توقيع بروتوكول تعاون لترسيخ مبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحة    فضيحة إسرائيلية: حملة تضليل ممولة لخداع الجمهور الأمريكي    تصفيات كأس العالم.. ترتيب مجموعة مصر بعد الفوز على بوركينا فاسو    القيعي: أشفق على كولر بسبب الضغوط.. وأطالب اللاعبين بالتركيز    أحلى بطيخ ممكن تاكله والناس بسأل عليه بالاسم.. بطيخ بلطيم.. فيديو    الحبس وغرامة 300 ألف جنيه عقوبة استخدام برنامج معلوماتي في محتوى مناف للآداب    بظل شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اقتحام واسع للمسجد الأقصى وطقوس ل"أمناء الهيكل"    الأربعاء ..الصحفيين توقع بروتوكول تعاون مع بنك ناصر الاجتماعي    ارتفاع أسعار النفط وسط آمال خفض الفائدة الأمريكية في سبتمبر    نور الشربينى تواصل الدفاع عن اللقب وتتأهل لنصف نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    الأرصاد تكشف حالة الطقس أيام عيد الأضحى وتؤكد: الجمعة ذروة الموجة الحارة    بعد إحالة أم وعشيقها للجنايات، ننشر أقوال مجري التحريات بواقعة مقتل الطفلة ريتاج    عمرو دياب يُحيي حفل زفاف جميلة عوض وأحمد حافظ    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    وفاة المخرج المسرحي محمد لبيب    ماذا كان يفعل النبي محمد بعد رؤية هلال شهر ذي الحجة؟ دار الإفتاء توضح    «زوجي عاوزني أشتغل وأصرف عليه؟».. وأمين الفتوى: عنده مشكلة في معرفته لذاته    «يقول الشيء وعكسه ويروي قصصًا من خياله».. ماذا قالت اللجنة الطبية عن القوى العقلية ل«سفاح التجمع»؟    تفاصيل إصابة لاعبي الكاراتية بمركز شباب مساكن إسكو    ميلان يعثر على خليفة جيرو    حزب مصر أكتوبر يجتمع بأمانة الغربية بشأن خطة عمل الفترة المقبلة    جمال شقرة يرد على اتهامات إسرائيل للإعلام: كيف سنعادى السامية ونحن ساميون أيضا؟    توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الثاني من شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أحمد فايق: الثانوية العامة مرحلة فى حياتنا علينا الاجتهاد والنتيجة على ربنا    وجدي زين الدين: خطاب الرئيس السيسي لتشكيل الحكومة الجديدة يحمل توجيهات لبناء الإنسان    موعد صلاة عيد الأضحى 2024.. بالقاهرة والمحافظات    جامعة أسيوط تشارك في المؤتمر ال32 للجمعية الأوروبية لجراحي الصدر بإسبانيا    هانى تمام ب"لعلهم يفقهون": لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    خبير تربوى يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    خبير علاقات دولية: جهود مصر مستمرة في دعم القضية الفلسطينية (فيديو)    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    انطلاق فعاليات الملتقى السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية بشرم الشيخ    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    «تنمية المشروعات»: تطوير البنية الأساسية ب105 ملايين جنيه بالإسكندرية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    «تموين القاهرة» تضبط أكثر من 11 طن دواجن ولحوم و أسماك «مجهولة المصدر»    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأوبئة في الروايات.. من "طاعون" كامو إلى "كوليرا" ماركيز
نشر في صوت البلد يوم 04 - 03 - 2020

تحتل الأوبئة والأمراض المستشرية أو "المعدية" واجهة من واجهات التاريخ البشري، وقد توقف عندها المؤرخون بصفتها حروبًا مستترة أو غير معلنة، استطاعت أن تقضي على أعداد هائلة من البشر على مر العصور. وليس وباء الكورونا الخطير الذي يرعب العالم اليوم ويجتاح بلدانًا وأصقاعًا إلا نموذجًا من الأوبئة الشهيرة التي غزت التاريخ وأحدثت هزات عنيفة في الحياة الجماعية، متخطية التخوم الجغرافية والسياسية، مخلفة وراءها مآسي ما برحت محفورة في الذاكرة العالمية. بعض هذه الأوبئة شكل محطات "مظلمة" في التاريخ مثل "طاعون أثينا" الذي حل في العام430 ق.م بُعيد حرب البيلوبونيز الشهيرة، طاعون روما (165- 190 م)، الطاعون الأسود الذي ضرب أوروبا وقضى على ثلث أهل القارة (1347-1352) ثم انتشر في آسيا والشرق الأدنى، طاعون مصر الذي أسقط آلاف الضحايا (1347- 1349). ويقول الكاتب المصري محمد أمير في كتابه "حكايات منسية"، "إن الطاعون الأسود في مصر حصد الكثير من أرواح المصريين، حتى أن الطرق امتلأت بجثث المصابين، وكان يخرج من القاهرة يوميًّا نحو 800 جثة لتدفن خارج العاصمة، حتى أن الأكفان نفدت من الأسواق، وأصبح الدفن من دون غسل أو صلاة أو تكفين". ولا تنسى بتاتًا أوبئة أخرى كانت فتاكة مثل الطاعون، كالجدري الذي ضرب أستراليا في الأعوام الأولى للاستعمار البريطاني والإنفلونزا الإسبانية وإنفلونزا هونغ كونغ، ناهيك عن أوبئة القرن التاسع عشر وفي مقدمها التيفوئيد والملاريا والسفلس والسل والكوليرا وسواها، وأوبئة القرن العشرين مثل الإيدز والإيبولا وسواهما.
