أسعار الأرز اليوم في الأسواق المحلية.. تراجع جديد    خالد أبو بكر: فلسطين قضية القضايا.. ولن تموت أبدا    بوتين يجري محادثات أمنية مع لوكاشينكو في مينسك    إنبي يعود للمربع الذهبي في الدوري «بريمونتادا» قاتلة أمام سيراميكا    محمد صلاح ينافس على جائزة «هدف الموسم» في ليفربول    «دمياط» و«الوادي الجديد» تستعدان لانطلاق امتحانات الدبلومات الفنية غدا    صاحب العمر.. محمد هنيدي يقبل يد علاء مرسي في كتب كتاب ابنته    «الصحفيين» تعلن أسماء الفائزين بالمسابقة الدينية في الإسكندرية غدًا    يُتيح للمستثمرين إدارة المستشفيات العامة.. قانون المنشآت الصحية يثير الجدل بين "الأطباء" و"النواب"    الإسكندرية تضع 9 شروط لإقامة شوادر الأضاحي فى الشوارع.. تعرف عليها    شيماء سيف: «أمي شايفاني شبه هيفاء وهبي» (فيديو)    15 درجة.. حسام موافي يوضح أخطر مراحل الغيبوبة    حيل وألاعيب يستخدمها المشكك في نشر الشبهات، فيديو جديد لوحدة بيان في الأزهر    الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة    في مباراة دراماتيكية.. إنبي يقتنص فوزا مثيرا أمام سيراميكا كليوباترا بدوري nile    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    مباشر سلة BAL - الأهلي (0)-(0) الفتح الرباطي.. بداية اللقاء في المرحلة الترتيبية    الأعراض الرئيسية لمرض السكري لدى الأطفال والمراهقين    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    بسبب فستان.. القصة الكاملة ل أزمة ياسين صبري ومصمم أزياء سعودي (صور)    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    بري يؤكد تمسك لبنان بالقرار الأممي 1701 وحقه في الدفاع عن أرضه    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    مصرع شخص وإصابة آخر بحادث تصادم سيارة نقل و"موتوسيكل" بالدقهلية    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    مبابي يقود قائمة سان جيرمان أمام ليون في نهائي كأس فرنسا    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    «دولارات الكونفيدرالية» طوق نجاة الزمالك    5 نصائح للتعامل مع منخفض جوي يضرب البلاد الأيام المقبلة.. تحذير من ظاهرة جوية    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    عادل عقل يكشف صحة هدف الزمالك وجدل ركلة الجزاء أمام فيوتشر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصص الانقلابات المشتركة .. كيف استخدم العسكر الإخوان للوصول إلى السلطة وكيف فشل الإخوان فى مواجهات اللحظات الأخيرة؟
جنرالات ومرشدون..
نشر في اليوم السابع يوم 01 - 04 - 2012

علاقة حكام مصر بعد ثورة 1952، وجميعهم من ضباط الجيش بالطبع، والجالس على مقعد المرشد العام ل«جماعة الإخوان» شهدت فصولا من الصدام والتقارب، ومن الخصومة والود، والتنكيل والتحالف، إلا أن الغالب على هذه العلاقة الممتدة بين الطرفين الصدام والخصومة والتنكيل، بحكم رغبة كل طرف منهما فى الهيمنة والسيطرة، وبحكم استقرار تجربة عبدالناصر فى التعامل مع الجماعة السياسية الأكثر تنظيما فى مصر، فى أذهان القائمين على إدارة الأمور فى أجهزة الدولة وفى دوائر الجماعة على السواء، فالأجهزة الرسمية للدولة لا تقبل أن يزاحمها كيان أو جماعة مهما كانت شعبيتها أو قدرتها على التنظيم، كما لا تنسى دوائر الإخوان الضربات المتلاحقة التى تعرضت لها على يدى عبدالناصر خاصة فى 1954 و1965، ومن ثم ظل الصراع بين رأس الدولة ورأس الجماعة قائما منذ اندلاعه فى الخمسينيات من القرن الماضى وحتى الآن، الأمر الذى يجعل من أى تقارب بين الطرفين مشهدا استثنائيا فى فصول تستحق تسليط الأضواء عليها.
