غابت الاحزاب السياسية عن مشهد الانتخابات الرئاسية بشكل حقيقي، فبالرغم من خوض موسي مصطفى موسي رئيس حزب الغد السباق الرئاسي لينافس الرئيس عبدالفتاح السيسي لكن المواطن بات غير مقتنع بان الاحزاب استطاعت ان تدخل سباق المنافسة فى هذه الانتخابات لاسيما وان حزب موسي ليس له نواب فى البرلمان ويفتقد القدرة على الحشد وليس له نسب تصويتية كبيرة يعتمد عليها فى المنافسة فى هذه الانتخابات. تناقش "الاهالي" فى هذا التحقيق مع عدد من الخبراء وقيادات الأحزاب أسباب تراجع الحياة الحزبية فى مصر وكيف تصبح الاحزاب فاعلة فى الحياة السياسية المصرية، وكيف نشهد فى عام 2022 مشهدا انتخابيا اكثر سخونة وأحزابا فاعلة وقادرة على المنافسة. قال الدكتور يسرى العزباوى، الباحث السياسى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الأحزاب تحتاج الي عمل وجهد كبير حتي تصبح قادرة على المنافسة فى الانتخابات الرئاسية، مشيرا الي ان غياب السباق الرئاسي عن اي مرشح حزبي يعكس حالة سياسية وحزبية متدهورة وتحتاج الي اعادة نظر.واعتبر ان العدد الكبير للاحزاب احد اسباب ضعفها، داعيا للدخول فى اندماجات حزبية. واضاف العزباوي ل"الأهالي" أن الاحزاب المصرية فى مازق كبير فالعدد كبير والتأثير محدود وذلك لعدة اسباب منها أنه لم يأت أداء الأحزاب الممثلة فى البرلمان على المستوى المتوقع أو المأمول منها، وما زالت العضوية محدودة فى هذه الأحزاب، كما أن هذه الأحزاب لا تمتلك حركة أو وجودا حقيقيا فى الشارع المصرى. وأوضح الباحث السياسى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك مشكلة متعلقة بالتمويل والعمل العام للأحزاب، بالإضافة إلى غياب القيادات الطبيعية فى القرى والكفور والمحافظات عن الأحزاب وإن وجدت فهى دائمة المشاكل مع القيادات الحزبية، بجانب الانشقاقات والانقسامات المستمرة داخل الأحزاب المصرية. وأشار العزباوى إلى أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية أثرت على الحياة الحزبية بالسلب خاصة الذين مارسوا العنف والإرهاب بعد ثورة 25 يناير، مطالبا بضرورة أن يكون هناك تحالفات وتكتلات تضم عدة أحزاب متشابهة فى البرامج لتقليل عددها. دمج الأحزاب وقالت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق، ومؤسس "التحالف الجمهورى"، ان دمج الاحزاب هو السبيل الوحيد لانقاذها، لتصبح قادرة على المنافسة الحقيقية وبناء علاقات اجتماعية شعبية، مؤكدة أنها يجب أن تتم عن طريق تعديل قانون تأسيس الأحزاب السياسية بحيث يمنح القانون مهلة 6 شهور أو سنة على الأكثر للأحزاب للوصول بالعضوية العاملة فيها إلى ما لا يقل عن 50 ألف عضو موزعين على 10 محافظات على الأقل، والحزب الذى يعجز عن تحقيق هذه النسبة عليه الاندماج مع الأحزاب الأخرى التى تحمل نفس الأيديولوجية، أو يتم حله بقوة القانون. وقالت "الجبالى" إنه من خلال هذه الرؤية ستمنح الأحزاب فرصة أكبر للاندماج فيما بينها، من خلال وضع حافز فى القانون للأحزاب للوصول بفكرة الدمج بشكل قانونى لأن ترك الأحزاب للأهداف والهوى الشخصى لرؤسائها لن يجدى، ومن الممكن أن يكون هذا الحافز دعماً مادياً أو من خلال توفير مساحة لها فى استخدام وسائل الإعلام والصحافة المملوكة للدولة، مما يُحدث الرغبة لدى الأحزاب فى الاندماج، وفتح مقار الدولة كمراكز الشباب وقصور الثقافة أمامها، وهو ما يتيح الفرصة أمام التجمعات الشبابية والثقافية والطلابية طوال العام، مشيرة إلى أن هذا الأمر سيعزز العمل السياسى والحزبى بشرط ألّا يتحول الأمر إلى ساحة للصراع والاقتتال بين شباب الأحزاب. إفراز كوادر وقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن اشكالية ضعف الأحزاب السياسية وعجزها عن الدفع بمرشح لانتخابات رئاسة الجمهورية تتمثل فى وجود مشكلات هيكلية داخل الأحزاب، التى تحول بينها وبين إفراز كوادر سياسية والمبادرة بممارسة سياسية حقيقية، عبر طرح بعض الوجوه للانتخابات الرئاسية، فمنذ ثورة يناير وحتى 30 يونيو لم يحدث حراك داخل الأحزاب. وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن الأحزاب المصرية فشلت فى استقطاب عناصر جديدة، ولم تدخلها القوى المستدعاة والفاعلة فى