"طاعون" ألبير كامو
اللافت أن معظم هذه الأوبئة اجتاحت عالم الأدب والفن ولا سيما الرواية التي بدت مؤهلة لاستيعاب مثل هذه الكوارث بصفتها مادة سردية غنية في وقائعها ومآسيها. ولا تحصى فعلاً الروايات التي تناولت أوبئة مثل الطاعون والكوليرا والسل والإيدز والإيبولا... الكاتب الفرنسي المولود في الجزائر ألبير كامو وضع رواية حملت عنوان "الطاعون" وعرفت نجاحًا فرنسيًّا وعالميًّا منذ صدورها العام1947. اختار كامو مدينة وهران الجزائرية في فترة الأربعينيات عندما كانت تحت نير الاستعمار الفرنسي، موقعًا لأحداث الرواية الواقعية وشبه المتخيلة في آن. فمدينة وهران بحسب المراجع الطبية والاستشفائية لم تشهد هذا المرض الذي يسميه كامو "الطاعون المحرِّر" في تلك السنوات بل عدوى أخرى كانت انتقلت من العاصمة الجزائرية. ومعروف أن وهران اجتاحها الطاعون في القرن الثامن عشر خلال الاحتلال الإسباني. وبحسب الرواية، كانت مدينة وهران بدأت تشهد انتشار وباء الطاعون الذي ضربها وأوقع فيها ضحايا كثرًا وعزلها عن الجوار. يكتشف الدكتور برنار ريو، أحد أبطال الرواية، أن حارس المبنى الذي يقطنه أصيب بمرض لم يلبث أن قضى عليه. ثم يفاجأ الدكتور بشخص يدعى جوزف غران يزوره في عيادته ليعلمه بأن أعدادًا كبيرة من الجرذان تنفق في الشوارع. وغران هذا يعمل في البلدية ويحاول أن ينجز كتابًا، لكنه متوقف عند الجملة الأولى، وهو أول شخص يشفى من الطاعون بعد إيجاد دواء له. على أثر هذه الظاهرة تقرر السلطات، بعد تردد، إغلاق المدينة وعزلها من أجل منع الوباء من التفشي. وعندما يسود الهلع يقرر الصحافي الفرنسي الذي يدعى ريمون رامبر، مغادرة وهران إلى باريس. أما كوتار فيجد حافزًا للبقاء ليواصل نشاطه غير القانوني في مثل هذا الجو المبهم، ويصاب في الختام بالجنون. وبعدما أحدث المرض حالاً من الخراب المادي والاجتماعي في المدينة يتم اكتشاف اللقاح الملائم. الرواية شاءها ألبير كامو رمزية وذات بعد سياسي، فالطاعون هنا إنما يرمز إلى النازية التي كانت بدأت تنتشر، وليست مقاومة المرض سوى مقاومة لهذا الوباء الهتلري المتفشي في ألمانيا وأوروبا. ويقول كامو في رد على مقال كتبه الناقد رولان بارت عن الرواية: "رواية الطاعون، التي شئت أن تُقرأ على مستويات عدة، تحوي مضمونًا واضحًا هو معركة المقاومة الأوروبية ضد النازية".
