رغم الأحداث الدامية التي تعيشها مصر منذ إسقاط الشعب لحكم جماعة الإخوان الإرهابية. فالملاحظ أن الحادث الأخير الذي شهدته سيناء مساء الخميس الماضي. كان الأكثر إيلاما. وانطلقت الأبواق والأصوات هنا وهناك. تطالب المؤسسة الدينية والإعلامية في مصر بالتحرك وبأقصي سرعة لمواجهة الفكر المتشدد الذي يكاد يأكل الأخضر واليابس ليس في مصر وحدها بل وفي المنطقة برمتها. ووصل الأمر إلي حد مطالبة البعض لعلماء الدين بالتحاور مع المنتمين للجماعات الإرهابية في محاولة لإعادتهم إلي صوابهم سواء انتمي هؤلاء لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية او تنظيم داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية الاخري. بهدف إعادة هؤلاء لصوابهم وتبصيرهم بخطورة معتقداتهم التي تقودهم لممارسة العنف والإرهاب بما يخالف أحكام ومبادئ الإسلام. ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات من يطالبون بالحوار مع الإرهابيين زادت حدة العنف الذي يرتكبه هؤلاء الإرهابيون لدرجة أن تنظيم داعش الإرهابي أصدر بيانا اعتبر فيه سبي النساء وبيعهن إحياء لفريضة إسلامية وهو ما يطرح سؤالا في غاية الاهمية: هل يجوز التحاور مع هؤلاء الذي تخضَّبت أيديهم بدماء الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين ؟ سؤال طرحناه علي عدد من علماء الدين ورصدنا إجاباتهم فكان التحقيق التالي: يقول الدكتور نصر فريد واصل- مفتي مصر الأسبق. وأحد من شاركوا في جولات المراجعات مع الجماعات المتطرفة في الثمانينيات. والتي ثبت نكوص أتباع تلك التيارات عنها-: لابد من الاتفاق علي أن الدين الإسلامي يتسع لكل الاختلافات البشرية. ويحتويها بإنسانية لا تقدر عليها الأنظمة الأخري. هو الحقيقة الأولي التي ينبغي أن يدركها جميع البشر ويتعايشوا معها بانسجام. ولكن للأسف فإن التجربة أثبتت أن المتطرفين الذين عانقوا السلاح أدمنوا ذلك العناق ولم يستطيعوا التبرؤ من قتل الناس. والدليل علي ذلك هو تراجع الكثير من المتطرفين عن فكر المراجعات التي سبق وأبرمناها معهم في الماضي. ولهذا فالأمة العربية والإسلامية ليست بحاجة إلي مراجعات فقهية وفكرية جديدة بقدر الحاجة للتصدي لفتاوي القتل باسم الدين ودعاوي الجهاد دفاعا عن الشريعة الإسلامية وهي براء منهم. وقد أثبتت الأيام الماضية أن هناك عشرات التيارات التي خضع أتباعها وأوصلتهم إلي حمل السلاح ضد مواطنيهم وضد إخوتهم وأشقائهم في بعض الأحيان وهو ما يعني أننا بحاجة ماسة لحركة تصحيحية ليس بهدف إرجاع الإرهابيين لأنهم سلموا رءوسهم للشيطان ولكن بهدف تحصين الشباب المسلم الذي لم ينخرط بعد في أي اتجاه أو جماعة. ولكن في ظل سيطرة الكثير من الجماعات الإرهابية علي مواقع التواصل الاجتماعي فإن هؤلاء الشباب في مرمي الخطر ومن الممكن أن يتعرضوا لغسيل أدمغتهم بما يقودهم نحن اعتناق الفكر التكفيري والإرهابي . يضيف د.