الحياة السياسية كالشباب، وظلت العناصر القديمة منذ فترة مبارك قابضة على مراكز صنع القرار داخل بعض الأحزاب، موضحا أن هناك أسبابا عديدة أدت لما وصلت له الأحزاب المصرية الآن، فى ظل عدم وجود برامج واقعية أو ممارسة سياسية بعد الثورة، ورفع الدولة يدها عن الأحزاب فى التمويل، واختلاط المال بالنفوذ السياسى داخل الأحزاب. وانتقد فهمى عدم وجود تنشئة سياسية داخل الأحزاب، وعجزها عن إفراز جيل جديد من الكوادر، وعدم تطور برامجها ليتعامل معها الجمهور، وفشلها فى استدعاء الشخصيات، ليصبح كل ما يظهر منها الآن العناوين فقط.. متابعا: "كل هذه الأسباب تسببت فى تراجع دور بعض الاحزاب التي تكتفى بأنشطة ليست من مهمتها، كسفريات الحج والعمرة والأنشطة الاجتماعية التى لا علاقة لها بالسياسة، غير أنها لا تتعامل مع المشكلات الحقيقية التى يواجهها المجتمع، وتقف مكتوفة الأيدى أمام القضايا والاستحقاقات المهمة". الرغوة وقال عاطف مغاوري نائب رئيس حزب التجمع إن التجربة الحزبية التي انشئ فيها 104 أحزاب ولدت اعقاب 25 يناير 2011، مشيرا الى ان هذه الفترة كانت انتقالية وتسمي بفترة "الفوران والرغوة" التي ظهر فيها أحزاب كثيرة وعندما هدأت الاوضاع واستقرت غابت هذه الاحزاب وفقدت حماستها ونشاطها. وأضاف مغاوري أن الحياة الحزبية قبل يناير 2011 كانت تشهد هيمنة نظام الحزب الواحد وهو الحزب الوطني والذي سيطر على كل مناحي الحياة السياسية والحكومية فى قالب عددي وليس فى إطار تعددية حزبية، موضحا ان مصر كان بها قبل عام 2011، "26" حزب وهذا عدد غير قليل بينما كانت مهمشة وممنوعه من كل وسائل التعبير عن الرأي ومحاصرة وتتعرض لاضطهاد شديد. وأشار الى ان مصر بعد يناير 2011 كانت تعيش فى مرحلة انتقالية، بينما الان نحن بدأنا فى مرحلة مستقرة يجب أن تشمل فيها العديد من المكونات والادوات ومنها النخبة السياسية التي يجب ان تتشكل على اسس صحيحة مبنية على مبدا المشاركة وليس على مبدأ التحريض وعندما تتشكل هذه الاحزاب فى هذه الظروف سوف تخرج من بين صفوفها كوادر تتنافس على موقع رئاسة جمهورية.. وأنتقد بعض الاحزاب المعارضة الذين كانوا يبحثون عن مرشح رئاسي بدافع المكايدة، وأردف قائلا "كان ناقص أنهم يبحثوا عن منادي يقول هل من مرشح نغيظ به السيسي وهذا طبعا لا يبنى دولة والذي يضع شروطا ولا يدفع ثمن مواقفه لا يستحق أن يقدم نفسه كبديل". المواطن غاضب وقال عصام خليل رئيس حزب المصريين الاحرار إن المواطن غاضب من الأحزاب السياسية ورافض المشاركة فى الحياة السياسية، لافتا الى ان الممارسات السياسية لبعض الاحزاب السبب فى ذلك الى جانب ضعف الحياة الحزبية منذ سنوات طويلة، مشيرا الى أن مقارنة الوضع فى مصر بالوضع فى اوروبا او الدول الديمقراطية ظالم لان هذه الدولة بها ممارسة سياسية للأحزاب لفترات طويلة جدا. ديكور وقال محمود العسقلاني المتحدث باسم الحزب الناصري، إن بعض الأحزاب انشئت كي تظهر شكل "ديكوري" وتكمل النظام السياسي القائم، لا للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية وتداول السلطة، على عكس ما هو موجود فى الغرب الديمقراطي. وأضاف العسقلاني: "طوال فترة حكم حسني مبارك جُرفت الحياة السياسية ولم يكن نظامه يسمح بوجود أحزاب قوية لمنافسة الحزب الوطني الذي كان يرأسه آنذاك، واستمرت هذه الأزمة ولا يوجد دعم للأحزاب كي تستطيع الانفاق على الحملات الانتخابية".. وتابع: "الصرعات هلهلت الأحزاب من الداخل، فكيف لأحزاب لم تتغلب حتى الآن على مشاكلها ولم تتمكن من اعداد كوادر أن تخوض الانتخابات الرئاسية". 30 يونيو وقال أحمد الشاعر، المتحدث باسم حزب مستقبل وطن، إن عدم دفع الحزب بمرشح لخوض الانتخابات الرئاسية يرجع إلى ان "مستقبل وطن" وليد ثورة 30 يونيو، ولدينا أمانة التدريب والتثقيف ونعد من خلالها الآن كوادر لتكون جاهزة مستقبلا للقيام بهذا الدور وتستطيع خوض الاستحقاق الرئاسي. وأضاف الشاعر "لدينا كوادر حالياً داخل الحزب تستطيع أن تكون وزيراً ومحافظاً، ولدينا 53 نائباً بالبرلمان، وسنخوض انتخابات المجالس المحلية بشراسة ونسعى لأن نكون الحزب الأول فيها، ولكن لم نستطع حتى الآن تقديم رئيس جمهورية لأن هذا المنصب له حسابات أخرى.