المشهد الأول
فى السادس من ديسمبر الماضى، غطّت لافتة كبيرة مكتوب عليها «شارع عيون الحرية» جدران الجامعة الأمريكية بشارع محمد محمود، وقف بالقرب منها نساء كساهن الحزن وامتزجت دموعهن بحرارة الدعاء على من قتل فلذات أكبادهن، وإلى جوارهن شباب ثائرون يهتفون بإسقاط المجلس العسكرى ويطلبون رحيله.
فى اليوم نفسه، وبعيدًا عن كل هذا، جلس محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين فى إحدى القنوات الفضائية يتحدث بكل فخر عن العلاقة القوية التى تربط جماعته بالمجلس العسكرى قائلاً: «لو بيننا وبين المجلس شعرة لأرخيناها».
المشهد الثانى
كان قبل ستة أيام من الذكرى الأولى للثورة، وبعدما استقبلت مصر وفدًا جديدًا من الشهداء عقب أحداث مجلس الوزراء التى شهدت قتل وسحل المتظاهرين وتعرية أجساد الفتيات والتحرش بهنّ، وبينما يستعد الشارع المصرى لموجة جديدة من الثورة قيل إنها ستكون «ثورة ثانية» ضد المجلس العسكرى، خرج بديع مجددًا ليقول: «لست مع الثورة الثانية، وأعضاء المجلس بشر يخطئون ويصيبون، علينا أن نحترم جيشنا ونبجله، ونصوب للمجلس أخطاءه، وهذا يدعونا إلى التساؤل: ألا نعترف لهم بالإنجازات أم نصنع منهم عدوا جديدًا».
المشهدان السابقان، يطرقان باب المرشد العام للجماعة لا من أجل الدخول إليه والاستمتاع بمديحه للمجلس العسكرى الذى سيتحول، دون شك، إلى انتقاد واضح الأيام المقبلة على خلفية الأزمة السياسية بين الطرفين حاليًا، لكن من أجل التعرف على الدور الذى يلعبه كل من جلس على كرسى الإرشاد فى التواصل مع القادة العسكريين الذين أحكموا قبضتهم على رئاسة مصر منذ عام 1952 وحتى يومنا هذا، وكيف كانت ردة فعل قادة الجيش تجاه رأس الجماعة، فالمرشد والرئيس هما أصحاب الدور الأكبر فى صياغة تفاصيل العلاقة بين الطرفين البازرين فى المشهد السياسى المصرى، وسواءً كانت الجماعة «محظورة» يمنع أفرادها من ممارسة نشاطهم السياسى علانية، ويقبع قادتها فى السجون ولا يقوى كوادرها على الجهر بانتمائهم إليها، أو مطلقة السراح والأيدى تمتلك حزبًا سياسيًا تشارك من خلاله علانية فى العمل السياسى فإن الكلمة تبقى أولا وأخيرًا فى يد المرشد «الذى عقد أفراد الجماعة البيعة له».
محمد نجيب.. والحقيقة الغائبة عن الإخوان
«إن الإخوان لم يُدركوا حقيقة أوليّة هىَ إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنّه حتماً سيُطيح بكل القوى السياسية والمدنية، ليُصبح هو القوّة الوحيدة فى البلد وأنه لا يُفرّق فى هذه الحالة بين وفدى وسعدى ولا بين إخوانى وشُيوعى، وأنّ كل قوّة سياسية عليها أن تلعب دورها مع القيادة العسكرية ثم يُقضى عليها! لكن.. لا الإخوان عرفِوا هذا الدرس ولا غيرهم استوعبه! ودفع الجميع الثمن».
بتلك الكلمات، وجه محمد نجيب، أول رئيس لمصر عقب الثورة، نقدَا لاذعاً لجماعة الإخوان المسلمين التى لم تفطن على حد قوله لأبجديات تعامل الجيش مع القوى السياسية إذ لا يفرق بين حليف وعدو، وكان حسن الهضيبى آنذاك هو المرشد العام للجماعة واستمر فى منصبه حتى عام 1973.
