منذ عام 1920 وطيلة 90 عاما ونحن لدينا حزمة من القوانين التي تحكم قضايا الأسرة المصرية من زواج وطلاق ونفقة ورؤية الأبناء.. ورغم خضوع هذه القوانين للتعديل 4 مرات فإنه لم يتم وضع قانون موضوعي شامل ينظم العلاقات الأسرية ويحقق الأمان والاستقرار لكل أفرادها ويرتكز علي مبدأ المواطنة وحقوق الإنسان ويستلهم الرؤي المستنيرة والفهم الصحيح للأديان.. جاء ذلك خلال الحلقة النقاشية التي عقدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في إطار مؤتمره السنوي الثاني عشر حول الشخصية المصرية وثقافة التغيير كطبيعة علي مقترحات تعديل قانون الأحوال الشخصية. أشارت د. نادية حليم - أستاذ علم الاجتماع بالمركز - إلي تلقي مكتب شكاوي المرأة بالمركز القومي للمرأة في عام 2008 219 شكوي بنسبة 9% من إجمالي الشكاوي أغلبها عنف وجه من الزوج يشمل الضرب والسب والطرد من منزل الزوجية، بالإضافة إلي شكاوي تؤكد معاناة المرأة من عدم التمكن من الحصول علي حقوقها التي كفلها لها القانون، وطلبات الطلاق للضرر وصعوبة الحصول علي النفقة ومشكلات حول الحضانة وضم الصغار.. كل هذا يؤكد أن قانون الأحوال الشخصية في مصر مليء بالثغرات والمعوقات الإجرائية. وأوضح أن قوانين الأحوال الشخصية تأسست في مراحل تاريخية تختلف فيها الظروف المجتمعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية عما هو حادث الآن، ولذلك اتجهت الدعوة لوضع قانون موضوعي جديد يحقق العدالة لأطراف الأسرة وصاحب مناقشة مشروعات القوانين المقدمة الكثير من الجدل والنقاش. وفي استطلاع للرأي أجرته «د. نادية حليم» و«د. حسن سلامة» الخبير بقسم البحوث بالمركز حول تعديلات قوانين الأحوال الشخصية وعلاقتها بسمات الشخصية المصرية خاصة سمة مقاومة التغيير وغياب الاتجاه إلي مناقشة التراث بموضوعية وعدم الرغبة في مواكبة المتطلبات التي يفرضها الواقع. أجري الاستطلاع علي عينة شملت 795 مفردة موزعة علي أحياء القاهرة الكبري توزعت علي كل الأعمار مثلت المرأة فيها نسبة 52% والرجل نسبة 48% وشملت نسبة مسيحيين حوالي 3.15%. وأشارت نتائج الاستطلاع إلي وجود نحو 40% من العينة لا تسمع عن التعديلات التي أضيفت إلي وثيقة الزواج القديمة وكشفت النتائج فيما يخص جزئية توثيق الزواج وأنواعه أن المجتمع يموج بتيارات متعددة فرغم كثرة الندوات واللقاءات الخاصة بالتوعية لضمان حقوق المرأة في الزواج، ورغم رفضها أي صورة للزواج بخلاف الرسمي الموثق فإن هناك ميلا نحو إتمام زيجات عرفية أو بروز بعض صور زواج أخري مرفوضة كالمسيار أو الزواج المؤقت وهو الأمر الذي يعكس أهمية وضع إطار قانوني ملزم يحدد صور الزواج الشرعي ويحد من الصور الأخري غير الشرعية. تعدد الزوجات وفيما يخص تعدد الزوجات كشفت نتائج الاستطلاع أن 80% من العينة تري أن الزواج الثاني يلحق الأذي بالزوجة الأولي ورغم ذلك فإن مناخ الرأي يكشف وجود سجال كبير حول قضية التعدد ويربطها بشروط معينة وآخر يري أن التعدد حق كفلته الشريعة ومرده في التقدير إلي الزوج دون تدخل جهة أخري كالمحكمة فبلغت نسبة المواطنين الرافضين من الذكور 9.88% في أن يأخذ الزوج إذن القاضي في الزواج بأخري أما الإناث 1.70% رغم أنهن المضار الأول، وأشار 34% من المبحوثين إلي أن