غير إن روايات عدة تطرقت إلى مرض الطاعون، حقيقة وتخييلاً ومنها على سبيل المثل رواية "الطاعون في نيويورك" للكاتبين الأميركيين غينيث كرافنوس وجون مار. يتخيل الكاتبان أن الطاعون يحل على نيويورك. تعود فتاة من إجازتها في كاليفورنيا إلى شقتها الفخمة في بارك إفينيو، لتكتشف أن عارضًا من السعال الحاد يصيبها فتنقل إلى المستشفى. وما أن يُكتشف مرضها الذي هو الطاعون حتى يبدأ في الظهور والتفشي في منطقة مانهاتن. هنا يبدأ دور الأطباء والممرضين الذين يعلنون حال طوارئ لمواجهة الزائر القاتل. ليست رواية "الطاعون في نيويورك" من نوع الروايات الخيال -علمية ولا الروايات السياسية التخييلية، بل هي رواية كارثة متوهمة، ولكن موثقة علميًّا، غايتها فضح هشاشة الأمن الصحي في أمريكا والعالم الحديث.
الكوليرا في البندقية
وانتفالاً إلى وباء آخر كان له حضوره في أعمال روائية عدة، لا بد من التوقف عند مرض الكوليرا الذي يرد في رواية بديعة هي "موت في البندقية" للكاتب الألماني توماس مان وقد صدرت في العام 1922 ونقلها المخرج الإيطالي لوتشيانو فيسكونتي إلى السينما في فيلم بديع يحمل العنوان نفسه. بطل الرواية غوستاف فون أشينباخ كاتب ألماني معروف من ميونخ، في الخمسين من عمره، يقوم برحلة بعد إصابته بحال من الاضطراب، إلى الشاطئ الأدرياتيكي، تنتهي به في البندقية، المدينة التي لم يشعر يومًا بارتياح إزاءها. في فندق ليدو يكتشف الكاتب الخمسيني الفتى تادزيو، فتى بولوني يجذبه بل يفتنه بجماله النضر. يتكتم الكاتب عن حبه المثالي هذا، لكنه لا يلبث أن يسعى وراء الفتى ومطاردته سرًّا في شوارع البندقية. وبينما يتفشى في المدينة مرض الكوليرا، يصاب أشينباخ بحال من الكآبة ثم تعتريه الحرارة ولا يلبث أن يموت جراء إصابته بوباء الكوليرا. يموت على الشاطئ محدقًا بعينين رقيقتين إلى الفتى، رمز الجمال المثالي، في مشهد رائع وظفه فيسكونتي في فيلمه توظيفًا جماليًّا فائقًا. وباء الكوليرا هنا هو حافز على الموت بصفته مادة إغراء وخلود، بل بصفته رغبة في الموت.
الحب في زمن الكوليرا
وباء الكوليرا يحضر حضورًا طريفًا وغير مأسوي في رواية غبريال غارثيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا". فوباء الكوليرا لم يكن إلا خدعة أو حيلة اعتمدها بطل الرواية ليستفرد بحبيبته على متن سفينة نهرية، بعدما طاردها لسنوات وعقود، وقد بلغ كلاهما سن الشيخوخة. إنها رواية حب بين فلورينتيو وفرمينا تبدأ منذ المراهقة، وتستمر إلى ما بعد بلوغهما السبعين، وتسرد ما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي وما طرأ من تحولات في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والحياة عموماً.
في نهاية القرن التاسع عشر في قرية صغيرة في الكاريبي، يتفق عامل تلغراف فقير وتلميذة جميلة على الحب مدى الحياة والزواج من ثم... لكن الحبيبة تخون الوعد وتتزوج من طبيب. يحافظ العاشق المهزوم على حبه ويسعى إلى تكوين ثروة حتى يكون جديرًا بحبيبته، التي لم يكف عن حبها طوال تلك الأعوام. يصر فلورنتينو على تحقيق هدفه في الزواج من فرمينا أيًّا يكن الثمن. وبعد وفاة زوجها الطبيب وكان كلاهما قد بلغا السبعين، يكتب لها رسائل تتحدث عن الحب والحياة والزواج والشيخوخة فتنال رضاها وتساعدها على تقبل فكرة الشيخوخة والموت. أما هو فظل يرى فيها الحبيبة على الرغم مما فعل بها العمر.
المشاهد الأخيرة في الرواية تدور خلال رحلة في سفينة نهرية يملكها فلورنتينو كان دعا إليها حبيبته فوافقت، وهنا يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه فعلاً على الرغم من شعورها بأن عمرها الذي ناهز السبعين لم يعد صالحًا للحب. ومن أجل الانفراد بها وعيش لحظات جميلة من الحب يريدها طويلة ولا نهاية، يتخلص من المسافرين على متن السفينة معتمدًا خدعة أن السفينة تحوي وباء الكوليرا. تمضي السفينة في عبور النهر ذهابًا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر ولا ترسو إلا للتزود بالوقود. لكن خدعة الكوليرا لن تمر بسهولة بل أحدثت حالاً من الذعر في المدينة.