وحديثُ محمد نجيب الذى نشره فى مذكراته «كنت رئيسًا لمصر» يشير إلى مفاوضات مباشرة جرت أكثر من مرة بين ممثلين له وبين قيادات بالإخوان بعدما أبلغهم أول رئيس للجمهورية أنه يرفض حضور اجتماعاتهم السرية وأنهم إذا أرادوا لقاءه فعليهم الذهاب إلى مكتبه.
المفاوضات التى دارت بين ممثلى نجيب وقيادات الجماعة فيما يخص تشكيل الحكومة وتعيين رشاد مهنا «أحد عناصر الجماعة» قائدًا عاما للقوات المسلحة، إضافة إلى تشكيل لجنة سرية استشارية يشترك فيها بعض العسكريين الموالين لمحمد نجيب، وعدد مساوٍ لهم من «الإخوان المسلمين» بحيث يتم عرض القوانين على هذه اللجنة قبل إقرارها، كما تعرض على هذه اللجنة الاستشارية السرية سياسة الدولة العامة وأسماء المرشحين للمناصب الكبرى، وصفها نجيب بأنها «محاولة للسيطرة الخفية على الحكم لكن دون تحمل للمسؤولية».
عبد الناصر وحجاب ابنة المرشد
نجيب لم يستمر فى الحكم كثيرًا، إذ قرر عبدالناصر وبعض الضباط إبعاده تمامًا عن المشهد السياسى وتحديد إقامته فيما عرف بأزمة مارس 1954 التى انتهت بإبعاد نجيب تمامًا عن المشهد السياسى وتولى جمال عبدالناصر الذى فتح فصلاً جديدًا فى التعامل مع الإخوان وقيادات الجماعة.
«فى عام 1953، كنا نريد أن نتعاون مخلصين مع الإخوان المسلمين على أن يسيروا فى الطريق الصحيح، وقابلت المرشد العام للإخوان المسلمين وطلب منى عدة مطالب، أولها أن أجبر كل نساء مصر على ارتداء الحجاب، فأجبته قائلاً كل إنسان حر فيما يريد، لكنّه قال لى أنت حاكم ومسؤول عن ذلك، فكانت إجابتى ابنتك طالبة فى كلية الطب وتسير دون حجاب، فلماذا لا تأمرها بالحجاب أولاً، وإذا كنت عاجزًا عن ذلك مع فتاة واحدة فلم تأمرنى أن أجبر 10 ملايين على ارتدائه».
الكلام السابق، الذى ردده عبدالناصر، يعكس بصورة رئيسية العلاقة التى جمعته بالمستشار حسن الهضيبى مرشد الجماعة إذ تضمنت سخرية «على الملأ» منه، وذلك بعدما قرر الرئيس السابق حل الجماعة عقب أحداث المنشية فى أكتوبر 1954، حين تعرض عبدالناصر لمحاولة اغتيال اتهمت فيها عناصر من الإخوان المسلمين، وترتب على ذلك، فضلاً عن الحل، اعتقال قيادات إخوانية وإصدار أحكام بالسجن لمجموعة من أبرز رجال الجامعة، إضافة إلى إعدام مجموعة أخرى قيل إنها بلغت 55 فردًا.
الهضيبى، صاحب المقولة الشهيرة «أقيموا دولة الإسلام فى قلوبكم تقم لكم فى أرضكم» كان قد تعرض للاعتقال فى عام 1953 مع بعض عناصر الجماعة ثم أفرج عنه، وبعد أحداث المنشية تعرض المرشد الثانى للإخوان للاعتقال مجددًا وحكم عليه بالإعدام شنقًا ثم خُفف الحكم.
وفى عام 1965 أعاد عبدالناصر اعتقال الرجل مرة جديدة وهو فى الرابعة والسبعين من عمره، بتهمة إحياء التنظيم، واستمر فى محبسه حتى عام 1971 قبل أن يتوفى فى 1973.
