الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبدالناصر كان خلافا سياسيا ولم يكن خلافا دينيا كما ادعوا من قبل أن حسن الهضيبي اعتبر ثورة يوليو «إخوانية» يجب السيطرة عليها وهذا ما التقطه عبدالناصر ورفضه بشدة، هكذا أكد د. ثروت الخرباوي المحامي والقيادي السابق بجماعة الإخوان والذي أعلن انفصاله عن الجماعة في 2002، «الأهالي» التقت به بعد تصريحات أخيرة له حول أفول جماعة الإخوان كما يتوقع والخلافات القائمة حولها وعلاقتهم بعبدالناصر. لماذا يكره الإخوان جمال عبدالناصر.. وكيف كانت العلاقة بينهما؟ - كان جمال عبدالناصر «شخص ناشط سياسي» قبل ثورة 1952 وتنقل من باب المعرفة للواقع لكثير من التشكيلات والتكوينات الفكرية وتعرف علي حسن البنا وقامت علاقة جيدة بينه وبين البنا فكان عبدالناصر يحترم البنا وكان البنا يحب عبدالناصر، وهذه أشياء مقطوع بصحتها وثبتت تاريخيا، ثم تعاون عبدالناصر مع التنظيم الخاص بالإخوان وعندما قامت ثورة يوليو كان هناك بالفعل شخصيات إخوانية منتمية للضباط الأحرار مثل عبدالمنعم عبدالرءوف، مجدي حسين حمودة، محمود لبيب، حيث كان هناك شكل من التعاون وقتها بين الضباط الأحرار والإخوان إلا أن «حسن الهضيبي» اعتبر الثورة «إخوانية» واعتبر أن الشباب الذين قاموا بها هم من الشباب الذين يسهل السيطرة عليهم ومن الممكن ضمهم تحت جناح الجماعة لتكون «الجماعة» هي الحاكمة لمصر وبدأ الخلاف. متي كانت البداية تحديدا؟ - عندما طرحت الثورة فكرة تحديد الملكية الزراعية والملاحظ أن «الجماعة» كانت تضم كبار ملاك الأراضي الزراعية مما هدد ذلك المصلحة الشخصية للإخوان ومنهم «الهضيبي» نفسه الذي كان يمتلك هو وأسرته آلاف الأفدنة في مناطق القليوبية بشبين القناطر ثم جاءت بعدها طرح عبدالناصر لاتفاقية جلاء الإنجليز والتي رفضوها وحينما بدأ «ناصر» تشكيل الوزارة الجديدة أرادت الجماعة السيطرة عليها بأكملها في حين فضل هو إعطاءهم 3 أو 4 وزارات فقط كل هذه الأشياء أدت لفراق سياسي ورغم ذلك ظل عبدالناصر يحافظ علي «شعرة» معاوية بينه وبين الإخوان إلا أن احتجاجاتهم ومنشوراتهم زادت ضده بدءا من 1954 واعتبروا عبدالناصر خائنا للوطن والدين. هكذا ببساطة تحول الخلاف معه إلي اتهام في وطنيته؟ - بالفعل رغم بدء الخلاف «سياسي» لكنه تحول لاتهام في وطنية عبدالناصر وأيضا اتهامه في دينه وكان عبدالناصر وقتها بدأ في اعتقال بعض قياداتهم وتوسط بعدها عبدالعزيز كامل لإنهاء النزاع وبعد الموافقة قال عبدالناصر: «أنا واثق أن الهضيبي لن يلتزم بالاتفاق وكل ما أطلبه من الإخوان ألا يقفوا ضد اتفاقية الجلاء وألا يخرجوا مظاهرات ضدها لأنها ستعطي شرعية النظام أمام العالم واعتراف به». وهل كانوا يحشدون كما يحدث الآن في مظاهراتهم؟ - بالفعل نفس طريقة الحشد وكان وقتها عددهم مثل العدد الحالي لأن الإخوان كانت «حركة معلنة» وتوجهاتها كانت دعوية في كثير من الشباب المتحمس انتمي لها فمثلا تجد شابا وفديا أو سعديا منتميا للجماعة وكأنها مدرسة دينية، وأعدوا مظاهرات بالآلاف ضد عبدالناصر ولم يكن هو لديه رغبة في قمعها بالقوة ولكنه كان بدأ تشكيل الاتحاد القومي فخرج أعضاؤه في مظاهرات مؤيدة له وهكذا حتي زاد الأمر عن حده وخرجت رصاصة الرحمة لتقضي علي شعرة معاوية بين عبدالناصر والإخوان «بحادث المنشية». خلاف سياسي حاولوا قتله أليس كذلك ولم يحاولوا تخويفه؟ - نعم حاولوا قتله وقد خطط له ورتب له هنداوي دوير المحامي ومحمود عبداللطيف «النشنجي» وهذا من مذكراتهم الشخصية مثل مذكرات عبدالعزيز كامل ويوسف القرضاوي، ووقتها ذهب يوسف طلعت مسئول النظام الخاص وأخبر الهضيبي في مخبئه بالإسكندرية بما ينوي هذان الشخصان عمله فرد الهضيبي: «يعملوا ما يريدون إلا أنني أنا والجماعة ليس لنا علاقة». وهذا الأمر يترجم الآتي: أن الصراع بين الجماعة وعبدالناصر لم يكن صراعا دينيا بل سياسيا ولم يكن أيضا أيديولوجيا لأن الجماعة نفسها لم يكن لها أيديولوجية واضحة وقتها وهناك مقال مشهور لسيد قطب بداية ثورة يوليو يطالب عبدالناصر والضباط الأحرار بوأد المظاهرات بالقوة وإعدام كل من يتظاهر ويطالب باستخدام الديكتاتورية في مواجهة الخصوم. هذا رغم اتهامهم له بالديكتاتورية والظلم؟ - إذا كان عبدالناصر مارس الديكتاتورية كما يقولون فقد مارسها بموافقة من الإخوان وصحيفة الدعوي التي أقامها عمر التلمساني رقم 133 لسنة 72 قضائية يطالب فيها بعودة جماعة الإخوان قال فيها: «فلما قامت القوات المسلحة في 23 يوليو 1952 بالانقلاب العسكري كان نجاحه بفضل ما قامت به الجماعات من تمهيد في مجالات مختلفة ولما أراد قادة الانقلاب العسكري تغيير الحكم الملكي إلي جمهوري ومن ديمقراطي إلي حكم ديكتاتوري لم يعتمدوا علي أسلحتهم بقدر ما استندوا علي القوة الشعبية للإخوان». ولكن يبقي السؤال كيف يمكن للإخوان التعامل بهذه «الندية» مع عبدالناصر؟ - لأنها جماعة كان لها تنظيم قوي في الشارع وجماهير وشعبية وعبدالناصر كان له خصم مهم وهو حزب الوفد والذي له أيضا جماهير يمكنها قلب المائدة، فاستعان بهم لفترة استمرت سنتين من يوليو 52 إلي أكتوبر 1954 حتي حدثت خلافات كثيرة ونجح عبدالناصر في خلق جمهور شعبي كبير له وجاء حادث المنشية وما فعله عبدالناصر أنه اصطاد خطأهم حاولوا هم اصطياده فاصطادهم. الجامعة انضمامك لجماعة الإخوان كيف كان؟ - من خلال تمهيد بالجامعة حيث كانت علاقتي بفترة الجامعة من 76 – 1980 علاقة قوية بعمر التلمساني الذي كان وقتها مرشد الجماعة وكنت أنتمي لأنشطة «الجماعة الإسلامية» كما كان يطلق علينا وهي تختلف عن الجماعة الإسلامية للتنظيم المسلح المعروف إلا أنني بعد التخرج والعمل لدي محام وفدي معروف ولكني عزمت أمري عام 1985 للانضمام للإخوان بعد 8 سنوات محب ومؤيد لهم. وكيف كانت الصورة المصدرة منهم لكم عن عبدالناصر؟ - كنت أرفض التطرف في الحكم علي الناس وكانت الجماعة متطرفة في الحكم علي عبدالناصر، وقد كنت قريبا من الأنشطة الناصرية وعلاقتي بالناصريين جيدة ولكني في نفس الوقت كنت أفهم أن الجماعة تنظر لعبدالناصر علي أنه كان «كافرا»، «ملحدا بالله»، ولكني لم أجد هذه النظرة عند عمر التلمساني رغم سجنه 18 عاما في عهد ناصر ولكنه كان يعتبره مجرد «خصم سياسي» وليس كافرا كما كانت هناك قيادات مثل الشيخ سيد سابق قال لي: «عبدالناصر أكثر تدينا من كثير من قيادات الإخوان المسلمين» أيضا الشيخ الغزالي الذي كان يتحدث عنه باحترام شديد. من هي إذن قيادات الجماعة الناقمة علي عبدالناصر؟ - حتي الجيل الذي تم حبسه في 1954 لم أشعر بضغينة لعبدالناصر كما هو الجيل الذي حبس مع سيد قطب فإعدام سيد قطب حمل الكثير من مشاعر الكراهية لعبدالناصر من ناحيتهم خاصة من هم ذو طبيعة «تكفيرية» أصلا مثل محمد بديع، محمود عزت، ومن تعلم علي يديهم مثل محمود غزلان.. فهذه الشخصيات تري أن عبدالناصر كان كافرا وقد سمعت في كثير من الندوات التي حضرتها معهم ذلك كل من سجن في قضية 1965 يكفرونه تكفيرا واضحا صريحا أعلاهم محمود عزت الذي قال لي ذلك أكثر من مرة بل يتناقلون قصصا عنه وهمية تشكك في إيمانه. مثل النار بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم كيف تري المشهد السياسي الآن؟ - جماعة الإخوان مثل «النار» إن لم تجد ما تأكله تأكل نفسها وتنتهي، لذلك أثناء صراعهم في الوصول إلي السلطة تأكل قوي سياسية وحجم النار يزيد وهي الآن في الحكم ستأكل نفسها فأنا أعلم بوجود خلافات كبيرة داخل الجماعة لم ينتبه لها أحد وأتوقع أن تقضي علي نفسها. هل تتحدث عن شخصيات بعينها داخل الجماعة؟ - هناك شخصيات داخل الجماعة كانت تتمني أن تكون هي الحاكمة فإذا بها خارج الحكم مثل خيرت الشاطر الذي يدفع نصف عمره ويصبح حاكما علي البلاد، هو يحاول السيطرة علي الجماعة من أجل السيطرة علي الدولة، هذا الرجل لا حدود لطموحاته وأوهامه لا يتصورها أحد، ورغم ذلك محمد مرسي يحاول صناعة دائرة خاصة به بعيدا عن سيطرة «الشاطر» وقد نري في المستقبل أشياء غريبة تؤكد أن نكبة الإخوان كانت الوصول للحكم وأعتقد أن جماعة الإخوان في طريقها للأفول وسبق أن تنبأت بهذا. وكيف تري مشروع النهضة؟ - مشروع النهضة كذب لأن الجماعة لا تحمل فكرا سياسيا واضحا حتي برنامج الحزب «من كل فيلم أغنية» هم فقط مؤمنين بمجموعة من الشعارات ولا يمكن أن يحكمون من خلال شعارات. خيرت الشاطر كشف كذب المشروع والحقيقة أنه عندما فكر في الترشح لرئاسة الجمهورية بحث عن مشروع يعتقد البعض أنه مقدمة ليكون مختلفا ورفض برنامج الحزب، الإخوان كانوا في منطقة دفاع عن أنفسهم ولم يكن في طموحاتهم الوصول للحكم وكشف خيرت لزيف المشروع ضربة موجهة لمرسي. وهل تعرف شخصية الرئيس جيدا؟ - نعم أعرفه جيدا، وهو شخص خلفيته السياسية ضعيفة جدا ومعارفه في إدارة الدولة ضعيفة تعاملت معه وأعرف أن قدراته غاية في المحدودية، حتي عندما اختار شخصيات مسئولين اختار شخصيات تدين له بالولاء وليست الأكفأ حتي تقويه أتذكر أننا سألنا «مأمون الهضيبي» يوما ما ماذا لو وصل الإخوان للحكم فرد قائلا: تبقي «مصيبة» علي مصر إحنا بنعرف نحكم.. وقد كان مرشدا سابقا للجماعة. ساهمت في نجاحات الإخوان في نقابة المحامين في فترة ما هل ندمت علي دخولك أو خروجك من الجماعة؟ - لم أندم علي أي فترة من حياتي، شيء عظيم دخولي الجماعة وشيء عظيم خروجي منها، الاثنان من أروع المواقف التي مرت علي في حياتي اكتسبت لا شك الكثير من الخبرات ولكني كل مرة كنت أحكم عقلي لم أترك أحدا يدير عقلي وخرجت لهذا السبب.. دائما أمارس قناعاتي، وعندما كنت داخلهم كنت أري جانبا من الحقيقة داخل البيت وبعد خروجي رأيت الحقيقة كاملة.