الحب في زمن “كورونا” .. تجليات إبداعية عيد عبد الحليم لعميد الرواية العربية نجيب محفوظ عبارة دالة يقول فيها “إن الخوف لا يأخذنا إلى الموت فقط، وإنما الخوف يجعلنا لا نعيش الحياة”، أقول ذلك نتيجة حالة الخوف والذعر الشديد الذي يسيطر على العالم حالياً من جراء انتشار “فيروس كورونا” والذي وصفته منظمة الصحة العالمية بالوباء، نظراً لسرعة انتشاره في معظم دول العالم . وإذا كان الأدب هو مرآة الواقع، فإن هناك بعض الأعمال الأدبية سواء في الشعر أو الرواية أو القصة قد أرخت لبعض الأوبئة التي مرت بالإنسانية، خاصة خلال القرن العشرين، ولعل أشهر هذه الأعمال رواية “الطاعون” لألبير كامو الأديب الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، والتي كتبها عن ” الطاعون” الذي اجتاح مدينة “وهران” الجزائرية في أربعينيات القرن الماضي وراح ضحيته الآلاف، تلك المدينة التي تربى ونشأ فيها ” كامو” حيث كانت الجزائر وقتها تحت الاحتلال الفرنسي، وكانت معظم الجالية الفرنسية تقيم في تلك المدينة، حيث وصف ” كامو” في روايته البديعة الحالة المأساوية التي مرت بها المدينة، وكيف قابل سكانها تلك المأساة برباطة جأش نادرة، وكانت هذه الرواية الإنسانية أحد أهم حيثيات حصول ” كامو ” على الجائزة، ليس فقط لأنه رصد الأحداث بدقة متناهية، ولكن لذلك الحس الإنساني الواقعي الذي كتبت به، حيث غاص ” كامو” في جوهر الشخصية الإنسانية، ليخرج بنا عن حدود الوصف الواقعي إلى أبعاد أكثر رمزية، مقدماً رؤية فلسفية عميقة، مؤكداً على أهمية مقاومة الإنسان لما يعتريه من أمراض وأوبئة، وهنا تكمن الدلالة الفكرية التي أراد ” كامو” أن يقدمها، فجرثومة ” الطاعون” على حد تعبير د. “ريو” أحد أبطال الرواية “لا تموت ولا تختفي أبداً” مثل ” الوجود والعدم والحرية والإرادة، في نوع من الأسطرة التراجيدية لمصائر الشخصيات التي تتحرر من محيطها الجغرافي لتصبح ذات كينونة عالمية، محققة في الوقت نفسه عالمية هذه الرواية التي بدأت من جغرافيا ضيقة واتسعت لتتماشى مع هموم إنسانية عالمية . كما نرى هذا البعد العالمي لرصد “الوباء” في الرواية العالمية الشهيرة ” الديكاميرون” للكاتب الإيطالي ” جيوفاني بوكشيو”، والتي يطلق عليها النقاد “الف ليلة وليلة الأوروبية “، وفيها فصول تجلي فيها “بوكاشيو” عن “الطاعون” عبر سلسلة متعددة ومتتابعة من الرموز، حيث يرصد فيها ما حدث في أوروبا من أجتياح الوباء راح ضحيته 25 مليوناً من البشر خلال النصف الأول من القرن الرابع عشر، وقد وصف هذه الحالة ب”الموت الأسود”، ويروي “بوكاشيو” كيف أن أبطال قصصه هربوا من مدينة “فلورنسا” إلى الريف هرباً من الموت، وتتعدد الحكايات في هذا الجانب حتى تصل إلى مائة حكاية، تسودها حالة من الرعب والخوف والذكريات المؤلمة. وفي رواية “الحرافيش” “لنجيب محفوظ ” نجد ” الطاعون ” يظهر ليجتاح القاهرة، حيث يهرب ” عاشور الناجي ” لينجو من الإصابة به هو وأسرته، ومع ذلك يقدم محفوظ رؤية فلسفية فبطل الرواية ينجو من الطاعون الحقيقي بمعناه المرضي، لكنه يقع في طاعون مجازي وهو عدم وجود العدالة والظلم الواقع على المهمشين من البشر، فبعد انتهاء ” الطاعون ” يرجع ” الناجي ” إلى الحي الذي كان يعيش فيه فيجده خاوياً من البشر، فيحاول أن ينشئ مع نسله مجتمع “المدينة الفاضلة” التي حلم بها، لكن محاولاته لإشاعة العدل ورفع الظلم تذهب أدراج الرياح بمجرد أن تدب الحياة في الحي ويكتظ بالبشر . أما “جابريل جارثيا ماركيز” رائد الرواية الفانتازية في العالم فقدم في روايته الشهيرة ” الحب في زمن الكوليرا “، صورة الوباء كوحش ضارِ يدمر كل شيء، فيقدم “ماركيز” هجائية روائية لكل الظروف المأساوية التي تمر بالإنسان، من خلال أبعاد رمزية مختلفة . كما طرحت الروائية الفرنسية “أندريه شديد” فكرة الوباء من خلال روايتها “اليوم السادس” والتي استلهم منها يوسف شاهين فيلمه “اليوم السادس” . كما رصد الروائي الفلسطيني الأردني إبراهيم نصر الله الوباء في روايته “براري الحمي” من خلال سرده أحداث عن قرية “القنفذة” في المملكة العربية السعودية، والتي اجتاحها وباء السل “في النصف الأول من القرن العشرين، ويرجع نصر الله أسباب انتشار الوباء إلى الجهل وغياب الوعي . وفي الشعر نجد أن أول قصيدة في الشعر الحر في العالم العربي للشاعرة العراقية نازك الملائكة والتي تحمل عنوان ” الكوليرا “، والتي يعتبرها كثير من النقاد البداية الحقيقية لتجربة الشعر التفعيلي في العالم العربي، والتي كتبتها “نازك” عام 1947 متأثرة بحالة الوباء التي سيطرت على كثير من البلدان العربية في تلك الفترة من جراء انتشار الكوليرا ” والتي تقول فيها ” ياحزن النيل الصارخ مما فعل الموت / أصغ إلى وقع خطى الماشين / في صمت الفجر، اصغ انظر ركب الباكين / عشرة أموت / عشروناً لاتخض / اصغ للباكينا / اسمع صوت الطفل المسكين / موتى، موتى، ضاع العدد / موتى، موتى، لم يبق عد / في كل مكان جسد يندبه محزون / لا لحظة إخلاد لا صمت / هذا ما فعلت كف الموت ” .