نواصل حديثنا عن أنواع النسخ. فنقول وبالله التوفيق: المثال الثاني: نسخ وجوب استقبال بيت المقدس بوجوب استقبال الكعبة في قوله سبحانه: "قَدْ نَرَي تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" البقرة: 144. وهذان النوعان لا خلاف في جوازهما عقلا. ووقوعهما سمعا عند القائلين بالنسخ كافة. النوع الثالث: النسخ إلي حكم أثقل من الحكم المنسوخ: وفي هذا النوع خلاف بين العلماء. فجمهور العلماء يذهبون إلي جوازه عقلا وسمعا. كالنوعين السابقين. ويستدلون علي هذا بأمثلة كثيرة تثبت الوقوع السمعي. وهو أدل دليل علي الجواز العقلي كما علمت. من تلك الأمثلة أن الله تعالي نسخ إباحة الخمر بتحريمها. ومنها أنه تعالي نسخ ما فرض من مسالمة الكفار المحاربين بما فرض من قتالهم: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهى لَّكُمْ" البقرة 216 ومنها أن حد الزاني كان في فجر الإسلام لا يعدو التعنيف والحبس في البيوت. ثم نسخ ذلك بالجلد والنفي في حق البكر. والرجم في حق الثيب. ومنها أن الله تعالي فرض علي المسلمين أولا صوم يوم عاشوراء. ثم نسخه بفرض شهر رمضان كله مع تخيير الصحيح المقيم بين صيامه والفدية. ثم نسخ سبحانه هذا التخيير بتعيين الصوم علي هذا الصحيح المقيم. وللحديث بقية.