منها سم النحل.. أفكار طلاب زراعة جامعة عين شمس في الملتقى التوظيفي    إزالة عدد من مخالفات البناء بالقاهرة الجديدة    أسعار النحاس اليوم الجمعة 17-5-2024 في السوق المحلي    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    لاعبو الأهلي يؤدون صلاة العشاء باستاد رادس بتونس (صور)    اليوم، أولى جلسات محاكمة الفنانة انتصار بتهمة الشهادة الزور    اليوم، انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 بالجيزة    سرقة محتويات مكتب تموين العجمي بالكامل    عمرو دياب يشعل حفل زفاف ريم سامي (فيديو)    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    "الذهب في الطالع".. خبير اقتصادي: يجب استغلال صعود المعدن الأصفر    خالد أبو بكر: مصر ترفض أي هيمنة إسرائيلية على رفح    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    الاحتلال يحاول فرض واقع جديد.. والمقاومة تستعد لحرب استنزاف طويلة الأمد    وزارة الصحة الفلسطينية: شهيد و6 إصابات جراء غارة إسرائيلية على منزل بجنين    فيضانات تجتاح ولاية سارلاند الألمانية بعد هطول أمطار غزيرة    محكمة الاستئناف في تونس تقر حكمًا بسجن الغنوشي وصهره 3 سنوات    وسط حصار جباليا.. أوضاع مأساوية في مدينة بيت حانون شمال غزة    مسؤول: واشنطن تُجلي 17 طبيبًا أمريكيًا من غزة    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    خالد بيومي: هذه نقاط قوة الترجي.. وأنصح كولر بهذا الأمر    اللجنة المشرفة على انتخابات نادي مجلس الدولة تعلن التشكيل النهائي(صور)    بالأسماء.. كولر يستقر على تشكيل الأهلي أمام الترجي    موعد مباراة الأهلي والقنوات الناقلة بنهائي دوري أبطال أفريقيا.. معلق وتشكيل اليوم وتاريخ المواجهات    أزمة في المنتخب الأولمبي قبل الأولمبياد (مستند خاص)    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    استعدادات المواطنين لعيد الأضحى 2024: البحث عن أيام الإجازة في القطاعين الحكومي والخاص    "دلوقتي حالًا".. مباشر جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القاهرة    إصابة 6 أشخاص بطلقات نارية في معركة خلال حفل زفاف بأسيوط    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه في بداية الأسبوع والعملات العربية والأجنبية السبت 18 مايو 2024    حظك اليوم برج الجدي السبت 18-5-2024 مهنيا وعاطفيا    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «اللي مفطرش عند الجحش ميبقاش وحش».. حكاية أقدم محل فول وطعمية في السيدة زينب    حظك اليوم برج الدلو السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    "الدنيا دمها تقيل من غيرك".. لبلبة تهنئ الزعيم في عيد ميلاده ال 84    عايدة رياض تسترجع ذكرياتها باللعب مع الكبار وهذه رسالتها لعادل إمام    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    ارتفاع سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 18 مايو 2024    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    "الصدفة خدمتهما".. مفارقة بين حارس الأهلي شوبير ونظيره في الترجي قبل نهائي أفريقيا    الأرصاد تكشف عن موعد انتهاء الموجة الحارة التي تضرب البلاد    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    هل يمكن لفتاة مصابة ب"الذبذبة الأذينية" أن تتزوج؟.. حسام موافي يُجيب    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الحرائق الفوضوية في المسرح المصري
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 09 - 2011

إنها أيام سبتمبر التي لم تعد كما كانت أرق أشهر الصيف في مصر، فمنذ أعوام مضت يطل سبتمبر بحادث استنثائي في قدرته علي إصابة القلب بالألم.... فمع الخامس منه هذا العام تحل ذكري حرق عدد من الفنانين والمثقفين وعشاق المسرح المصري في محرقة المسرح بقصر ثقافة بني سويف في الخامس من سبتمبر 5002، ست سنوات مضت علي رحيلهم الفوضوي. كانوا جميعهم من أهم أعضاء السبيكة النفيسة للمسرح المصري التي هي قلب القوة المعنوية للثقافة المصرية.
