سؤال يؤرقني – كثيرا – خلال الفترة الماضية، وأعتقد أنه يؤرق كل مهتم بمستقبل هذا المسرح الذي قدم الكثير للحياة الثقافة المصرية والعربية. بالتأكيد- وبصراحة شديدة- هناك ركود تشهده الحركة المسرحية خلال العشر سنوات الفائتة، رغم وجود عدد من الأسماء المهمة من المخرجين والفنانين والكتاب المسرحيين، لكن يبدو أن المشكلة تكمن في الجانب الإداري والتمويل، فوزارة الثقافة قبل الثورة كان لا يهمها المسرح أو الأدب بقدر ما يهمها الزخرف الشكلي والذي تمثل في «احتفاليات فاروق حسني» التي تكلفت الملايين بل المليارات، فتم إقصاء الفنون المؤثرة في الشارع، فكانت تصرف الملايين لتطوير قطاعات الفن التشكيلي مثلا لأن الوزير فنان تشكيلي، في حين أن المسارح معظمها معطل، والآخر احترق كما حدث في «المسرح القومي» أكبر وأعرق وأهم مسرح في الشرق الأوسط وحتي الآن مازال «خرابة» بعد مرور خمس سنوات علي احتراقه، رغم أنه لو كانت هناك نية حقيقية لإصلاح ما تم إفساده، لكان هذا المسرح الآن شعلة ثقافية مضيئة، خاصة أنه رمز علي الحضارة الثقافية والنهضة الفكرية التي شهدتها مصر في القرن العشرين. أما باقي المسارح فلا أحد يعرف بنشاطها شيئا وكأنها تقدم عروضا سرية، في حين أن دولا عربية استفادت من تجربتنا وأصبحت في الصدارة لأنها تصرف علي المسرح معتبرة أنه «أبو الفنون» تلك العبارة التي نرددها جميعا دون أن نعمل لها، عندنا- الآن- أكثر من هيئة للمسرح – لكن بلا جدوي- وهناك مخدج قدير ومتميز علي رأس البيت الفني للمسرح، لكن أعرف أنه يعاني من قلة الإمكانات المخصصة للمسرح. ثانيا: أين المسابقات الخاصة باكتشاف الكتاب المسرحيين الجدد، فالنهضة المسرحية تبدأ من هؤلاء وأين الدورات والورش التدريبية لتنمية مهارات ممثلي المسرح، فالعملية المسرحية عملية متكاملة أولها النص المسرحي وآخرها الخشبة. ثالثا: هناك ضرورة ملحة لتفعيل مسرح الثقافة الجماهيرية- الذي لا يجد من ميزانية وزارة الثقافة إلا الملاليم- رغم ما فيه من طاقات إبداعية خلاقة بحاجة إلي اعطائها الفرصة الحقيقية. ودعونا نقول : إن المسرح هو الفن الوحيد الذي ينتمي إلي الشارع حقيقة، لأن هو المرآة الفنية الأكثر صدقا لنقل نبض الناس، علينا أن نتعلم ذلك من التجارب المسرحية الأكثر سطوعا الآن في العالم والتي تعتمد علي آليات عروض «المسرح الفقير» الذي دعا إليه «جرتوفسكي». ومصر ما بعد الثورة بحاجة إلي مسرح حقيقي، يوضع علي أولويات المؤسسة الثقافية فكفي تجاهلا لكل ما يخص الشخصية المصرية، نريد نهضة فنية حقيقية، نريد ثقافة تؤثر وتدوم. كفانا بهرجا زائفا، فقد شبعنا من ثقافة الاحتفاليات.