العمى... وباء ساراماغو
من أغرب الروايات أيضًا في قبيل السرد الوبائي، رواية "العمى" أو "العماية" للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، والمستغرب فيها تحديدًا، جعله العمى مرضًا وبائيًّا ينتشر بسرعة في البلاد. يجد أحد الأشخاص نفسه أعمى فجأة داخل سيارته، ثم يصاب سارق سيارته ثم الطبيب الذي فحصه في عيادته. لا تلبث العدوى أن تنقتل إلى جميع السكان، فيصابون بالعمى ولا تنجو سوى امرأة وحيدة، من هذا المرض الذي يسميه ساراماغو "البياض المشع".
وجراء هذه الكارثة تبادر الدولة إلى حجر المرضى، لكن الفوضى واللامبالاة تزيدان من انتشار الوباء، ويضطر الحراس إلى تهديد المصابين بالقتل فورًا إذا حاولوا الفرار من محاجرهم. الرواية شاءها ساراماغو مجازية، في المفهوم السياسي والاجتماعي، فهو لم يحدد البلاد التي تصاب بالوباء وجعل الناس كلهم في صفوف الضحايا ما عدا امرأة واحدة هي زوجة الطبيب، وهي تطرح على نفسها سؤالاً وجوديًّا: "ماذا يعني أن يكون للإنسان عينان في عالم كل الآخرين فيه عميان؟". وقد يكون هذا السؤال خير مدخل لقراءة أبعاد هذه الرواية البديعة والغريبة تمامًا إلى حد الغرائبية.
الإيدز... وباء العصر الحديث
وما يجدر التوقف عنده أيضًا هو مرض الإيدز أو وباء العصر الحديث كما قيل عنه، وقد أحدث منذ اكتشافه في الثمانينيات، حالاً من الرعب العالمي لا تزال آثاره سارية حتى اليوم. وقد أصاب هذا الوباء مفهوم الحب بل الجنس والعلاقة الجنسية، فهو انتشر بداية كما قيل في أوساط المثليين ثم انتقل إلى دائرة العلاقات الجنسية جاعلاً إياها مشوبة بالخطر، خطر الموت، فهو شديد الانتقال في العلاقات الجنسية. وقد ساهم هذا المرض المعدي في إبراز ظاهرة "الواقي الذكري" الذي يحمي الشريكين من الإصابة به مبدئيًّا. وجد هذا المرض طريقه إلى الرواية وصدرت أعمال عدة كان هو محورها، ومنها رواية "الليالي المتوحشة" للكاتب الفرنسي سيريل كولار الذي كان أحد ضحايا المرض وكذلك رواية "إلى الصديق الذي لم ينقذ حياتي" للكاتب الفرنسي هيرفيه غيبير الذي مات أيضًا به.
والروايتان أقرب إلى السرد السير – ذاتي، فالكاتب سيريل المزدوج الهوية الجنسية، يروي معركته مع المرض وإلى جانبه صديقته لورا التي لم تتخل عنه منذ أن اكتشف إصابته في مرحلتها الأولى (سيروبوزيتيف). أما رواية هيرفيه غيبير فهي تروي بأجزائها الثلاثة، المعاناة النفسية التي كابدها الكاتب بعد إصابته بالوباء. يروي الكاتب صراعه الداخلي بين الأمل والخيبة، وكان إلى جانبه صديق يدعى بيل ما لبث أن تركه، وآخر هو موزيل، فيلسوف مثلي، يكون له عونًا في الأيام العصيبة.
ووهان في رواية أميركية
تثير وسائل التواصل الاجتماعي العالمية والعربية منذ أيام ضجة حول رواية بعنوان "عيون الظلام" للكاتب الأمريكي المعروف دين كونتز صدرت في العام 1981 أي قبل 39 سنة، وفيها يتوقع ظهور فيروس شبيه بالكورونا وتحديدًا في مدينة ووهان الصينية، التي شهدت أول انتشار للوباء الراهن. لكن العودة إلى الرواية التي ترجمت إلى لغات عدة سابقًا ما عدا العربية التي نقلت إليها روايات أخرى للكاتب، تكشف أن ورود اسم مدينة وو هان قد يكون فعلاً مصادفة غريبة، وكذلك تحديد العام 2020، ولو أن التفاصيل السردية توغل في لعبة التخييل العلمي الذي يعد كونتز أحد رواده في العالم. لكنّ المفارقة أن العلماء في مختبرات تابعة للجيش الصيني، هم الذين أوجدوا هذا الفيروس في سياق برنامج الأسلحة البيولوجية في الحروب. يسمي الكاتب الفيروس "ووهان – 400"، واصفًا إياه ب "السلاح المثالي" جراء تأثيره في البشر، فهو لا يبقى خارج جسم الإنسان أكثر من دقيقة، لكنه شديد العدوى وقادر على الانتقال من جماعة إلى أخرى، ومن بلاد إلى أخرى.