صدمة مفجعة انتقت بيد الموت خيرة من مثقفي مصر، معظمهم عاصر البدايات المزدهرة لنهضة المسرح المصري الستينية، وقبضوا علي جمر المسرح الجاد في السبعينات والثمانينات، وعاشوا محاولة استكمال مشاريعهم المسرحية في التسعينات، كانوا كالمتصوفة يبذلون الجهد والوقت والعمر في محراب المسرح المصري الجاد، كان قد بدأ المناخ المسرحي ذاته يحرق الجميع، كان المسرح يتراجع، وكان مشروع الدولة للمسرح التجريبي هاما وملتبسا ومحاطا بالتهم المتعلقة بالرغبة في افراغ المسرح المصري من المعني.
لكنهم قد انتظموا في تطوير أدواتهم المسرحية والنقدية مستهدفين البقاء في منطقة الكفاءة القصوي في التواصل مع مستجدات المسرح العالمي.
د. محسن مصيلحي عاد من بعثته من انجلترا ليواصل ترجماته وابداعاته ويواصل الدرس مع منح فولبرايت وغيرها ليحرص علي التواصل مع المشهد المسرحي العالمي، ود. صالح سعد يظل يبحث عن المعرفة عبر التجربة الجادة لمسرح السرادق إلي أن يحصل علي منحة للسفر لروسيا، ويبيع بعضا من ممتلكات الأسرة ليكمل دراسته للدكتوراه ويعود ليترجم ويحب ويسهر ويمارس الاخراج المسرحي في ذات الظروف الموضوعية القاسية للانتاج المسرحي في مصر..... مع ازدياد المعرفة والانفتاح البصير علي المشهد الثقافي العالمي أصبحا في مأزق مشترك، كانا رحمهما الله يعانيان مرارة حبس المعرفة.
فكلما ازداد الفنان المسرحي في مصر كفاءة، ازداد بعده عن التفاعل الطبيعي مع شروط الواقع المسرحي الصعبة، وغير الانسانية أحيانا.
مسرح محاط بالهزل من كل جانب وكانت آنذاك صيغة المسرح التجاري القائمة علي ثلاثية الرقص العاري والضحك الخشن والطرب العشوائي هي السهل المحقق للربح الكبير، بينما الفن والعرق والدموع تنتظر الجادين في المسرح الرسمي للدولة.
بات عدد الفنانين أكبر بكثير من فرص الانتاج القليلة المتاحة تكررت المشروعات غير المكتملة والتدريبات التي تطول أحيانا لمدة عام، ترك كتاب المسرح من جيل أساتذتهم العمل به، أو الكتابة عنه، وصنعوا دخولا مادية كبري إما بالمناصب الحكومية أو بالسفر للخليج، وبقي جيل محسن وصالح في محرقة القاهرة ونحن معهم.
كان بعض الناقدين في ديوان وزارة الثقافة المعقد القائم علي شخصية المؤسسات يخرجون لنا ألسنتهم ساخرين من فكرة الفنان التي تركوها خشية خشونة الممارسة المسرحية علي أرض الواقع، وكأنهم يعاقبون الأكفاء بغيرة ومنافسة لاشعورية ضد تلاميذهم الذين لم يغادروا ساحة الإبداع والنقد المسرحي.
خفضوا الأجور بطريقة لا إنسانية الميزانيات المسرحية هزيلة جدا، مكافأة النقد المسرحي بالصحف، ومكافآت الكتب والترجمة تكاد تكون هزلية، ناهيك عن غياب أسس أي علاقة تعاقدية جادة مع المؤسسة في ظل وجود عقود الإذعان في ممارسة المسرح المصري، وهي عقود تمنح المؤسسة كل الحقوق، بما فيها حق إلغاء العمل في الوقت الذي تشاء وبدون إبداء الأسباب.