قضى ثانى مرشد للجماعة نحبه، ورحل أيضًا عبدالناصر، ثم جاء السادات الذى شهدت سنوات عمره الأولى مولد الحركة الإسلامية فى جامعات مصر على يد مجموعة من الشباب من بينهم عبدالمنعم أبوالفتوح المرشح المحتمل حاليًا لرئاسة الجمهورية.
التلمسانى والسادات.. البداية محبة والنهاية اعتقال
فصل جديد فى العلاقة بين رأس النظام ورأس التنظيم، بين الرئيس السادات و المرشد الجديد عمر التلمسانى، اتسم فى بدايته بود شديد أمّا النهاية فكانت فى المعتقلات للمرة الثانية.
التلمسانى والسادات تراشقا أكثر من مرة فى الفترة الأخيرة من حكم الرئيس الراحل ذكر السادات جزءً منها فى أكثر من خطاب رسمى له، وذكرها المرشد أيضًا فى كتابه أيام مع السادات، وكانت روايات الطرفين تتباين فى الموقف الواحد.
ومن الروايات التى ذكرها التلمسانى فى كتابه، تلك الرواية «قمت بزيارة إلى وزير الثقافة والإعلام منصور حسن فى مقر عمله بناء على طلب الوزير، وحاول أن يقنعنى بحضور اللقاء الفكرى للرئيس السادات بالإسماعيلية يوم 28 رمضان عام 1979 وفى النهاية ومع إلحاح الوزير وافقت على الحضور.
وعندما وصلت إلى مكان الاجتماع جلست فى آخر الصفوف، وبعد دقائق جاءنى المشرف على تنظيم الحفل، وألح وأصر على أن أجلس فى الصف الأول، وقلت إن ذلك تكريم منهم لى فتفاءلت خيراً، ولعل هناك بدءاً لتفاهم جديد، ولكن هذه الجلسة كانت لغرض كشفت عنه أحداث الحفل، فقد أجلسنى منظم الحفل فى الصف الأول على كرسى، لو مددت منه خطاً مستقيماً لوجدته ينتهى عند الكرسى الذى يجلس عليه السادات فى المنصة، وكأنهم أرادوا بذلك أن أكون أقرب ما أكون من السادات عندما بدأ سيل اتهاماته المنهمر، يترامى من حولى شمالاً وجنوباً ويساراً ويميناً، رجاء أن يصيب منى مقتلا.ً تهم لى وللإخوان لا حصر لها بتخريب وعمالة وإثارة للطلبة، والعمالة والفتنة الطائفية».
وطال السباب وضاق الصدر، ونفد الصبر، واستثارتنى عاطفة الحب للإخوان، فقاطعته قائلاً «إن هذا كلام يحتاج إلى ردود» فأجابنى: «لما أخلص كلامى رد كما تشاء»، وظل سادراً فى غلوائه، وغاب الحاضرون فى أنفسهم، والذين سمعوه على أجنحة الأثير، أنه كان فى نهاية كل مقطع من كلامه يقول:«مش كده يا عمر؟!»، استنكر الشعب كله، حتى بعض من كان معه، أن يخاطبنى باسمى مجرداً، غير مراع فى ذلك حرمة السن، ولا طهارة شهر الله، ولا الصفة التى منحتنى إياها الجامعة عندما أعطتنى ليسانس الحقوق، ولا حرمة المنصب الذى يشغله، والذى يجب أن يزدان بكل لياقة وتهذيب، ولكن العيار انفلت، «والبيبة صهللت»، والخيال انفتح.
..وما إن انتهى من حديثه، حتى وقفت أمام الكرسى الذى كنت أجلس عليه، ولم يكن أمامى مذياع ولا مكبر للصوت، ولم يكن فى ذهنى رد معد، ولكن الله ألهم منظمى الحفل أن يأتونى بمكبر للصوت، أتحدث من خلاله، ولعلهم حرصوا من وراء ذلك أن يسمعوا العالم اعتذاراتى وأسفى وحسرتى على ما بدر منى، فيبعث ذلك الراحة إلى صدره المثقل بعدوانه للإخوان المسلمين، ولكن أراد عمر وأراد الله خارجه، فكان فى تصرفهم ما أوضح للناس جميعاً أن من بين من فى مصر، من يقول للظالم لقد جُرت وتعديت.