الزواج الثاني حق مطلق للرجل وهو ما يعكس ثقافة متصلة قد لا ترتبط بصحيح الدين، و68% رفضوا تدخل القاضي لتحديد الزواج الثاني لأن هذا أمر يخص الزوجين فقط. أما قضية إثبات الطلاق أمام القاضي فأكدت «د. نادية حليم» أن أكثر من ثلاثة أرباع العينة رفضوا أن يكون تطليق الرجل لزوجته أمام القاضي بنسبة 7.76% مقابل 3.23% وافقوا علي ذلك مما يؤكد التمسك بالمكتسبات التي تمتع بها الرجل علي حساب المرأة وعدم قدرة المرأة علي قبول تغيير في صالحها. وفيما يخص تأمين الزوجة ماديا في حالة الطلاق وافق 6.77% من الذكور و3.92% من الإناث ورغم ذلك نجد كثرة الشكاوي والقضايا التي تطالب بالنفقة أو منزل الحضانة مما يؤكد وجود نوع من الازدواجية بين ما نقول وما نفعل.. وفي موضوع الرؤية أوضحت نتائج الاستطلاع أن أهم المشكلات التي تحدث بعد الطلاق هي الخلاف علي رؤية الأبناء بنسبة 7.73% والخلاف علي النفقة بنسبة 5.60% ثم الخلاف علي المسكن بنسبة 8.34% وحول صلاحية أي من الأبوين لتربية الطفل بعد الطلاق كان هناك شبه إجماع أنها الأم في حالة عدم زواجها بنسبة 1.83% والمثير للجدل أن هناك إصرارا علي ألا تتزوج المرأة بعد الطلاق لكي تتفرغ لرعاية الأبناء كأن هذا الحق هو للزوج فقط الذي يفترض أنه إذا تزوجت الأم فهو الأحق بالأبناء. الطفل والرؤية وحول المدة الكافية لبقاء الطفل مع الطرف غير الحاضن، أشارت النتائج إلي 5.24% طالب بأن تكون الرؤية يوميا أو أكثر من مرة أسبوعيا، و4.27% طالب بأن تكون في الإجازات، و5.36% بإن تكون شهرا كل عام.. ورغم معاناة المسيحيين أيضا من تراكم حالات الطلاق وصعوبة الحصول عليه وصعوبة الزواج مرة أخري حيث تحتوي لائحة عام 1938 التي أقرها المجلس الملي علي عدة مواد تعامل المرأة علي أنها تابع ينفق عليه الزوج مقابل خدمته وتربية أولاده وترفض الكنيسة تطبيق الأحكام القضائية التي تقضي بالطلاق لأسباب لا تتصل إلا بالزني أو الخروج علي الدين أو الإصابة بالجنون ورهبنة أحد الزوجين أو إصابته بأحد الأمراض المعدية والاعتداد علي حياة الآخرين ورغم ذلك لا يوجد تشريع يعكس وعيا بالتحولات والمشكلات الناتجة عن تطبيق اللائحة الحالية الصادرة منذ عام 1938 وحتي الآن. وأشارت نتائج الاستطلاع إلي أن نصف العينة من المسيحيين لا يدرون شيئا عن أمر ما يحكمهم من شرائع وفيما يخص الموافقة علي الزواج بعد الطلاق رأي 6.65% ضرورة موافقة الكنيسة علي زواجهم مرة أخري ولم يقبل سوي نسبة 5% تقريبا بأن يكون حكم المحكمة نهائيا دون أن تكون هناك موافقة من الكنيسة وهو يطرح بعض سمات الشخصية المصرية أهمها التدين والانصياع وراء رأي رجل الدين كما رأي 3.66% ضرورة أن تكون الكنيسة هي الجهة الوحيدة التي تفصل في الخلافات الزوجية و6.33% يري ضرورة أن تشترك المحكمة والكنيسة معا في حسم هذا الخلاف ولم يوافق سوي 1.4% في أن تكون المحكمة وحدها هي جهة الاختصاص في حالات النزاع. وتحتل قضية الأبناء في حال تغيير أحد الطرفين دينه أهمية بالغة بين الأسر المسيحية تحديدا خاصة إذا حدث ذلك والأطفال مازالوا في سن الحضانة التي ارتفعت حسب قانون الطفل إلي 15 سنة للطفل وحتي الزواج بالنسبة للطفلة وتشير نتائج الاستطلاع إلي أن التوجه الغالب هو أن يكون الأطفال في سن الحضانة مع