وتحرم الفنان من أي حق له وهي عقود لايراها الفنان إلا بعد انتهاء العمل تقريبا عندما تنتهي الإجراءات القانونية وهي حجة تتآمر بها مؤسسات وزارة الثقافة المسرحية ضد الفنان لتحرمه من أبسط حقوق العمل، مما فتح الباب لصنع مدراء ووكلاء وزارة للاستبداد المسرحي حققوا كل طلبات الأجهزة المعنية بعدم بلوغ الحرية مداها الصحيح، وتحولوا لمجموعة من المستبدين الصغار، إلا قليلا منهم حافظوا علي الحد الأدني لشروط الانتاج المسرحي.
وهي ايضا في اطار الدائرة الشخصية في الأداء....
كان الاطار الموضوعي للعمل بالمسرح شديد الوطأة، كان بالفعل حرقا معنويا للجميع، وتحديا فجا للكفاءات، وانتصارا للفن المكرر والنمطي، وانحيازا للغلظة والإذلال للفنان، بعضنا هاجر للتدريس والكتابة بالصحف. وبعضنا آثر الصمت، وبعضنا دخل حروب طواحين الهواء القاتلة.
ومن لم يمت بالحرق مات بتبديد الطاقة والارادة والعمر.
إلي هذا الحد عاش المسرحي المصري الكفء حالة من الاقصاء المتعهد بينما مارس متوسطو القيمة تقديم صورهم المسرحية المنتحلة والمكررة والطاردة للجمهور بدأب وإصرار.
كان التوافق مع الواقع يساوي الابتعاد عن الأحلام الفنية الجديدة، كان مهرجان المسرح التجريبي بمثابة نافذة تفتح علي العالم سنويا، لإغاظة أهل المسرح الذي تعادي تجريبيته كل مؤسسات انتاجه في ذات الوزارة التي تقدمه، باتت السخرية من جيلي الذي حاول تطبيق المناهج النقدية الحديثة سمة متكررة، رحم الله حازم شحاتة الذي منح من عمره أهم سنوات النضج لهذا الدرس النقدي الجديد، لكنهم اغلقوا مجلة المسرح، المكان الوحيد الذي انتظم فيه جيل جديد من النقاد يحاول ان يمسك بحساسية نقدية مسرحية جديدة، وتركونا للصحف ولصفحات الفن التي نجاهد لكتابة نقد ذي اصل ثقافي بها، فهي لاتهتم كثيرا لا بالنقد الثقافي ولايعني القاريء المهتم بها امر المناهج النقدية الحديثة تلك التي أنفقنا زهرة شبابنا في جمع المعرفة حولها.... عبث، معظم النقاد تركوا الساحة..... معظم أصحاب الصفحات المسرحية في الجرائد أصبحوا مؤلفين.
بينما تكتب صفحة المسرح بالأهرام القاهرية عن نجاحات المسرح المصري بشكل منتظم، حتي لانحرمك ياصديقي الفنان المسرحي من الغيظ فعن أي حرق معنوي تتحدث.
بات الفنان المسرحي منسحبا لا يملك فرصة استكمال مشروعه الابداعي، وكان الهواة هم البديل ثم محاولات الفرق المستقلة.
ينجح الجريتلي في فرقة الورشة ثم يختفي..... يشكل الهواة تيارا كبيرا لايتيح الفرص للمواهب الفردية إلا قليلا.
ويظل الناقد أحمد عبدالحميد رحمه الله يواصل مشواره مع الإبداع المسرحي الهاوي في أقاليم مصر وهو الدور الذي كاد أن يختفي الآن، ليذهب ومعه بهائي الميرغني المثقف والمخرج المسرحي المنحاز ثقافيا للفقراء وللجماعة الشعبية المصرية.
