بعد عامين بالتمام سوف يجلس في قصر «الإليزيه» رئيس الجمهورية الجديد. ولم يعلن "نيكولا ساركوزي" بعد عن نيته معاودة الترشيح لفترة رئاسة ثانية يسمح له بها الدستور. وبرغم أن المعركة الانتخابية بعيدة فإن المتنافسين علي الكرسي بدأوا إعلان حملتهم فعليا ودون تردد سواء عاود الرئيس الترشيح أم لا. الجديد في الحملة المقبلة هو الصراع في قلب أحزاب اليمين إذ أعلن "دومينيك دو فيلبان"، رئيس الوزراء السابق في ظل الرئيس "جاك شيراك"، دخول المعركة ضد ساركوزي. ولم يعلن "دو فيلبان" ترشيحه فحسب بل خرج من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الذي ينتمي إليه مثل الرئيس ساركوزي وشكل حزبا جديدا في 19 يونيو باسم "الجمهورية المتضامنة" أو République solidaire. وجاء الإعلان عن تأسيس الحزب في لقاء ضم 6 آلاف مواطن من بين 15 ألفا التحقوا مسبقا بتيار "دو فيلبان" السياسي عندما أعلن نيته منذ شهور قليلة. وتوقيت تأسيس الحزب لم يحدد جزافا فهو غداة الذكري السبعين للنداء التاريخي الشهير الذي أطلقه الجنرال "شارل ديجول" من مقره في "لندن" لإعلان المقاومة ضد المحتل النازي في 18 يونيو 1940 وهي ذكري تحتفي بها فرنسا هذه الأيام رسميا وشعبيا بإعادة إذاعة النداء في ميادين المدن مع صور لرجال المقاومة الذين لبوا النداء. حركة جديدة وفي خطابه تقمص "دو فيلبان" رداء الزعيم فدعا "من يعتقدون أن القدر يتحكم في الحياة أو من سقطوا نهب التشاؤم أو اللامبالاة إلي مشاهدة هذا الحشد الذي التقي حوله ليدركوا أن هناك حركة جديدة تهب وستزداد مع الأيام في فرنسا. وألا ينسوا أنه منذ 70 سنة خلت أطلق شخص مجهول "ديجول" نداء المقاومة فترك الرجال والنساء أعمالهم وأرضهم ليحققوا ما هو أهم لحياتهم." فالمرشح "دو فيلبان" استلهم خطاب "الجنرال" ليحدد الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي المبدئي وليعلن صراحة أنه من يتقمص هذه المقاومة اليوم في مواجهة سياسة "ساركوزي" الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة "دو فيلبان" قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية. وأعلن "دو فيلبان" أنه جاء "لينقذ المسحوقين من العمال" و"فاقدي الأمل من المزارعين والذين يدفعون ثمن الأزمة الاقتصادية في حين أن من تسببوا فيها مازالوا يحققون الفوائد من حدوثها" وأن "الأزمة تسببت في إفلاس الدول" و"أن الفرنسيين يائسون وتنخفض دخول الأغلبية وتزداد الهوة بين الدخول" و"الدول الناهضة تتقدم بينما تتحول فرنسا لقوة ثانوية". فالحكام يدعون بوجود كساد اقتصادي، فعن أي كساد يتكلمون ؟ وعلي من يقع عبء سياسة التقشف التي يطبقونها ؟ فالبطالة تزداد كل يوم برغم الوعود بمواجهتها والاحتجاجات تنطلق من كل القطاعات الإنتاجية وغيرها. وأن السياسة الراهنة أفسدت مؤسسات الدولة وأصبح ضروريا فصل السلطة القضائية عن السلطة السياسية. وكذا ضرورة منع الشركات الكبري التي لها مصالح مشتركة مع الدولة في السيطرة علي الصحف ووسائل الإعلام. ويقترح "دو فيلبان" كحل لمشكلة المعاشات التي تثير أزمة كبيرة الآن بأن تزيد فترة الاستقطاع من الأجور دون إطالة مدة العمل لجميع المواطنين إلي 62 سنة حسبما يرمي إليه القانون المعروض علي البرلمان بدلا من 60 حاليا. وركز "دو فيلبان" في انتقاده لسياسة الرئيس علي بث الفرقة في المجتمع بالمناداة بأفكار مثل "الهوية الوطنية الفرنسية" و"الخوف من الآخر الأجنبي أو المسلم". ويشار إلي أن "دو فيلبان" محبوب من الجالية العربية نظرا لموقفه المعارض بشدة لحرب أمريكا وحلفائها ضد العرق وتذكر له خطابه الحاد في 2003 في مجلس الأمن.. وأخيرا في ادانته في التليفزيون للعدوان الصهيوني علي "قافلة الحرية" والقتل العمد لتسعة نشطين من المناصرين للقضية الفلسطينية. لا لمنطق الخضوع وفي السياسة الخارجية قال "دو فيلبان" إنه ليس لفرنسا أن تخفض رأسها أمام أي رئيس حتي ولو كان رئيس الصين. وعلي الدول الأوروبية أن تخرج من منطق خضوع اقتصاداتها للسوق المالية والبورصة. وأدان " الحكومة التي "ليست لديها الشجاعة لسحب قواتها من أفغانستان وتترك أبناءها ليقتلوا" و"أن سياستها الإفريقية بجانب أنها فاشلة فهي تري أن مشكلة الإفريقي أنه لم يسطع دخول التاريخ." وهو ينتقد بتلك الكلمات ساركوزي في خطاب له في"دكار"، في 26 يوليو 2007 : قال فيه "إن مشكلة إفريقيا أنها لا تضع مكانا في حياتها للمغامرة الإنسانية وليس لديها فكرة عن التقدم والانطلاق نحو المستقبل". وأثار الخطاب حينها أزمة كبيرة مع الدول الإفريقية ومع المثقفين والسياسيين الفرنسيين. ومن المبكر معرفة الحجم الفعلي الذي سوف يأخذه حزب "الجمهورية المتضامنة" في الساحة السياسية. إذ توجد عقبة لأن "دو فيلبان" مازال معرضا للاتهام في القضية المعروفة باسم فضيحة بنك "كليرستريم" التي هدفت لتشويه سمعة نيكولا ساركوزي قبل وصوله للرئاسة. فبرغم الحكم ببراءة "دو فيلبان" في آخر يناير هذا العام فإن المدعي العام، المعين من السلطة التنفيذية، قام باستئناف الحكم وسوف تنظر القضية مرة أخري في ربيع العام المقبل.