لقطات أُحَذِّرُ من فقاعة الديون *بقلم د.جودة عبد الخالق أتحدث هنا عن الموازنة العامة للدولة 2020/2021، التي سيبدأ تطبيقها بعد أقل من شهر من الآن. فطبقا لما جاء في خطاب السيد وزير المالية بمناسبة تقديم مشروع الموازنة إلى مجلس النواب، تم إعداد المشروع خلال الفترة من نوفمبر 2019 وحتى نهاية يناير 2020، وتم إرساله إلى المجلس في نهاية مارس 2020 دون تغيير يعكس توابع جائحة كورونا على الاقتصاد المصرى. و أكد السيد الوزير أن هذا الإجراء انتظارا “لحين استشراف ووضوح الرؤية ثم القيام بإجراء التعديلات المطلوبة”! و يبدو أن سيادته فضل إرسال المشروع إلى المجلس فى الموعد الدستورى (قبل بداية السنة المالية بتسعين يوما على الأقل) ثم إجراء التعديلات الضرورية فيما بعد، بدلا من تقديم مشروع يعكس تأثيرات جائحة كورونا. لكن من ناحية أخرى، لا بد من مراعاة النصوص الدستورية الأخرى ذات الصلة. فطبقا للفقرة السادسة من المادة 124 من الدستور “تجب موافقة المجلس على نقل أى مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة، وعلى كل مصروف غير وارد بها، أو زائد على تقديراتها، وتصدر الموافقة بقانون. “ومعنى ذلك أن مشروع موازنة 2020/2021 الجارى مناقشته سيخضع لتعديلات كثيرة جوهرية في ضوء تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد والمجتمع. وفي هذه الحالة، سيتم التعامل معها طبقا للنصوص الدستورية ذات العلاقة. لكن من أهم الافتراضات التي تبنى عليها تقديرات الموازنة ما يتعلق بمعدل نمو الناتج المحلى الاجمالى. وهنا نلاحظ أن وزارة المالية قدمت مشروع موازنة 2020/2021 مبنيا على أساس معدل 4.5%، في حين أن وزارة التخطيط قامت بتعديل معدل النمو في خطة 2020/2021 إلى 3.4%. فبأى الرقمين نأخذ لرؤية المستقبل القريب؟ لقد أكدْتُ مرارا و تكرارا أن مستوى المديونية في حالتنا ينذر بالخطر وطالبت في أكثر من مناسبة بوضع سقف للدين لا يمكن للحكومة تجاوزه. ولكن ها هو مشروع موازنة 2020/2021 يسير بنا في نفس الطريق المحفوف بالمخاطر. فطبقا لمشروع الموازنة الجديدة، تقدر الاحتياجات التمويلية بحوالى 987.7 مليار جنيه. هذه الاحتياجات التمويلية تصل إلى 14.4% من الناتج المحلى الاجمالى، وهي نسبة مهولة! الجزء الأقل منها (432.1 مليار جنيه فقط) لزوم سد العجز الكلى في الموازنة، والجزء الأكبر لسداد الديون (519.3 مليار جنيه لأقساط القروض المحلية و36.3 مليار جنيه لأقساط القروض الأجنبية). كيف تنوى وزارة المالية تدبير هذه الاحتياجات المالية؟ بالدين. تنوى المالية إصدار سندات دولية (اقتراض خارجى) بقيمة 66 مليار جنيه واقتراض داخلى بقيمة 921.7 مليار جنيه. وبمناسبة تأثيرات جائحة كورونا، صدر العديد من التقارير التي تحذر من كارثة ديون عالمية تلوح في الأفق غير البعيد. ولطالما حذرْتُ من الاندفاع غير المحسوب فى طريق الاستدانة. و قلت إننا في المحروسة أصبحنا نقترض لكى نسدد الديون القائمة، فتراكمت الفوائد. ومشروع موازنة 2020/2021 يؤكد هذا بكل وضوح. إن أمامنا فقاعة ديون يمكن أن تنفجر في أي وقت. وعندما تنفجر، سيكون لها الملايين من الضحايا. فلقد تضاعفت الفوائد حوالى ثلاث مرات منذ عام 2014/2015، لتبلغ 566 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، أي أنها أكبر من الأجور بنسبة 70% وأكبر من الدعم والمنح والمزايا التأمينية بنسبة 74%. يعنى الموازنة أصبحت بمثابة ماكينة ضخمة جدا تأخذ من الفقراء (دافعى الضرائب ومتلقى الأجور ومستحقى الدعم) لتعطى الأغنياء (حملة أوراق الدين العام)! ولا عزاء للمتعطشين للعدالة الاجتماعية. حكمة اليوم: زَمَّارُ الحَىِّ لا يُطْرِب