والسهل البسيط العميق في فهمه للممارسة الثقافية نزار سمك وجميع الأصدقاء الذين أشرت اليهم وغيرهم، يذهب معهم أحمد عبدالحميد المتحمس مكتشف المواهب من جميع أنحاء مصر ومعه طاقة الحب والفهم والصفاء د. مدحت أبوبكر الذي أحب المسرح وداوم علي محبته له حتي لقي ربه فيه، وجميعهم ذهبوا خلف طاقة الصدق التي يمنحها هواة المسرح في مهرجان النوادي كان وقتها في بني سويف.... ذهبوا لأداء دور ثقافي هام نحو جيل موهوب قادم من كل أنحاء مصر يمارس الإبداع بلا مقابل مادي، ويقوم بتقديم عروض مسرحية كانت ميزانيتها آنذاك حوالي خمسمائة جنيه مصري لاغير.
وكان القدر ينتظرهم، وكانت الفوضي ترتب لهم المحرقة فلا تأمين لقاعة الفنون التشكيلية التي تحولت لمسرح، ولامتابعة دقيقة ادارية او تنظيمية فالأخصائي الثقافي هناك في الأطراف مرهق براتب هزيل وبمستقبل غير واضح المعالم، في ظل قيادات منتدبة لفترات طويلة لاتهدف من رئاسة هيئة قصور الثقافة الا -ادارة- كمكافأة لنهاية الخدمة أو كمحطة تأهيل وانتظار لمنصب سياسي أعلي، هكذا حلموا جميعا فقاتلوا للفوز برضا أهل الحكم، وتركوا الجمهور المستهدف.
اشتعلت المحرقة ثم ظلوا يبحثون عن مسئول للعقاب وخرجت كل القيادات براءة في استئناف جنح بني سويف بتاريخ 41/3/7002.
وتم رفض استقالة وزير الثقافة. ثم تم انفاق مبلغ سبعة عشر مليون جنيه بعد أربع سنوات من الحريق لاعادة افتتاح قصر ثقافة بني سويف.
في اطار سياسة انفاق الملايين علي الانشاءات والمباني الضخمة الزائدة عن الحد الطبيعي لمبان ثقافية لخدمة الجمهور العام.
وبينما أنفقت وزارة الثقافة المليارات علي الأبنية، لم تنظر لميزانيات وأجور العمل الثقافي الثابتة منذ ربع قرن تقريبا.
وكأن الانسان هو المستهدف وكأن حصار المثقف الاقتصادي والمهني، كان هدفا في حد ذاته ليخفف وطأة مطالبته بالتغيير وبالمستقبل.
ثم التبس كل شيء، دخلنا لجنة المسرح بالمجلس الأعلي للثقافة لتطوير المهنة، فكانت كل اوراقها حبرا لايقرأ، ثم اطلقوا علي المجلس نفسه الحظيرة.... كانت وزارة الثقافة تقتل ابناءها وتأكلهم يوميا بنهم، وتزيدهم كمدا بتحويل انصاف الموهوبين لأصحاب ثروات من الاغداق عليهم من أموال الشعب المصري في اخراجهم لاحتفالات متنوعة لاتحصي... حرقوا بالفعل اصدقائي ولكن حرق قلب المسرح المصري لم يتوقف.
بل كان الحريق فرصة لانفاق ملايين كبيرة من مكتب وزير الثقافة مباشرة عبر المشرف علي مكتبه آنذاك والمشرف علي أمن الوزارة، حيث شكلوا لجنة لتأمين المسارح والمباني من الحريق، ولكن أول حريق فعلي بالمسرح القومي 8002 اثبت انها اجهزة معطلة ولم يعمل خزان الاطفاء وضاعت الملايين، ولم نعرف ان اعضاء اللجنة التي تسلمت تلك الأجهزة قد تمت مساءلتهم حتي الآن، فلا مدير القومي المحروق تم عزله، بل قام وزير الثقافة آنذاك بترقيته لرئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، ليكرر حريق البالون في رمضان الماضي انه اصرار علي الحرق، ومازالت قضية القومي محل نظر جنح مجمع الجلاء للمحاكم (جنوب القاهرة) ولم يعلن فيها حكم حتي الآن.
