عقدت اللجنة المصرية للتضامن برئاسة الدكتور حلمي الحديدى، ندوة عن "ذكري الوحدة بين مصر وسوريا"، بمقر اللجنة، شارك فيها البرلماني محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق والدكتور على الدين هلال وزير الشباب الأسبق والكاتب والمفكر السياسي نبيل زكي المتحدث الرسمي باسم حزب "التجمع" والكاتب الصحفى عبد القادر شهيب، ولفيف من الكتاب والسياسيين من بعض الدول العربية، وذلك لتقييم تجربة الوحدة والخروج بالدروس المستفادة. قال دكتور حلمي الحديدي، إن هذه الوحدة قامت بين مصر وسوريا فى 22 فبراير سنة 58 ونحن اخترنا يوم 18 لإحياء هذه الذكري، حتي نذكر الناس والإعلام بهذه القضية الكبري التي نختلف حول نتائجها فالبعض يعتقد إنها تجربة فاسدة والبعض يقول إنها تجربة حققت بعض النجاحات، والذين يتحدثون عن فشلها يتناسون أن كل عمل إذا أصاب صاحبه له أجران، وإذا أخطأ صاحبه له أجر واحد، ونحن اليوم ننتظر من السادة المتحدثين ليس الحكم فقط على التجربة ولكن إذا قالوا نجحت يقولون لنا عناصر النجاح واسبابه، ومن يري أنها فشلت يقول لنا ما هي الدروس المستفادة من التجربة، فهي بلا شك تجربة كبيرة وعظيمة، حتي إذا كانت قد منيت بالفشل. "أسباب الوحدة" أشار السفير محمد العرابي، إلى أن التجربة كانت هائلة فهي حدث كبير فى ظرف زمني صعب فى ظل خروج مصر من العدوان الثلاثي، استغرقت الوحدة مع سوريا ثلاث سنوات وثمانية شهور وهي تعد فترة طويلة. وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخري فقبيل الوحدة تحرشت تركيابسوريا فأرسل الرئيس جمال عبد الناصر قوات عسكرية إلى سوريا وكانت هذه النواة التي حفزت فكرة الوحدة، وتلاقت الرغبة من الطرفين، حيث كان يعي عبد الناصر البعد الإستراتيجي من خطورة تحرش تركيابسوريا. وهذا المشهد يعاد تكراره بعد مرور 60 عامًا. ويستطرد العرابي قائلا: نبعت فكرة الوحدة من المؤسسات التشريعية فى مصر ونظيرتها فى سوريا، وساعد وجود شكري القواتلي فى نجاح هذه الوحدة حيث كانت لديه توجهات عروبية قومية وكذلك كان الرئيس جمال عبد الناصر. وأضاف العرابي، لا نستطيع أن نقييم هذه التجربة فى معزل عن المحيط الإقليمي، فمثلا لبنان كان ينظر إلى هذه الوحدة بقلق شديد وكذلك الأردنوالعراق. ..أما إسرائيل وغيرها من القوي الإقليمية فإنها لم تنظر إلى هذا الموضوع براحة فإسرائيل كانت ترتعد فرائصها من تجمع ثلاث مصر – سوريا –السعودية. وبناء عليه الوحدة كانت النواة التي أخافت إسرائيل أن تثمر. وفيما يتعلق بالسلبيات، فاللوم يلقي على مصر وسوريا معا، حيث كان ينظر إلى سوريا وكأنها تابعة لمصر، فتم ضم السفارات السورية إلى السفارات المصرية والرئاسة تكون للسفير المصري! ونفس الشيء حدث فى المؤسسات العسكرية، فكان لابد من أن تكون الوحدة تكاملية وليس إندماجية. علي صعيد آخر، الممارسات الخاصة بالتأميم لم تلاق ترحيبا لدي الشعب السوري "الذي هو تاجر بطبيعته". وأضاف العرابي قائلاً: الوحدة كانت قفزة ولكنها فى الهواء والآن ما أحوجنا إلى قيام نظام وحدة عربية.تقوم على اساس العمل الاقتصادي والاقتصادي المشترك، ثم يأتي العمل السياسي فيما بعد. "تحديات المستقبل" وقال دكتورعلي الدين هلال، نحن نتحدث عن تجربة حدثت منذ 60 عامًا أي اننا نتحدث عن الماضي "التاريخ" والتاريخ ما هو إلا أحداث الماضي ينظر إليه بعين الحاضر، وكل جيل يجب أن يفتش فى الماضي عن الدروس التي تساعده على مواجهة تحديات المستقبل.لابد ان ننظر إلى الماضي لنفهمه ونتعلم منه. لا يمكن فهم الوحدة السورية خارج مفاوضات مصر للحصول على السلاح من امريكا، وكذلك المواجهة بين القاهرةوبغداد حول "حلف بغداد" وتأميم شركة قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر، بالإضافة إلى الأطماع التركية الإسرائيلية فى سوريا. الانفصال جاء مدبرا ممولا مخططا من دول اقليمية ودولية. وتساءل هلال: كيف تراجعت أحلامنا؟