فندت كل التهم التى وجهها إلىّ وإلى الإخوان واحدة واحدة، بالدليل والبرهان وختمت ردى بالعبارات الآتية: «لو أن غيرك وجه إلىّ مثل هذه التهم لشكوته إليك، أما وأنت يا محمد يا أنور يا سادات صاحبها، فإنى أشكوك إلى أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، لقد آذيتنى يا رجل وقد أُلزَم الفراش أسابيع من وقع ما سمعت منك»، وأشهد صادقاً أن البيبة «السيجار» ارتعشت بين شفتيه، وقال: «إننى لم أقصد الإساءة إلى الأستاذ عمر ولا إلى الإخوان المسلمين... اسحب شكواك بقى»، فأجبته بأنها رفعت إلى من لا أستطيع استرداد ما وضعته بين يديه... كانت أول مرة يخاطبنى فيها بكلمة أستاذ، طوال خطابه الممل الطويل!! وانتهى الاجتماع وأرسل لى فى أعقابه فوراً وزير الأوقاف ومنصور حسن وزير الثقافة والإعلام، يبلغاننى أمام من كان موجوداً، أن سيادة الرئيس لم يقصد الإساءة إلىّ، وأنه سيحدد موعداً لمقابلتى».
تلك الرواية، المدعومة بتسجيلات صوتية منتشرة على مواقع الإنترنت، أشار إليها السادات باقتضاب فى خطاب له أمام البرلمان للتعقيب على أحداث الفتنة الطائفية التى جرت فى عهده فى الأحداث المعروفة ب«أحداث الزاوية الحمراء» لكنّه قال بالنص: «شفت التلمسانى فى الإسماعيلية وأنا بجمع فى رمضان الجماعات الإسلامية، ندهت وقلت له: «مش عيب ياتلمسانى فى مجلة الدعوة بتاعتك تكتب أن أمريكا بعتت لممدوح سالم وهو رئيس وزارة تقول له اضرب الجماعات الإسلامية أحسن دول خطر عليكم.. مش عيب تقولوا الكلام ده ياتلمسانى هو إحنا بيجينا تبليغات من حد وهوه إحنا بنقبل؟.. وهو أنا لما كان فيه 17 ألف خبير سوفيتى وشميت ريحة من الاتحاد السوفيتى لمحاولة فرض إرادة علينا طلعتهم فى أسبوع».. وأضاف السادات: «ده قلته قدامه له ماقدرش يرد مع إنى ماكنتش اعرف».
وفى الجلسة نفسها، استشهد السادات ببعض مما كتبته مجلة الدعوة وما خطّه التلمسانى بيديه فى المجلة وكان يتضمن هجومًا ونقداً لاذعًا للرئيس السابق وللقيود السياسية التى فرضها على الأحزاب، ثم عقّب متهمًا مرشد الجماعة بالتدليس والكذب، تم اعتقال التلمسانى فى 1981 قبل مقتل السادات، ورحل المرشد عام 1986 فى حقبة الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
مبارك والمرشد.. صدام مستتر
فى عصر مبارك، الذى استمر منذ 1981 وحتى قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، تعاقب بعد رحيل التلمسانى خمسة مرشدين للإخوان هم: محمد حامد أبوالنصر ومصطفى مشهور ومأمون الهضيبى ومحمد مهدى عاكف ومحمد بديع المرشد الحالى.
محمد أبوالنصر، بدأ فى عهده التيار الإصلاحى داخل الجماعة فى البزوغ، واصطدم مع النظام السابق أكثر من مرة، غير أن مبارك لم يكن كسابقيه السادات وعبدالناصر متواصلاً بشكل علنى مع قيادات الإخوان المسلمين.
وخاضت «المحظورة» كما كان يطلق على الإخوان فى عهد مبارك أكثر من معركة ضد النظام فى عهد أبوالنصر بدأتها بالانتخابات النيابية عام 1987 إذ تحالفت مع حزبى العمل والأحرار، مما أتاح لها دخول 36 نائباً إلى مجلس الشعب، كما خاضت الجماعة التجديد النصفى لمجلس الشورى عام 1989 وقاطعت انتخابات البرلمان سنة 1990 وتبعتها بقية أحزاب المعارضة احتجاجا على استمرار العمل بقانون الطوارئ.