يقول الراوي: "إذا فهمت الأمر جيدًا، فإن الصينيين يستطيعون استخدام فيروس "ووهان 400" لإبادة مدينة أو بلاد". ولا يمكن قراءة الرواية إلا في سياقها السياسي الذي يجعل الصين دولة تعتمد الحرب البيولوجية الوبائية. أما في الواقع الراهن فمعروف أن الصين هي التي دفعت حتى الآن ثمنًا باهظًا لتفشي المرض في أراضيها وانعكس سلبًا على اقتصادها. والمفاجئ أن الرواية تنطلق وكأنها رواية بوليسية لتتحول بدءًا من الفصل الثاني إلى التخييل العلمي. تتلقى تينا إيفانس خبر مقتل ابنها داني في حادث سيارة من الشرطة، مع نصيحة بعدم البحث عن التفاصيل والكشف عن الجثة. ولا تمضي سنة حتى تكتشف الأم جملة مكتوبة بالطبشور على اللوح الأسود الذي يملكه ابنها. لعبة أم حقيقة؟ تصاب بصدمة، وتقرر خوض مغامرة البحث عن ابنها الذي كان قصد الصين في رحلة سياحية. هنا تبدأ مغامرة أخرى تكشف أسرار الفيروس الصيني.
تحتل الأوبئة والأمراض المستشرية أو "المعدية" واجهة من واجهات التاريخ البشري، وقد توقف عندها المؤرخون بصفتها حروبًا مستترة أو غير معلنة، استطاعت أن تقضي على أعداد هائلة من البشر على مر العصور. وليس وباء الكورونا الخطير الذي يرعب العالم اليوم ويجتاح بلدانًا وأصقاعًا إلا نموذجًا من الأوبئة الشهيرة التي غزت التاريخ وأحدثت هزات عنيفة في الحياة الجماعية، متخطية التخوم الجغرافية والسياسية، مخلفة وراءها مآسي ما برحت محفورة في الذاكرة العالمية. بعض هذه الأوبئة شكل محطات "مظلمة" في التاريخ مثل "طاعون أثينا" الذي حل في العام430 ق.م بُعيد حرب البيلوبونيز الشهيرة، طاعون روما (165- 190 م)، الطاعون الأسود الذي ضرب أوروبا وقضى على ثلث أهل القارة (1347-1352) ثم انتشر في آسيا والشرق الأدنى، طاعون مصر الذي أسقط آلاف الضحايا (1347- 1349). ويقول الكاتب المصري محمد أمير في كتابه "حكايات منسية"، "إن الطاعون الأسود في مصر حصد الكثير من أرواح المصريين، حتى أن الطرق امتلأت بجثث المصابين، وكان يخرج من القاهرة يوميًّا نحو 800 جثة لتدفن خارج العاصمة، حتى أن الأكفان نفدت من الأسواق، وأصبح الدفن من دون غسل أو صلاة أو تكفين". ولا تنسى بتاتًا أوبئة أخرى كانت فتاكة مثل الطاعون، كالجدري الذي ضرب أستراليا في الأعوام الأولى للاستعمار البريطاني والإنفلونزا الإسبانية وإنفلونزا هونغ كونغ، ناهيك عن أوبئة القرن التاسع عشر وفي مقدمها التيفوئيد والملاريا والسفلس والسل والكوليرا وسواها، وأوبئة القرن العشرين مثل الإيدز والإيبولا وسواهما.
