأعلي في ذلك ، كما يؤكد «عدلي» أن انحياز شافيز للقضية الفلسطينية جعله معاديا للصهيونية، وبالتالي داعما للعرب وهي طبيعة أي نظام تقدمي ينحاز لقضايا الشعوب. كما كان يدعمه الحزب الشيوعي الفنزويلي لكنه كان حريصا ايضا علي وجود تعدد في الأحزاب، واعتبر «عدلي» «هوجو شافيز» خسارة كبيرة للعالم بأكمله وليس لفنزويلا فقط. دفاع شافيز عن الفقراء جعله يتعرض باستمرار لرجال الكنيسة فيتهمهم بتجاهل الفقراء والدفاع عن الأثرياء ويخاطبهم بقوله «لا يمكنكم السير علي خطي المسيح » ويصف مديري شاليهات النفط بأنهم يعيشون في شاليهات فاخرة لإقامة حفلات الخمر والعربدة»، الغريب أنه الرئيس الوحيد المذيع في العالم حيث كان يقدم برنامجا اسبوعيا بعنوان : «مرحبا يا رئيس» يغني فيه ويرقص ويطرح رؤياه السياسية وتعليقاته علي الأحداث في العالم. كل هذه المواقف جعلت وفاة شافيز تطبع حزنا عميقا علي كل من عرفه ومن ردود الافعال المختلفة علي وفاته اعربت كولومبيا عن حزنها العميق لوفاته بعد صراعه مع السرطان مذكرة انه قدم دعما مهما لعملية السلام مع متمردي حركة فادك، وقالت وزيرة الخارجية الكولومبية ماريا مولغوين ذلك في بيان خاص لها بينما أبدي الرئيس الكولومبي خوان مانويل اسفه العميق ، وقالت رئيسة البرازيل دليارو سيف أن وفاة شافيز خسارة لا تعوض ووصفته بالصديق للشعب البرازيلي، وإنه أمريكي لاتيني عظيم، وقال الرئيس السابق للبرازيل لولا دا سيلفا أن شافيز كان يناضل من أجل عالم اكثر عدالة وعبر الرئيس البوليفي ايفوموراليس- صديق شافيز- عن صدمته العميقة لوفاته بينما قطعت كوبا وهي حليف قريب لفنزويلا الارسال الرسمي للتليفزيون الكوبي وبثت صورا لشافيز. أما فنزويلا فأعلنت الحكومة الفنزويلية الحداد سبعة أيام كما نشر الجيش قواته علي الحدود وداخل البلاد لضمان السلام. يذكر أن الرئيس الراحل كان يعاني من مرض السرطان منذ يونيو 2011 وأنه سافر إلي كوبا لتلقي العلاج وأن الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو في ظهور علني واستثنائي بهافانا أعلن أن صحة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الذي يتلقي العلاج افضل بكثير، وقال إنه يتعافي وأكد كاسترو الذي نشرت تصريحاته صحفية «غرانما» الرسمية أنه يطلع يوميا علي صحة شافيز (58 عاما) والذي اجريت له عملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في ديسمبر الماضي. وقد شيعت جنازته المهيبة بحضور 30 دولة وحكومة بينهم الرئيس الكوبي راؤول كاسترو والرئيس الإيراني أحمدي نجاد وسط غياب للزعماء والحكام العرب حتي مصر، وفي بداية مراسم التشييع عزفت «اوركسترا سيمون بوليفار السيمفونية» النشيد الجمهوري الفنزويلي، ووضع نعش شافيز المغطي بعلم البلاد في وسط قاعة الشرف في الاكاديمية العسكرية التي اكتظت بكبار الشخصيات ووضع نائب الرئيس نيكولاس هادورو نموذجا للسيف الذهبي لمحرر أمريكا الجنوبية سيمون بوليفار علي نعش شافيز.