نواصل حديثنا عن ذي القرنين. فنقول وبالله التوفيق: الأمر الثاني: أن بعض الصفات التي ذكرها القرآن الكريم لم يذكرها المؤرخون الذين أرخوا الإسكندر الأكبر ومنها سفره إلي جهة الغرب. والجواب عن ذلك: أن عدم ذكر بعض الصفات في كتب التاريخ ليس دليلا علي عدم وقوعها. فإن قدماء المؤرخين كانوا يرجعون في مثل ذلك غالبا إلي التوراة. وهي قد أصيبت بتحريف كثير وحذف لأسفار برمتها وزيادة ونقصان. والقرآن قد أعاد ما أسقطه منها المفسدون. فهو الحجة القاطعة. علي أن المؤرخين قد ذكروا معظم الأوصاف وهذا كاف في الدلالة. هذا هو رأي من يطبق القرآن الكريم علي الإسكندر الأكبر المقدوني. ثانيها: أن القرآن لا يريد إسكندر المقدوني. وإنما يريد شخصا آخر اسمه إسكندر الرومي. ويقال له ذو القرنين الأكبر من ولد يافث بن نوح. وكان أسود اللون اسمه عبدالله بن الضحاك. وقيل: اسمه مصعب بن عبدالله. وبين الاثنين نحو ألفي سنة. فالإسكندر الذي يعنيه القرآن متقدم علي المقدوني وقد ملك مدة قرنين. ثالثها: أن القرآن يريد بذي القرنين "أبا كرب" بن عمير بن أفريقس الحميري من ملوك اليمن القدماء. وهو الذي افتخر به تبع اليماني حيث يقول: قد كان ذو القرنين جدي مسلما 1⁄4 1⁄4 1⁄4 ملكا علا في الأرض غير مفند بلغ المشارق والمغارب يبتغي 1⁄4 1⁄4 1⁄4 أسباب ملك من حكيم مرشد فرأي مغيب الشمس عند غروبها 1⁄4 1⁄4 1⁄4 في عين ذي خلب وتأط حرمد وصاحب هذا القول يقول: إن ذا القرنين وذا اليدين وذا يزن ونحو ذلك من ألقاب ملوك اليمن ولأنهم هم الذين يلقبون بذي كذا. وأن أبا كرب هذا في عهد إبراهيم. وقد آمن به فسهل الله له وسائل الملك. حتي ظفر بملك كبير وانتصر علي كل المعمور يومئذ. ولكن أورد علي هذا أن الملك الذي كان في عهد إبراهيم هو النمرود. والجواب: أن ذا القرنين ملك بعد ما هلك النمرود. رابعها: أن القرآن يريد بذلك ملكا من الملائكة أرسله الله في صورة رجل في العالم القديم ليمهد للرسل سبيل الدعوة إلي الله تعالي. كما أرشدنا إلي ذلك أولا. ذلك ما ذكره المفسرون في هذا المقام. وقد عرفت أن أصل الموضوع أن اليهود يسألون عن شخص معين ذكر في كتبهم. ويظهر أنه كان في التوراة ثم حذف منها ولم يكن معروفا. فظنوا أن سيدنا محمد "صلي الله عليه وسلم" لا يعرفه. فأجابهم عنه بما أقنعهم تماما.. وإلي هنا قد انتهي الكلام.