"طاعون" ألبير كامو
اللافت أن معظم هذه الأوبئة اجتاحت عالم الأدب والفن ولا سيما الرواية التي بدت مؤهلة لاستيعاب مثل هذه الكوارث بصفتها مادة سردية غنية في وقائعها ومآسيها. ولا تحصى فعلاً الروايات التي تناولت أوبئة مثل الطاعون والكوليرا والسل والإيدز والإيبولا... الكاتب الفرنسي المولود في الجزائر ألبير كامو وضع رواية حملت عنوان "الطاعون" وعرفت نجاحًا فرنسيًّا وعالميًّا منذ صدورها العام1947. اختار كامو مدينة وهران الجزائرية في فترة الأربعينيات عندما كانت تحت نير الاستعمار الفرنسي، موقعًا لأحداث الرواية الواقعية وشبه المتخيلة في آن. فمدينة وهران بحسب المراجع الطبية والاستشفائية لم تشهد هذا المرض الذي يسميه كامو "الطاعون المحرِّر" في تلك السنوات بل عدوى أخرى كانت انتقلت من العاصمة الجزائرية. ومعروف أن وهران اجتاحها الطاعون في القرن الثامن عشر خلال الاحتلال الإسباني. وبحسب الرواية، كانت مدينة وهران بدأت تشهد انتشار وباء الطاعون الذي ضربها وأوقع فيها ضحايا كثرًا وعزلها عن الجوار. يكتشف الدكتور برنار ريو، أحد أبطال الرواية، أن حارس المبنى الذي يقطنه أصيب بمرض لم يلبث أن قضى عليه. ثم يفاجأ الدكتور بشخص يدعى جوزف غران يزوره في عيادته ليعلمه بأن أعدادًا كبيرة من الجرذان تنفق في الشوارع. وغران هذا يعمل في البلدية ويحاول أن ينجز كتابًا، لكنه متوقف عند الجملة الأولى، وهو أول شخص يشفى من الطاعون بعد إيجاد دواء له. على أثر هذه الظاهرة تقرر السلطات، بعد تردد، إغلاق المدينة وعزلها من أجل منع الوباء من التفشي. وعندما يسود الهلع يقرر الصحافي الفرنسي الذي يدعى ريمون رامبر، مغادرة وهران إلى باريس. أما كوتار فيجد حافزًا للبقاء ليواصل نشاطه غير القانوني في مثل هذا الجو المبهم، ويصاب في الختام بالجنون. وبعدما أحدث المرض حالاً من الخراب المادي والاجتماعي في المدينة يتم اكتشاف اللقاح الملائم. الرواية شاءها ألبير كامو رمزية وذات بعد سياسي، فالطاعون هنا إنما يرمز إلى النازية التي كانت بدأت تنتشر، وليست مقاومة المرض سوى مقاومة لهذا الوباء الهتلري المتفشي في ألمانيا وأوروبا. ويقول كامو في رد على مقال كتبه الناقد رولان بارت عن الرواية: "رواية الطاعون، التي شئت أن تُقرأ على مستويات عدة، تحوي مضمونًا واضحًا هو معركة المقاومة الأوروبية ضد النازية".
غير إن روايات عدة تطرقت إلى مرض الطاعون، حقيقة وتخييلاً ومنها على سبيل المثل رواية "الطاعون في نيويورك" للكاتبين الأميركيين غينيث كرافنوس وجون مار. يتخيل الكاتبان أن الطاعون يحل على نيويورك. تعود فتاة من إجازتها في كاليفورنيا إلى شقتها الفخمة في بارك إفينيو، لتكتشف أن عارضًا من السعال الحاد يصيبها فتنقل إلى المستشفى. وما أن يُكتشف مرضها الذي هو الطاعون حتى يبدأ في الظهور والتفشي في منطقة مانهاتن. هنا يبدأ دور الأطباء والممرضين الذين يعلنون حال طوارئ لمواجهة الزائر القاتل. ليست رواية "الطاعون في نيويورك" من نوع الروايات الخيال -علمية ولا الروايات السياسية التخييلية، بل هي رواية كارثة متوهمة، ولكن موثقة علميًّا، غايتها فضح هشاشة الأمن الصحي في أمريكا والعالم الحديث.
الكوليرا في البندقية
وانتفالاً إلى وباء آخر كان له حضوره في أعمال روائية عدة، لا بد من التوقف عند مرض الكوليرا الذي يرد في رواية بديعة هي "موت في البندقية" للكاتب الألماني توماس مان وقد صدرت في العام 1922 ونقلها المخرج الإيطالي لوتشيانو فيسكونتي إلى السينما في فيلم بديع يحمل العنوان نفسه. بطل الرواية غوستاف فون أشينباخ كاتب ألماني معروف من ميونخ، في الخمسين من عمره، يقوم برحلة بعد إصابته بحال من الاضطراب، إلى الشاطئ الأدرياتيكي، تنتهي به في البندقية، المدينة التي لم يشعر يومًا بارتياح إزاءها. في فندق ليدو يكتشف الكاتب الخمسيني الفتى تادزيو، فتى بولوني يجذبه بل يفتنه بجماله النضر. يتكتم الكاتب عن حبه المثالي هذا، لكنه لا يلبث أن يسعى وراء الفتى ومطاردته سرًّا في شوارع البندقية. وبينما يتفشى في المدينة مرض الكوليرا، يصاب أشينباخ بحال من الكآبة ثم تعتريه الحرارة ولا يلبث أن يموت جراء إصابته بوباء الكوليرا. يموت على الشاطئ محدقًا بعينين رقيقتين إلى الفتى، رمز الجمال المثالي، في مشهد رائع وظفه فيسكونتي في فيلمه توظيفًا جماليًّا فائقًا. وباء الكوليرا هنا هو حافز على الموت بصفته مادة إغراء وخلود، بل بصفته رغبة في الموت.