الأم بنسبة 40% وأن يظلوا مع الطرف الباقي علي دينه أو أن يبقي الطفل علي الدين الذي ولد عليه وتصل نسبة أصحاب هذا الرأي إلي 6.42% ومن الحالات التي رأت أن يظل الطفل علي الدين الذي ولد عليه حوالي 6.10%. الشخصية المصرية وخلصت النتائج إلي أن الشخصية المصرية تتسم بعدد من السمات أهمها عدم قبول التغيير السريع، والميل إلي التمسك بالتراث وعدم التجديد بسهولة والازواجية بين ما يقول وما يفعل إضافة إلي سمات الصبر والسلبية والاستكانة. وأوضحت «د. نادية حليم» وجود هذه السمات ولكن ليس بنفس المقدار بين فئات الشعب المتباينة مشيرة إلي أن سمة الصبر سمة محمودة إذا كانت في مواجهة ما لا حيلة للإنسان فيه أما إذا كان الصبر أمام ما يمكن للإنسان أن يغيره فهذا ولا شك سمة ليست مطلوبة. وأوضحت أن التغير ليس هدفا في حد ذاته إلا أنه توجه مهم لمراجعة التراث وتنقيته والأخذ بالمستحدث الذي يؤدي إلي خير المجتمع والتوازن والتجانس بين الجزئيات التي يتركب منها. وتطالب د. نادية حليم بضرورة سن قوانين جديدة تتجاوب بصورة أكبر مع معطيات الزمان الحاضر، فضلا عن الاحتياج الملح إلي استنارة دينية والإتيان بثقافة التغيير. وتعليقا علي ذلك أشار المستشار «حسن بدراوي» مساعد وزير العدل إلي أن قانون الأحوال الشخصية الحالي مازال يكرس فكرة الحريم مشيرا إلي أن القانون وضع عندما كانت المرأة لا تحصل علي التعليم الكافي ولا تنخرط في مجال العمل ولا تستطيع أن تتحمل أي مسئولية خارج نطاق دورها الإنجابي ولكن وضع المرأة الآن تغير فالمرأة اليوم تتعلم وتعمل وتشارك في تحمل المسئولية للأسرة والدولة أيضا مع الرجل. ودعا «د. حسن بدراوي» إلي حوار مجتمعي شامل من أجل صياغة قانون جديد للأسرة يلبي احتياجات المجتمع فضلا عن عقد جلسات استماع حول القانون الجديد. أما «د. عبدالمعطي بيومي» - عميد كلية أصول الدين عضو مجمع البحوث الإسلامية - فأكد أن الشريعة الإسلامية ليست جامدة كما يدعي البعض وعلينا أن نأخذ في تعديلات قانون الأحوال الشخصية بالتأويل المستنير لما جاء بالشريعة الإسلامية وألا نتقيد بمذهب واحد. وأشار القس رفعت فكري - راعي الكنيسة الإنجيلية - إلي الانحدار الثقافي مؤكدا أننا نتراجع واعتبر أن التأويل واستنباط الأحكام من النصوص الدينية أمر متغير ويمكن أن نعيد النظر إليه من جديد. وطالب بضرورة سن قوانين جديدة ودستور جديد تنص علي دولة مدنية ويكون الدين داخل دور العبادة فحسب. الأمان والاستقرار وتتفق المحامية «عزة سليمان» مع الآراء السابقة مشيرة إلي ضرورة سن قانون جديد للأحوال الشخصية يساير التطورات والتغيرات ويحقق الأمان والاستقرار لكل أفراد الأسرة ويرتكز علي مبدأ المواطنة وحقوق الإنسان ويستلهم الرؤي المستنيرة والفهم الصحيح للأديان السماوية. ورفضت المستشارة تهاني الجبالي أن يستخدم الراغبون في التشدد نص المادة الثانية في الدستور الخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية وسيلة للنيل من حقوق المرأة والأسرة خاصة في سن قوانين للأحوال الشخصية. وطالبت بأن تتم دراسة الإطار الدستوري في تطبيق المادة الثانية خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والأسرة مؤكدا أن هذا النص تعرض للالتواء واستخدامه في غير أغراضه.