رحم الله تعالي عمر بن الخطاب فعندما كان خليفة للمسلمين عزل أحد ولاته علي الأمصار الإسلامية وأمر بجلده سوطًا واحدًا لأنه أخطأ في اللغة العربية في رسالة أرسلها إلي عمر بن الخطاب حيث قال: "من أبو موسي..." بدلًا من قوله: "من أبي موسي.." فجعل أمير المؤمنين يغضب ويأمر بعزله فورًا خوفًا علي ضياع اللغة العربية حيث إنه في موقع المسئولية ويعلم يقينًا أنّ الضعفَ باللغة العربية يعني ضعفَ الأمة العربية وضعفَ صلتها بالقرآن الكريم وبحسن تلاوته وبالتالي انهزامها وضياعها. قال العالم الإسباني ¢فيلا سبازا¢ :- اللغة العربية من أغني لغات العالم بل هي أرقي من لغات أوروبا لأنها تتضمن كل أدوات التعبير في اصولها. في حين الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة. وإني لأعجب لفئة كثيرة من أبناء الشرق العربي يتظاهر أفرادها بتفهم الثقافات الغربية ويخدعون أنفسهم ليقال عنهم إنهم متمدنون. ويؤكد البعض أن الأُمة عندما تفقد لُغتها الأصلية. وتُهيمن عليها لُغة أخري غير لُغتها. فإنَّ ما يحدث هو أن نجدَ بعد فترة من الفترات أُمة أخري - لها كِيانها وخصائصها - تختلف عن الأُمة الأولي. فكلاهما أُمَّتان مختلفتان - وإن كانوا في الأصل نفس الأُمة السابقة في الموطن الجغرافي. والسلالة البشرية. ولقد عرَف الناس مغبَّة مَن أخَذ العلم بغير لُغة أُمَّته من قديم. وشاعَت في الناس حِكمة يردِّدونها: ¢إن التعليم باللغات الأخري ينقل بعض الأفراد إلي العلم. ولكن التعليم باللغة الوطنيَّة ينقل كل العلم إلي الأُمَّة¢. حقيقة إن الأمر يستدعي منا لحظة توقف وتأمل ومراجعة للنفس. حيث الابتعاد عن لغتنا العربية يعني الابتعاد عن هويتنا العربية التي تميزنا من المحيط إلي الخليج. ويعني الابتعاد عن الثقة بأنفسنا كعرب. ويعني أننا فقدنا واحدة من مقومات الأمة ومميزاتها. وهي لغتها. فما يميّز كل شعب هو لغته وثقافته. ولكن الأمر أصبح خطيرا حيث مظاهر ضياع اللغة لاتخفي علي أحد بحيث أمست لغتنا غريبة بين قومها وأوطانها فعلي مستوي التعليم غزت المدارس الأجنبية بلادنا ومع أهمية اللغات الأجنبية إلا أنها لاينبغي بحال أن تطغي علي اللغة الأم ثم تلتها ظاهرة انتشار الجامعات والمعاهد الأجنبية وغيرها. وعلي المستوي العملي النطق بالعربية في الشارع- إن وجد- أضحي عارا ونكتة وتندرا وتهكما بل واستهزاءا والكتابة علي مواقع التواصل الاجتماعي بصفة خاصة وشبكة الانترنت بصفة عامة أخذت طرائق شتي فمن ¢العربيزية¢ إلي ¢الفرنكو أراب¢ إلي جانب الأخطاء الشنيعة وبالجملة في مختلف وسائل الإعلام وعلي لسان الإعلاميين أنفسهم الذين ينطقون عن عمد أو عدم معرفة كلمات وحروف لاتمت للغة من قريب أو بعيد والناس قد يفهمونها بالسليقة ومنهم من لا يدرك مغزاها ناهيك عن إلقاء الكلمات والدروس والمحاضرات التي حارت أوعية اللغة في توصيفها. وكما يري حميد الهاشمي فإن اللغة العربية تواجه إشكاليات وتحديات عدة تعيق تطورها. وتشكل تحديات للناطقين بها وبخاصة القراء منهم. ومن هذه