نواصل حديثنا فنقول وبالله التوفيق: مما سبق وعرضناه نعلم مقدار العداء الشديد للإسلام من خصومه. فقد تهكموا بالبيضاوي لأنه قال: "إنه سمي بذي القرنين لأنه انقرض في عهده قرنان" وتهكمهم هذا لم يكن بحق. لأن البيضاوي لا يريد بذلك إسكندر المقدوني الذي عاش نيفا وثلاثين سنة. ومن سوء إدراك هؤلاء لعبارة البيضاوي أنهم قالوا: إن البيضاوي جزم بأن ذا القرنين هو إسكندر المقدوني. مع أن البيضاوي أشار في عبارته إلي كل الأقوال ولكن ما الحيلة؟ ومما يدل علي جهل عميق بالتاريخ قولهم: إن إسكندر المقدوني كان وثنيا. مع أن كتب التاريخ مجمعة علي أنه كان من كبار الفلاسفة الموحدين فكيف يكون وثنيا؟. ويستدلون علي كونه وثنيا بأنه ادعي أنه ابن إله المصريين آمون. وإنني أطلب من أتباع المنصرين أن يسألوا في ذلك صغار تلاميذ المدارس ويقولوا لهم هل حقيقة أن إسكندر المقدوني ادعي أنه ابن الإله آمون. وعندها سوف أن يمزقون كتب هؤلاء المنصرين لأن وجودها فضيحة لهم وعار عليهم. والواقع أن الفيلسوف الذي أول عقائده أن الله واحد من جميع الوجوه. مجرد عن المادة. لا يعبدالأوثان لأن في ذلك تناقض واضح لا تسعه إلا عقول الذين يصدقون بالمحال. ولم يكتفوا بكل ذلك بل يزعمون أن إسكندر كان فاسقا وأنه ارتكب جريمة فسق فمات بها سكران. مع أن التاريخ الصحيح يقول: إن الرجل مرض بالحمي الشديدة ومات بها. ولكن الكذب لم يكن عيبا عند أعداء الإسلام. والرأي عندي: أن القرآن الكريم في تنزله بحقيقة ذي القرنين إنما يبين حقيقة مقام وحقيقة دعوة لا حقيقة عبد بعينه أو مخلوق بذاته. فلئن ظهر ذو القرنين في زمان ما. أو في مكان ما.. فليس هو وحده المعني في القرآن الكريم. وإنما هو في حكم الآيات الكريمة التي يجري حكمها علي كل ذي القرنين من لدن آدم إلي قيام الساعة في علم الله تعالي.. لأن حقيقة ذي القرنين- مائتي عام أو أمتين- حقيقة إلهية كبيرة. وسر من أسرار خلافة الله في الأرض. وفتح من فتح الله في البشر. وأقرب ما صح فيه قول السلف الصالح: إنه ليس برسول ولا نبي. ثم قل فيه بعد ذلك ما شئت. لأنه حقيقة وراثة الرسل وورثتهم من الصديقين والشهداء والصالحين. وللحديث بقية.