الصدام المباشر مع رأس السلطة كان عام 1993، حين رفضت قيادة الجماعة التجديد للرئيس مبارك لفترة رئاسية ثالثة مما ترتب عليه إحالة قيادات الجماعة للمحاكم العسكرية وحبس عدد منهم، توفى أبوالنصر فى يناير 1996 وحمل الراية منه مصطفى مشهور.
لم يكن مُبارك، رأس السلطة التنفيذية، فى مرمى انتقادات الإخوان إذ ظلت الانتقادات طوال فترة حكم الرئيس المخلوع ينال أغلبها رؤساء الوزارة أو وزراء بعينهم مثل وزير الداخلية وغيره.
ورغم أن تهديدات بين الفترة والأخرى كان يرددها إعلام مبارك عن نية «المحظورة» إحداث قلاقل فى مصر إلا أن العلاقة بين الرأسين، رأس السلطة التنفيذية ورأس الإخوان، ظلت طوال عهد المخلوع غير مباشرة إذ كان يتولى بعض رجال النظام التعامل فى هذا الملف.. مثل صفوت الشريف الذى تولى «التنسيق مع المحظورة فى انتخابات برلمان 2005» لتقاسم المقاعد البرلمانية كما تردد لاحقًا.
ونشرت مجلة حكومية حوارًا مع المرشد السابق مهدى عاكف قبيل الانتخابات الرئاسية جاء عنوانه: «نؤيد ترشيح مبارك للرئاسة.. وأتمنى الجلوس معه»، ورغم أن عاكف نفى صحة هذا العنوان إلا أن قيام المرشد الحالى بديع عقب توليه المسؤولية بذكر الرئيس السابق مقرونًا بكلمة «الأب» فى إطار حديثه عن المسجونين والمعتقلين ظلمًا على حد قوله، أكد أن الوضع تغير وأن العصر الذى قال فيه التلمسانى للسادات فى وجهه «وأنت يا محمد أنور السادات فإنى أشكوك إلى أحكم الحاكمين»- قد ولى وأننا نحيا فى عصر بابا مبارك!
شعرة بديع
بعد الثورة، تغيرت المعادلة السياسية، صعد إلى الحكم المجلس العسكرى بتكليف من الرئيس المخلوع، وفكّت جماعة الإخوان المسلمين القيود التى كبلتها طوال فترة حكم المخلوع، وأنشأت حزبًا سياسيًا حمل اسم «الحرية والعدالة».
آثر الإخوان الابتعاد سريعًا عن المشهد الثورى، فبينما تلاحمت المليونيات واحدة تلو الأخرى للتنديد بممارسات للمجلس العسكرى وبوضع عراقيل أمام التحول الديمقراطى، ابتعدت الجماعة تمامًا عن الشارع ثم أطلقت فى نهاية مايو الماضى بيانًا حمل تخوينًا للقوى الثورية المشاركة فى إحدى المظاهرات ووصفتها ب«جمعة الوقيعة» فى إشارة إلى احتمال حدوت شرخ فى علاقة الشعب بقواته المسلحة.
خلال تلك الفترة، وإن لم يلتق الرأسان، طنطاوى وبديع، فى اجتماع مغلق بصفة رسمية إلا أن أواصر المحبة تدعمت بتصريحات بديع الوردية من عينة «لو بيننا وبين العسكرى شعرة لأرخيناها» إلى غير ذلك.
الآن، وبعدما تأزم الوضع بين الإخوان والمجلس العسكرى بسبب حكومة الجنزورى التى تصر الجماعة على إقالتها فى حين يتمسك بها قادة الجيش، يعود السؤال مجددًا هل يلقى بديع مصير الهضيبى فى غياهب السجون أم تُحل الأزمة ويصبح زيتنا فى دقيقنا ويصبح المشير «والدًا للمصريين» كما كان مبارك، سؤال تجيب عنه الأيام القليلة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.