الحب في زمن الكوليرا
وباء الكوليرا يحضر حضورًا طريفًا وغير مأسوي في رواية غبريال غارثيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا". فوباء الكوليرا لم يكن إلا خدعة أو حيلة اعتمدها بطل الرواية ليستفرد بحبيبته على متن سفينة نهرية، بعدما طاردها لسنوات وعقود، وقد بلغ كلاهما سن الشيخوخة. إنها رواية حب بين فلورينتيو وفرمينا تبدأ منذ المراهقة، وتستمر إلى ما بعد بلوغهما السبعين، وتسرد ما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي وما طرأ من تحولات في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والحياة عموماً.
في نهاية القرن التاسع عشر في قرية صغيرة في الكاريبي، يتفق عامل تلغراف فقير وتلميذة جميلة على الحب مدى الحياة والزواج من ثم... لكن الحبيبة تخون الوعد وتتزوج من طبيب. يحافظ العاشق المهزوم على حبه ويسعى إلى تكوين ثروة حتى يكون جديرًا بحبيبته، التي لم يكف عن حبها طوال تلك الأعوام. يصر فلورنتينو على تحقيق هدفه في الزواج من فرمينا أيًّا يكن الثمن. وبعد وفاة زوجها الطبيب وكان كلاهما قد بلغا السبعين، يكتب لها رسائل تتحدث عن الحب والحياة والزواج والشيخوخة فتنال رضاها وتساعدها على تقبل فكرة الشيخوخة والموت. أما هو فظل يرى فيها الحبيبة على الرغم مما فعل بها العمر.
المشاهد الأخيرة في الرواية تدور خلال رحلة في سفينة نهرية يملكها فلورنتينو كان دعا إليها حبيبته فوافقت، وهنا يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه فعلاً على الرغم من شعورها بأن عمرها الذي ناهز السبعين لم يعد صالحًا للحب. ومن أجل الانفراد بها وعيش لحظات جميلة من الحب يريدها طويلة ولا نهاية، يتخلص من المسافرين على متن السفينة معتمدًا خدعة أن السفينة تحوي وباء الكوليرا. تمضي السفينة في عبور النهر ذهابًا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر ولا ترسو إلا للتزود بالوقود. لكن خدعة الكوليرا لن تمر بسهولة بل أحدثت حالاً من الذعر في المدينة.
العمى... وباء ساراماغو
من أغرب الروايات أيضًا في قبيل السرد الوبائي، رواية "العمى" أو "العماية" للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، والمستغرب فيها تحديدًا، جعله العمى مرضًا وبائيًّا ينتشر بسرعة في البلاد. يجد أحد الأشخاص نفسه أعمى فجأة داخل سيارته، ثم يصاب سارق سيارته ثم الطبيب الذي فحصه في عيادته. لا تلبث العدوى أن تنقتل إلى جميع السكان، فيصابون بالعمى ولا تنجو سوى امرأة وحيدة، من هذا المرض الذي يسميه ساراماغو "البياض المشع".
وجراء هذه الكارثة تبادر الدولة إلى حجر المرضى، لكن الفوضى واللامبالاة تزيدان من انتشار الوباء، ويضطر الحراس إلى تهديد المصابين بالقتل فورًا إذا حاولوا الفرار من محاجرهم. الرواية شاءها ساراماغو مجازية، في المفهوم السياسي والاجتماعي، فهو لم يحدد البلاد التي تصاب بالوباء وجعل الناس كلهم في صفوف الضحايا ما عدا امرأة واحدة هي زوجة الطبيب، وهي تطرح على نفسها سؤالاً وجوديًّا: "ماذا يعني أن يكون للإنسان عينان في عالم كل الآخرين فيه عميان؟". وقد يكون هذا السؤال خير مدخل لقراءة أبعاد هذه الرواية البديعة والغريبة تمامًا إلى حد الغرائبية.