فلماذا لايعبث المدللون جنونا ولهوا وخروجا عن الأدب والعرف والتقاليد الثقافية والاجتماعية، اذا كانت مكافأة الاهمال هي الترقية ومزيد من الاقصاء للشرفاء.
تلك الملايين الكبيرة التي تم انفاقها علي المسارح خاصة في الأقاليم تحتاج لمراجعة في ضوء ان معظم مسارح وزارة الثقافة خارج القاهرة مغلقة بأمر الدفاع المدني لعدم صلاحيتها.
أما المسرح القومي المحروق فيقف شاهدا علي ان هؤلاء أنفقوا الملايين باسم الشهداء في بني سويف لمنع تكرار الحريق بينما كانت الأجهزة غير صالحة للعمل.
أتذكر عم عبدالرحيم خفير قصر الثقافة في اسيوط الرجل ذو الجلباب الأزرق كيف كان يقطع الكهرباء عن المكان بعد رحيل الرواد وينام ليله علي ضوء مصباح غازي كان يستخدمه للاضاءة ولصنع الشاي.... ولم تكن المباني تحترق، كان اهلها يحبونها جدا.
المسألة اذن ليست في الملايين ولا في اللجنة المشكلة لانفاقها المسألة في هذا الرجل الذي كان ينفقها علي الحجر ويحجبها عن البشر انه ليس وحده، لقد كانوا معه يجمعون الأموال ويقتاتون علي التنصت علي ادق اسرار المثقفين، ويخرجون لنا ألسنتهم من المكاتب مكيفة الهواء مشعلو الحرائق هم الذين صنعوا من المجال المسرحي والثقافي في مصر محرقة كبيرة لايعاقب عليها القانون، محرقة سيعاقبهم عليها المستقبل والتاريخ لحق بهم العار الذي حاولوا ان يلحقوه بنا، خرجنا رغم كل شيء ببعض الحروق الطفيفة والحروق الدائمة والحزن المستمر، لكننا قبضنا علي إرادتنا، وظل الشرفاء منا مرفوعي الرأس كرماء بلا أموال طائلة ولكن بمعرفة مختزنة وبتجربة انسانية حقيقية عميقة عمق ألم تصرف الصغار في هيئة الأساتذة الكبار في مقادير اعمارنا.. مازالت لدينا ايام قادمة.... حدثت ثورة 52 يناير لذات أسباب مشابهة في كل أنحاء مصر، حرقت قلب الوطن فثار ليصمهم بالعار والخزي وليبقي الشرفاء شرفاء رغم كل النيران الفعلية والمعنوية.
رحم الله جميع شهداء 5 سبتمبر 5002 من كل الأجيال من الأصدقاء والأحباء من محبي المسرح وفنانيه وجمهوره.
درس الذكري، ومشهد الحرق المعنوي الطويل المدعوم بالحرق الفعلي بجحيم النار ذكري الألم وعلامة علي ايام صعبة عبرها المثقف المصري قاوم خلالها، تابع وأصر، رفض وكتب ضد الفساد في حينه آنذاك عندما كان ثمن الموقف الشريف باهظا بالخسة والمؤامرة.
بينما جلس عدد كبير في نعيم مقيم حصدوا الجوائز ومقاعد الإدارة ورضا الأمن وصاحب الصولجان... لم يكن رهان الشرفاء ابدا علي الانحياز لمصر هو رهان الجنون والخسارة كما كانوا يسخرون في خلواتهم من اصحاب المواقف الشريفة انتم الخاسرون، وللشهداء الجنة ولنا مصر القادمة التي عادت.... من المحروق اذن؟ سؤال يستحق التأمل ونحن نتابع بطء رياح التغيير في اداء المؤسسة الثقافية في مصر ما بعد الثورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.