بصرف النظر عن الحكم الذي أصدرته أمس محكمة القضاء الإداري في الطعن بتشكيل الجمعية التأسيسية «الثانية» لصياغة الدستور، فتطور قضية تشكيل الجمعية بداية من تشكيلها الأول (17 – 24 مارس 2012) بقرار من الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري، مرورا بحكم محكمة القضاء الإداري «الدائرة الأولي برئاسة المستشار علي فكري حسن صالح» في 10 أبريل 2012 ببطلان قرار تشكيل الجمعية التأسيسية ووقف تنفيذه، وصدور قرار جديد من الاجتماع المشترك الثاني في 12 يونيو 2012 بتشكيل الجمعية التأسيسية الثانية والطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري، وصولا إلي تصديق د. محمد مرسي رئيس الجمهورية علي القانون رقم 79 لسنة 2012 الذي كان مجلس الشعب المنحل قد أقره متضمنا قواعد تشكيل الجمعية التأسيسية ورفض المجلس الأعلي للقوات المسلحة التصديق عليه وإصداره.. جاءت هذه التطورات كلها كاشفة عن منهج جماعة الإخوان وحزبها «الحرية والعدالة» ورئيسه رئيس الجمهورية «د. محمد مرسي» واندفاعها المحموم للسيطرة والهيمنة علي كل مؤسسات وأجهزة الدولة، وفرض رؤيتهم بصفتهم الأغلبية في اللحظة الراهنة علي مستقبل مصر وعلي الدستور الجديد المفترض صياغته علي أساس توافق كل مكونات وتيارات المجتمع السياسية والحزبية والفكرية والاجتماعية.. إلخ. كانت البداية في تضمين الإعلان الدستوري الثاني الصادر في 30 مارس 2011 مادة تعطي الأعضاء المنتخبين في السلطة التشريعية «مجلسي الشعب والشوري» – المادة 60 – سلطة تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، وتشكيلها بالفعل في 24 مارس 2012 متضمنة 50% من أعضائها أعضاء في مجلسي الشعب والشوري ودون أي مراعاة لوجود تمثيل متوازن لكل أطياف المجتمع حيث تمتع أعضاء حزبي «الحرية والعدالة» و«النور» بأغلبية مطلقة في تشكيل اللجنة، وتم هذا التشكيل الخاطئ رغم وجود حكم قاطع للمحكمة الدستورية العليا الصادر في 17 ديسمبر 1994 يقضي بعدم جواز قيام السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية بصياغة الدستور «.. فالوثيقة الدستورية تنشئ سلطات الدولة بما فيها مجلس الشعب والحكومة والقضاء وتقرر مسئولياتها والقواعد التي تحكمها.. وبالتالي يكون من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه يجب أن تعلو الجهة التأسيسية التي تضع الدستور علي جميع سلطات الدولة.. وتنفصل وتستقل عنها حتي تفرض عليها القيود التي وضعتها فيما يتعلق بممارسة سلطاتها.. وتراعي سلطات الدولة القواعد التي صاغتها تلك الجهة وأفرغتها في الوثيقة الدستورية..»، وكان محتما أن يصدر حكم محكمة القضاء الإداري بوقف قرار تشكيل هذه الجمعية التأسيسية. وفي تحد سافر للقواعد الدستورية والقانونية وأحكام القضاء جاء تشكيل الجمعية التأسيسية الثانية في 12 يونيو يحمل نفس عوار الجمعية الأولي، بعد أن فرض تيار الإسلام السياسي تشكيل الجمعية متجاهلا التوافق الذي توصلت إليه الأحزاب والقوي السياسية خلال اجتماعها مع المجلس العسكري يوم السبت 28 أبريل، وهو التشكيل الذي طعن عليه أمام نفس الدائرة «الدائرة الأولي بمحكمة القضاء الإداري» التي أصدرت حكمها ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية الأولي. وقبل صدور الحكم ب 48 ساعة أقدم رئيس الجمهورية علي التصديق علي القانون الذي كان مجلس الشعب المنحل قد أقره ورفض المجلس الأعلي للقوات المسلحة التصديق عليه، وكان الهدف واضحا طبقا لما قاله مستشارو رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان المسلمين، وهو «تحصين أعمال الجمعية التأسيسية وغل يد محكمة القضاء الإداري عن نظر الطعن ببطلان تشكيلها وكل أعمالها.. فليس من اختصاص المحكمة مراقبة القوانين.. وإصدار هذا القانون يعني أن تشكيل الجمعية التأسيسية الحالية هو عمل برلماني واضح وصريح ولا يجوز الطعن عليه أمام محاكم القضاء الإداري.. وقد أصبح تشكيل الجمعية التأسيسية في ضوء هذا القانون صحيحا، فقد تم التصديق علي القانون واستكمل جميع إجراءاته قبل إصدار الحكم في هذه الطعون، وأضحي واجبا علي المحكمة ألا تتصدي لها وأن تتراجع عن نظرها وتقضي بعدم الاختصاص»، وأضافوا أن الطعن علي قانون الجمعية التأسيسية يكون أمام المحكمة الدستورية العليا «والقواعد الصحيحة لنظر المحكمة الدستورية العليا أي طعن لديها علي الجمعية التأسيسية تنص علي أن تنظره هيئة المفوضين لمدة 45 يوما طبقا للنظام العام للمحكمة، بما يعني أن الطعن لن ينظر قبل شهرين، ووقتها تكون الجمعية التأسيسية قد انتهت من وضع الدستور وطرحه للاستفتاء وبدء العمل به رسميا». وهكذا لم يترك مستشارو السوء أي فرصة للخلاف حول الهدف من إصدار الرئيس القانون رقم 79 لسنة 2012 في 15 يوليو أي منذ 72 ساعة!، وهو منع صدور حكم صحيح من محكمة القضاء الإداري ببطلان الجمعية التأسيسية، وتمكين الجمعية التي يسيطر عليها تيار الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي من صياغة دستور ينهي الدولة المدنية الديمقراطية في مصر ويقيم «دولة الإخوان» و«دولة المرشد». وفات هؤلاء أن القانون – من وجهة نظر فقهاء دستوريين وقانونيين لا ينتمون لتيار الإسلام السياسي أو يشايعونه ويرفضون أن يكونوا ضمن ترزية القوانين – لا يمنع محاكم القضاء الإداري من التصدي والفصل في الطعون المقامة أمامها، فمازال من حق المحكمة أن تصدر حكما جديدا ببطلان الجمعية التأسيسية الحالية «فتصديق رئيس الجمهورية علي القانون غير ذي جدوي باعتباره لاحقا علي تاريخ تشكيل الجمعية المطعون فيها فتتصدي لقرار التشكيل سواء ببطلانه أو تأييده، كما يمكن أن تري فيه شبهة عدم دستورية أصلا فتحيله إلي المحكمة الدستورية العليا» و«إصدار التشريع لاحقا علي تشكيل اللجنة به شبهة انحراف تشريعي، ومخالفة صريحة للإعلان الدستوري المكمل، لأن سلطة التشريع الآن بحوزة المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وكان يجب موافقته علي القانون أولا ثم رفعه للرئيس للتصديق عليه» إضافة إلي أن القانون «لا يسري بأثر رجعي، وهو حيلة قانونية لمنع محكمة القضاء الإداري من إصدار حكم بحل الجمعية التأسيسية، ويعتبر صادرا لحالة معينة ولأسباب معينة، مما يفقده العمومية والتجرد، وبالتالي تصبح الشروط الدستورية للقانون غير متوفرة. لقد تم تشكيل الجمعية وبدأت أعمالها قبل صدور القانون، وإذا صدر حكم بحل الجمعية جوز للقانون الجديد أن يشكل الجمعية، ولكنه لن يكون قابلا للتطبيق لعدم وجود مجلس الشعب.. باختصار القانون منعدم. ويصل الأمر إلي ذروته باتجاه رئيس الجمهورية لإصدار «إعلان دستوري» يلغي الإعلان الدستوري المكمل الصادر في 17 يونيو ويمنح الرئيس سلطة التشريع، وبعيدا عن التفاصيل فليس من حق سلطة رئيس الجمهورية إصدار إعلانات دستورية أو تعديلها، فالسلطة التأسيسية يحوزها منذ ثورة 25 يناير وحتي إصدار الدستور الجديد «المجلس الأعلي للقوات المسلحة»، وتعود إلي الشعب مع انتهاء الجمعية التأسيسية من صياغة الدستور وطرحه للاستفتاء الشعبي لإقراره.