، كنا دول تناطح الدول الكبري ونطالب بحقنا فى الاستقلال وحقنا فى مواردنا، بعد 60 عاما تضاءل الحلم وأصبح هو الدفاع عن الدولة القطرية، كيف تقزمت الأحلام وانخفض سطح الطموح، لابد أن نشعر بالحزن، فهناك دول أخري كنا متقدمين عنها، أصبحت هي أكثر تقدما بعد مرور ستين عاما، فهل هذا قدر لا يمكن الفكاك منه أم نحن أرتكبنا أخطاء أم لم نع ادوات وعناصر التوازن الدولي. إنما الإجابة لن تكون تاريخية لنري حلا للوضع الراهن، مصر لديها خلافات مع دول شقيقة بسبب موقفنا من الأزمة السورية ورفضنا التدخل فى الشأن السوري. والسؤال الآن هل انتهت العروبة؟، الاجابة لا ولن تنتهي العروبة وانما سيتغير الشكل السياسي للتعبير عنها. "كفى جلد الذات" وقال الكاتب الصحفى محمود مراد، قبل 7 سنوات كنا نتذكر الوحدة مع سوريا وتدمع أعيننا حسرة عليها أما فى السنوات الأخيرة نتذكر الوحدة ونبكي بكاءً حارًا لما آلت إليها الأمور فى سوريا. ما الذي حدث للوحدة التي عقدت فى 22 فبراير 58 نتيجة الأوضاع فى سوريا ثم لماذا حدث الانفصال فى سبتمبر 61؟، لمعرفة ما حدث لابد أن نضع النقاط فوق الحروف، هناك اتهامات قيل انه كان هناك قصور مصري فى سوريا مثل القرارات الأقتصادية وبعض التصرفات الشخصية غير المسئولة، وامتعاض الأحزاب من الوحدة، كذلك التركيز على قول إن الوحدة جاءت من فوق وقال إن الانفصال لم يكن يعبر عن الشعب السوري. فالشعب السوري ثار ضد الانفصال الذي حدث نتيجة مؤامرة خارجية من القوي المعادية للوحدة والمعادية للطموحات العربية بالاشتراك مع عناصر عربية. "ضرورة الوحدة" وأكد الكاتب الصحفى عبد القادر شهيب، أن الوحدة مع سوريا كانت حدثا كبيرا وضخما ليس على المستوي العربي والأقليمي ولكن على مستوي العالم، فالوحدة يمكن وصفها بوحدة الضرورة على الجانبين، فالجانب السوري كان يعاني من مشكلات حتي على مستوي المؤسسة العسكرية، وكان ناصر زعيمًا عربيًا قويا إذ هو المنقذ المنشود فى ظل التهديدات التركية التي كانت تتعرض لها سوريا.علي المستوي المصري كان فكر ناصر القومي مزدهرا جدا وايمانه بالوحدة كان إيمانا قويا، ومع هذا كان يميل إلى التمهل والتريث فى موضوع الوحدة مع سوريا ولكنه اتخذ خطوة الوحدة تحت الضغط السوري خوفا من ان تثار الشكوك وتهتز قومية مصر.. "أنبياء وزعماء الوحدة" واستهل الكاتب الصحفى والمفكر السياسي نبيل زكي كلمته: أنا اتفق مع الزملاء الذين قالوا إن الوحدة العربية حلم لأول مرة يتحقق فى 22 فبراير 58، كان من الصعب أن نصدق أن تصبح مصر وسوريا دولة واحدة خاصة أن هذه الوحدة جاءت بعد إلغاء مصطفى النحاس لمعاهدة 36 ورفضه للحلف الرباعي، وبدء الكفاح المسلح فى منطقة القناة ضد الاحتلال الإنجليزي، وبعد مؤتمر بان دونج، وتأميم قناة السويس، وتنويع مصادر تسليح الجيش المصري، وايضا الوقوف ضد حلف بغداد، وكل المواقف الأخري التي جعلت من مصر منارة للاستقلال الوطني فى المنطقة والعالم، ولكن كان هناك أعداء لهذه الوحدة. وكذلك امريكا كانت ضد الوحدة ومعظم الحكام العرب كانوا ضد الوحدة ما عدا اليمن التي كانت تريد الانضمام للوحدة. واستطرد زكي قائلاً: إن الشكل الأمثل والاكثر عمليًا وملائمة والاكثر ضمانا لنجاح الوحدة ليست الوحدة الاندماجية انما الاتحاد الفيدرالي، هذه القصة صنعت ازمة بيننا وبين الثورة العراقية فى عام 58 والقيادات المصرية اتهمت العراق بانه ضد الوحدة. وكان الاتهام يركز على الحزب الشيوعي العراقي وعندما زرت العراق عكفت على دراسة توجه الحزب الشيوعي من الوحدة وتأكد لدي انه كان يدعو إلى الاتحاد الفيدرالي وبالتالي هو ليس ضد الوحدة انما يري ان الشكل الانسب بعد ما حدث فى سوريا وإلغاء الاحزاب هو الاتحاد الفيدرالي. ولكن الوحدة الاندماجية تعني تصدير التجربة المصرية وتطبيقها بالحرف فى البلد الآخر.