الإيدز... وباء العصر الحديث
وما يجدر التوقف عنده أيضًا هو مرض الإيدز أو وباء العصر الحديث كما قيل عنه، وقد أحدث منذ اكتشافه في الثمانينيات، حالاً من الرعب العالمي لا تزال آثاره سارية حتى اليوم. وقد أصاب هذا الوباء مفهوم الحب بل الجنس والعلاقة الجنسية، فهو انتشر بداية كما قيل في أوساط المثليين ثم انتقل إلى دائرة العلاقات الجنسية جاعلاً إياها مشوبة بالخطر، خطر الموت، فهو شديد الانتقال في العلاقات الجنسية. وقد ساهم هذا المرض المعدي في إبراز ظاهرة "الواقي الذكري" الذي يحمي الشريكين من الإصابة به مبدئيًّا. وجد هذا المرض طريقه إلى الرواية وصدرت أعمال عدة كان هو محورها، ومنها رواية "الليالي المتوحشة" للكاتب الفرنسي سيريل كولار الذي كان أحد ضحايا المرض وكذلك رواية "إلى الصديق الذي لم ينقذ حياتي" للكاتب الفرنسي هيرفيه غيبير الذي مات أيضًا به.
والروايتان أقرب إلى السرد السير – ذاتي، فالكاتب سيريل المزدوج الهوية الجنسية، يروي معركته مع المرض وإلى جانبه صديقته لورا التي لم تتخل عنه منذ أن اكتشف إصابته في مرحلتها الأولى (سيروبوزيتيف). أما رواية هيرفيه غيبير فهي تروي بأجزائها الثلاثة، المعاناة النفسية التي كابدها الكاتب بعد إصابته بالوباء. يروي الكاتب صراعه الداخلي بين الأمل والخيبة، وكان إلى جانبه صديق يدعى بيل ما لبث أن تركه، وآخر هو موزيل، فيلسوف مثلي، يكون له عونًا في الأيام العصيبة.
ووهان في رواية أميركية
تثير وسائل التواصل الاجتماعي العالمية والعربية منذ أيام ضجة حول رواية بعنوان "عيون الظلام" للكاتب الأمريكي المعروف دين كونتز صدرت في العام 1981 أي قبل 39 سنة، وفيها يتوقع ظهور فيروس شبيه بالكورونا وتحديدًا في مدينة ووهان الصينية، التي شهدت أول انتشار للوباء الراهن. لكن العودة إلى الرواية التي ترجمت إلى لغات عدة سابقًا ما عدا العربية التي نقلت إليها روايات أخرى للكاتب، تكشف أن ورود اسم مدينة وو هان قد يكون فعلاً مصادفة غريبة، وكذلك تحديد العام 2020، ولو أن التفاصيل السردية توغل في لعبة التخييل العلمي الذي يعد كونتز أحد رواده في العالم. لكنّ المفارقة أن العلماء في مختبرات تابعة للجيش الصيني، هم الذين أوجدوا هذا الفيروس في سياق برنامج الأسلحة البيولوجية في الحروب. يسمي الكاتب الفيروس "ووهان – 400"، واصفًا إياه ب "السلاح المثالي" جراء تأثيره في البشر، فهو لا يبقى خارج جسم الإنسان أكثر من دقيقة، لكنه شديد العدوى وقادر على الانتقال من جماعة إلى أخرى، ومن بلاد إلى أخرى.
يقول الراوي: "إذا فهمت الأمر جيدًا، فإن الصينيين يستطيعون استخدام فيروس "ووهان 400" لإبادة مدينة أو بلاد". ولا يمكن قراءة الرواية إلا في سياقها السياسي الذي يجعل الصين دولة تعتمد الحرب البيولوجية الوبائية. أما في الواقع الراهن فمعروف أن الصين هي التي دفعت حتى الآن ثمنًا باهظًا لتفشي المرض في أراضيها وانعكس سلبًا على اقتصادها. والمفاجئ أن الرواية تنطلق وكأنها رواية بوليسية لتتحول بدءًا من الفصل الثاني إلى التخييل العلمي. تتلقى تينا إيفانس خبر مقتل ابنها داني في حادث سيارة من الشرطة، مع نصيحة بعدم البحث عن التفاصيل والكشف عن الجثة. ولا تمضي سنة حتى تكتشف الأم جملة مكتوبة بالطبشور على اللوح الأسود الذي يملكه ابنها. لعبة أم حقيقة؟ تصاب بصدمة، وتقرر خوض مغامرة البحث عن ابنها الذي كان قصد الصين في رحلة سياحية. هنا تبدأ مغامرة أخرى تكشف أسرار الفيروس الصيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.