واصل : باختصار فنحن في حاجة إلي وضع آلية متكاملة وتتميز بواقعيتها وعلميتها لمواجهة الفكر التخريبي والإرهابي علي أن يتم ذلك من خلال دراسة أسباب تحول هؤلاء من اعتناق الأفكار الوسطية إلي اعتناق الفكر المتشدد والإرهابي وتبني العنف وسيلة لنشر افكارهم وسيؤدي دراسة ذلك التحول إلي خروجنا بفكرة دقيقة وواضحة نضع من خلالها خريطة اسلامية توضح لكل الجهات والمؤسسات نقاط القوة والضعف وفرص النجاح والمخاطر المحيطة بكل مراجعة فكرية أو جهد دعوي أو رؤية أو آلية جديدة معززة لإعادة المنحرفين وذلك بما يحقق الانتقال بالمعالجات الفكرية من مرحلة الكلام المنمق في القاعات المكيفة إلي حيز التنفيذ علي أرض الواقع بحيث يشعر بها رجل الشارع العادي. فتح الباب أما الدكتور الأحمدي أبو النور- وزير الأوقاف الأسبق- فيقول: من الممكن فتح باب الحوار مع أي إنسان شريطة ألا تكون يديه قد تلوثت بالدماء. أما الإرهابيون الذين تلوثت أياديهم بالدماء فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل التحاور معهم لأن الدم الملوثة أياديهم به سينادي بالقصاص وعليها فسيكون مطلوب منا القصاص منهم قبل الحوار. والامران لا يستقيمان أما المُغرَّر بهم من أنصار الجماعات الإرهابية أو التكفيرية فهؤلاء من الممكن فعلا التحاور معهم لجرهم إلي الطريق المستقيم شريطة أن يعترفوا بداية بعدم مشروعية رفع السلاح من قبل المسلم في وجه العزل من الناس. ولابد ونحن نتحدث عن كيفية التعامل مع الإرهابيين أن نؤكد أن الإرهاب من أعظم الجرائم في شريعتنا وهي جريمة تساوي الإفساد في الأرض. فترويع الآمنين جريمة فاعلها سيلقي عند الله عز وجل بعقوبات أليمة إن أفلت بها في الدنيا. فإن قدر عليه فقد نزل عقابه في كتاب الله في آية الحرابة. وجريمة الإرهاب يحق فيها أربع عقوبات: إما قطع اليد والأرجل من خلاف إن كان الاعتداء علي المال فقط. وإما أن يُصلب ويُقتل إن كان القتل مع إرهاب المقتول. وأخف العقوبات في الإرهاب أن يُنفي إلي مكان خارج العمران في مكان لا يستفيد فيه. أو بالحبس باعتبار أن المحبوس منفي عن الناس فلا إفساد في الأرض أكبر من أن يروَّع الآمنين ويكدر عليهم صفو أمنهم الذي حرَّمه رب العالمين من فوق سبع سماوات. وديننا لا يعرف الإرهاب ولا يحض عليه إلا أن يكون إرهابا لأعداء الله تعالي. أما بين الآمنين وهم من يقومون في أرض تُحكم بحكم الإسلام. مسلم وغير مسلم. فإرهابهم حرام والاعتداء عليه جريمة نكراء. ومن جاء بحكم غير هذا فليدل علي مصدره. باختصار فإن الإرهاب تشريع شيطاني ومن يفعله لا دين له ولا شريعة ولا عقيدة ولا يُعظّمون حُرُمات الله تعالي والله قادر عليهم. تجربة شخصية ويعرض الدكتور أسامة القوصي- الداعية السلفي المعروف- تجربة شخصية فيقول: لدي تجربة الحوار مع المتطرفين وأستطيع أن أؤكد ان المنتمين للجماعات التكفيرية وخاصة هؤلاء الذين رفعوا السلاح في وجه الناس وكفروهم وقتلوهم ينتمون إلي مدرسة فكرية تقوم علي شروحات دينية متطرفة ونظرة ثقافية ضيقة لا تري لغيرها الحق في الوجود أو الحياة والحوار معهم لا يجد علي الإطلاق. ولهذا أستطيع أن أؤكد هنا أنّ محاولة الحوار مع الإرهابيين لن تجدي ولن تؤد إلي تغيير قناعات هؤلاء سواء في فكرهم او في منهجهم الديني. لأنّ الأيديولوجيا التي يحملونها ليست مجرد شبهة دينية مرتبطة بفكر ضال يمكنه أن يهتدي للطريق القويم» بل إنها مبدأ متأصّل لديهم يعتمد علي الإرهاب وقتل الأبرياء وتدمير الحياة والقضاء علي المستقبل. والدليل علي عجز الحوار عن إعادة هؤلاء للطريق الصحيح هو عودة الكثير ممن خاضوا برامج المناصحات والحوار في عدد من المجتمعات العربية إلي اعتناق الفكر المتطرف مرة أخري. وهو ما