الإشكاليات. الأصوات والحروف الأعجمية "الأجنبية" المكتوبة في اللغة العربية. والتي لا بد منها في أحيان كثيرة. وبخاصة في حالة كتابة أسماء علم أجنبية أو مصطلحات ومخترعات وما أكثرها. تم توظيفها في العربية وقد عجزت مجامع اللغة العربية عن إيجاد بديل لها أو أنها لم توفق فيما طرحته من بدائل. ومن هذه الحروف التي بات استخدامها واقعا هي: "G). وقد تنوع استخدام بدائلها أو عكسها في العربية. ففي المشرق العربي خاصة بلاد الشام "سوريا ولبنان والأردن وفلسطين" والعراق. يتم غالبا استخدام الشكل "?). وهو من الحروف التي تستخدم في اللغات الهندوآرية مثل الكوردية والفارسية والاوردو والباشتو والتركمانية والتركية القديمة "العثمانية". حيث يستخدم في رسم كلمات مثل انكلترا. وقد استبدل الرسم الحقيقي للحرف بغياب الخط المائل فوقه لتمييزه عن الكاف "ك". وذلك لعدم وجوده في لوحة مفاتيح العربية. وبالمقابل يستخدم المصريون الحرف "ج" بدلا منه. معتمدين علي حدس القارئ أو ثقافته اللهجية. فمثلا يقرأ أهل الصعيد والمناطق الجنوبية في مصر انكلترا/انجلترا بحرف الجيم كما لو يقرأوا كلمة "جواد" العربية. في حين يقرأها القاهريون وغيرهم من مناطق وسط وشمال مصر بلفظها المعتاد أي "G). ويتبعهم بعض أبناء السودان في النموذجين. ذكر الكاتب البريطاني ¢جي. أتش. جانسن¢ في كتابه ¢الإسلام المقاتل¢ عندما قال: إن الإنجليز والفرنسيين عندما كانوا يستعدون في بداية القرن العشرين لجعل المنطقة التي تسيطر عليها الدولة العثمانية مناطق نفوذ خاضعة لسيطرتهم واستعمارهم. قاموا بإجراء بحوث ودراسات كثيرة لمعرفة أسباب قوة وصلابة الإنسان العربي المسلم. وتمكنه من تحقيق انتصارات وفتوحات كبيرة وواسعة من الهند إلي المحيط الأطلسي. فوجدوا أن أهم سبب كان يكمن في طريقة تعلم الطفل العربي. فهو يتعلم القرآن والكتابة قبل سن الخامسة. ويختم حفظ القرآن الكريم الذي يحتوي علي أهم وأفصح التراكيب اللغوية في اللغة العربية. فيتقنها وعمره لا يزيد علي السادسة. لذلك خطط الإنجليز والفرنسيون عدة أمور أهمها. العمل علي إضعاف مدارس ¢الكتاتيب¢ التي كان يتعلم فيها الأطفال العلوم الدينية واللغة العربية وجعلها مقصورة علي أولاد الفقراء. وإنشاء مدارس حكومية للطبقة المتوسطة يدخلها الأطفال بعد سن السادسة. ومدارس أجنبية لأولاد الأغنياء يكون تدريس اللغة الإنجليزية فيها بدرجة أقل مما يدرس في الغرب بهدف تكوين طبقة تتعامل مع الأجنبي المحتل وتصبح غريبة عن مجتمعها وغريبة عن المجتمع الذي تتشبه به في الغرب حتي تظل دائمة الشعور بالنقص. وبذلك يضمن المحتل الأجنبي ولاء هذه الطبقة. أخيرا ظهرت تقارير في الغرب -وكأن التاريخ يعيد نفسه - ترصد عددا من المسئولين في العالم العربي لايجيدون الحديث باللغة العربية في مختلف المواقع ثم تهلل هذه التقارير مؤكدة أن اللغة العربية في طريقها للموت . وهذا معناه عندهم ضعف الأمة بل وموتها أيضا ..فهل تتضافر الجهود لإحياء اللغة قبل أن تموت ونموت معها .؟!