يؤكد أن عملية الانغلاق التي يعاني منها كل تكفيري لا يمكن التجرد منها. خاصة عندما يكون هذا التكفيري قد شارك بالقتال في مناطق الصراع حتي أن الإرهابيين في داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية يقولونها صراحة :من عانق السلاح لم يتركه حتي تقوم الساعة. فكر منغلق يضيف د. القوصي : ولنا فيما يقوله التكفيريون عبر منصاتهم الإعلامية الدليل علي انغلاق أفكارهم وعدم تقبلهم لأي نصح. فنحن حين نسمع خطب المتطرّفين ونقرأ ما يكتبون نجدها مملوءة بفتاوي ما أنزل الله بها من سلطان. ونحن إذا كنا نبحث عن مواجهة الإرهاب فعلينا تحصين شبابنا ونشئنا. فهؤلاء هم الامل. ونحن إذا نجحنا في تحصين الشباب والنشء سنفقد الإرهابيين أحد مصادر قوتهم المتمثلة في الوقود الذي يستخدمونه في معاركهم غير الشرعية وهم الشباب. لهذا فعلينا اجراء تغييرات جذرية في مناهجنا التعليمية بحيث تخلو من التحريض علي العنف. وعلينا أيضا محاسبة وإبعاد كل معلم من ذوي الفكر المتطرف وتوجيه النشاط نحو الفكر الوسطي. كما يجب اجراء تغييرات جذرية بوسائل الإعلام وسياساتها بحيث يبذل الإعلام جهده لحظر أي فكر متطرف والتعتيم علي صور وتقارير الشخصيات المتطرفة كي لا نصنعهم أبطالاً دون أن نعلم ولابدّ أيضا من تغييرات جذرية بخطباء المساجد لأنّ كثيرا منهم من ذوي الفكر المتطرف وتجدهم يتحفزون علي الدعاء لمن يسموهم مجاهدين. وبعضهم يعني داعش في دعائه بحيث يكون خطباء المساجد لا يتبعون منهجا متشدداً بل يجب أن يبعد كل من هو متشرب لفكر التطرف والعنف. الانغلاق الفكري ويقول الشيخ محمد زكي البداري- أمين عام اللجنة العالمية للدعوة الإسلامية بالأزهر-: هناك حقيقة لابد من التأكيد عليها وهي أن الاسلام النقي لو عُرض بأصالته وقوة حججه علي أي شخص مهما بلغ انحرافه الفكري قادرى علي إعادة انتاج الشخص المعروض عليه وإزالة ما علق في ذهنه من أوهام وشبهات وضلالات. ومساعدته علي الاندماج من جديد في المجتمع وتطبيع حياتهم الاجتماعية. ولكن المشكلة التي لا يعيها الكثيرون أن سيطرة الفكر المتطرف علي اتباع الجماعات الإرهابية والتكفيرية أدت إلي حدوث ما يسمي الانغلاق الفكري لدي هؤلاء الاتباع. وأصبحوا غير مستعدين لقبول الفكر الإسلامي الصحيح. ولهذا فلن يجد معهم أي حوار. والدليل مبادرات الحوار مع المتطرفين التي قامت بها بعض المؤسسات الدينية في مصر والمملكة العربية السعودية أدت إلي رجوع نسبة قليلة للغاية من المتطرفين إلي صوابهم ولكن النسبة الأعظم ظلت علي عنادها الفكري واعتناقها للفكر التكفيري الهدام . أضاف البداري : باختصار فقد فات أوان المصالحة بعد أن مارس أتباع تلك الجماعة العنف والإرهاب وأسقطوا الكثير من القتلي والجرحي في صفوف البشر ما بين مسلمين وغير مسلمين. فالحوار لن يحقق الغرض المرجو منه فالقاصي والداني يعلمان قبح ما اقترفته الجماعة بحق المصريين الأبرياء من سفك للدماء وقتل للنفس التي حرم الله. وإشاعة العنف والفوضي في كل مكان وإذا كان لابد من هذا الحوار فلابد من الإمساك بكل من تلوثت أياديه بدماء الناس ولا يجوز حتي من منطلق شرعي الحوار مع من حمل السلاح وارتكب جرائم إرهابية روعت المواطنين الآمنين وأن هؤلاء لا بد من خضوعهم للقانون أولا لمحاسبتهم علي جرائمهم المختلفة قبل أي مصالحة معهم.